معنى الاحتفاء بالذكرى

محمد المختار الفال

تحتفي الشعوب والمجتمعات والدول بمنتج حضاراتها وثراء تراثها وشواهد إنجازاتها ومواطن فخرها واعتزازها، كما تتغنى برموزها وأبطالها وما حققوه في المحطات المضيئة من تاريخها ومراحل نهوضها، تهتم بكل ذلك حتى تظل ذاكرة الإنسان حية متقدة حافظة وواعية لإنجازات الأجيال المتعاقبة، وحتى يثمن الأبناء ما حققه الآباء على مر التاريخ.
والمجتمعات والدول التي لا تهتم بماضيها المؤسس لحاضرها تفرط في استثمار ما يحفز الهمم ويوقظ الضمائر وينفث في الأرواح اليقين بضرورة صناعة مستقبل لا يجهل منطلقاته، ومن لا يعنى بذاكرة التاريخ يهمل عوامل أساسية في ربط الناشئة بوطنهم واعتزازهم به وترسيخ قيمه ومبادئه في وجدانهم..
والإنسان السعودي حين يحتفي بذكرى توحيد المملكة فإنه يحتفي بالقيم والمبادئ ويعتز بالمعاني التي أوجدتها ومكنتها هذه الوحدة ويقدر الجهود والإنجازات الكبرى التي تحققت على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – ومن معه من الرجال المخلصين الذين استشرفوا المستقبل وقدروا قيمة هذا الإنجاز وأعانوا عليه حتى كملت صورته وقويت شوكته. والذين يعرفون واقع الجزيرة العربية وما كانت عليه، قبل هذه الوحدة، يدركون عظمة هذا الإنجاز ويقدرون ما ترسخ على أرض المملكة من أمن واستقرار ورخاء نقل البلاد من حال الحاجة والفرقة والشتات إلى عصر الوفرة والإخاء والتضامن ووضعها على خارطة العالم، دولة فاعلة في مجالها العربي، مؤثرة في محيطها الإسلامي ومشاركة بحضورها الدولي.
وقد سارت هذه الدولة على خطى المؤسس، تنشر الأمن وتبسط الاستقرار وتعمل على ترقية الإنسان واستثمار ثروات الأرض لإسعاده والمضي به على طريق التطور ليظل شريكا حاضرا في المنجز الإنساني، فكان الإنسان – دائما – محور الاهتمام والهدف الأساس فيما اتجهت إليه التنمية بمفهومها الواسع، صحة، وتعليما وتدريبا ومشاركة..
وتحل ذكرى اليوم الوطني هذا العام وبلادنا تنعم بالأمن والاستقرار، رغم ما يحيط بها من حرائق مشتعلة، وتمضي على طريق التنمية الشاملة المتوازنة في الداخل وتتحمل مسؤولياتها ودورها الكبير في دفع الأخطار والشرور عن حدودها وتبادر إلى تقديم العون لأشقائها وأصدقائها ليظل الأمن سائدا والاستقرار هدفا متحققا، في هذا العام تحل الذكرى، والمملكة تخوض حربا عادلة ضد التهديد الحوثي الذي تحركه أيادٍ تضمر الشر لبلادنا وتعمل على نشر الفوضى وعدم الاستقرار وزرع القلاقل والعملاء في الجسد العربي من أجل تحقيق أهدافها بالسيطرة والهيمنة على أجزاء منه، لكن منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم تحركت المملكة في أكثر من اتجاه لإيقاف هذه الأطماع والتصدي للتيار الذي يسعى لمحاصرة المملكة بالأعداء ويثير القلاقل على حدودها. وكانت أولى الخطوات الحازمة التحرك لترتيب أوضاع البيت الخليجي وإزالة كل ما يمكن أن يستغله الأعداء لإضعاف الجهود المشتركة ثم التوجه إلى البيت العربي المتداعي لإيقاف عوامل الضعف وتهديد وحدة الكلمة، وكان لا بد من حماية هذه الترتيبات بتفاهمات دولية استدعت التحرك في جميع الاتجاهات من أجل تأسيس علاقات مع الدول المؤثرة في السياسة الإقليمية والدولية قائمة على الفهم والمصالح المشتركة. وقد أنجزت المملكة الكثير على هذا الطريق في فترة وجيزة، كانت الزيارة الأخيرة إلى واشنطن وتوقيع اتفاقية العلاقات الاستراتيجية للقرن الواحد والعشرين تتويجا لهذا الجهد المثمر والتحرك المدروس.
ونحن نحتفي بذكرى وحدة البلاد، علينا أن ندرك أهمية هذا المعنى ومسؤولية الجميع في حمايته وصيانته والوقوف في وجه كل العوامل التي تهدده، علينا أن نرفض التفرقة على أساس جهوي أو طائفي أو عرقي ونعلن موقفنا الرافض لها في وجه كل دعاتها ومروجيها، ونحمي صفنا من الدخلاء وأصحاب الأهداف الخاصة، ونرفض خطاب الكراهية والتحقير ومظاهر العنصرية والمذهبية وكل ما يسيء لهذا الوطن الكبير العزيز.