هل بعد هذا الكلام ، كلام؟!

مشعل السديري

لو لم يخلقني ربي إنسانا، وخيرت ماذا أريد أن أكون ؟!، لتمنيت بدون أي تردد أن أكون طائرا مهاجرا – على شرط أن لا أمر بالصحارى العربية ولا حتى مقدار شبر واحد.
فمعروف أن تلك الطيور المهاجرة تقطع مسافات هائلة عبر الجبال والصحارى والمحيطات برحلة موسمية تقوم بها على شكل أسراب وتصل إلى هدفها عبر طريق واحد يتطابق مع نفس الوقت الذي وصلت فيه العام الماضي، وتستمر بالطيران المتواصل ليلا ونهارا باحثة عن المناخ الجديد والطعام والتزاوج.
وقد أصبحت هواية الصيد لهذه الطيور أكثر انتشارا، وخاصة في الدول التي تمر بها رحلة الطيور المهاجرة ومنها المملكة.
وبدون مبالغة لقد أدمت قلبي، وكادت أن تفقأ بؤبؤ عيني صورة وصلتني عبر وسائل الاتصالات، وفيها ثلاث سيارات من ذات الدفع الرباعي يملكها بعض الشباب ممن هوايتهم القتل لمجرد القتل – أكرر (القتل لمجرد القتل)-.
وبمباهاة منهم في عبثهم البطولي، نشروا صيدهم الآثم لتلك الطيور الوديعة، وقد غطت بأشلائها أسطح السيارات، وكبوتاتها وشنطاتها وصداماتها وحتى كفراتها، وما زاد منها نشروه تحت أقدامهم على الأرض.
إن صيدهم الجائر ذاك ليس بسبب الجوع أو من أجل الاكل، ولكن من أجل التسلية لا أكثر ولا أقل، فهي أخيرا انتهت (للكب)، وإن نسيت فلا يمكن أن أنسى رحلة بحرية قمت فيها بباكورة صباي – حلوة كلمة (باكورة)، المهم انني قمت برحلة في أحد القوارب مع مجموعة وكانت وجهتنا جزيرة صغيرة حالمة تدعى (أم القماري)، وهي جزيرة ممتلئة بالأحراش، وتتعاقب عليها طوال السنة فصائل مختلفة من الطيور من أجل التفريخ، وفي تلك الفترة كان الدور على (النوارس)، وهالني منظر الآلاف المؤلفة من الطيور والأعشاش والبيض الذي أحال المكان برمته إلى لون أبيض ناصع وكأننا في الشمال الأقصى من (الاسكا).
ولم يقطع علي استمتاعي سوى رجل أرعن من رفاقنا، وذلك عندما امتشق بندقيته (الشوزن) – الخرطوش -، وأطلقها على تلك الطيور كيفما اتفق وقتل العشرات منها وبقيت المئات تتخبط بدمائها إما جريحة أو مكسرة الأجنحة، وكان هو يضحك ويصفق فرحا بإنجازه العظيم.
وكدت من شدة القهر أن أنشب أظافري في حلقه لو لا خوفي من عضلاته المفتولة، ولكنني بعدها قطعت علاقتي به نهائيا من ذلك الوقت حتى الآن، ولو أنني سمعت يوما ما بوفاته فهناك احتمال أنني سوف أترحم عليه، ولكنني يقينا لن أسير بجنازته.
ولكي أريحكم وأريح نفسي قليلا إليكم هذا الوجه الحضاري المشرق الآخر نقلا عن وكالة (رويتر )، الذي جاء فيه:
تحدث (اندرو كومو) حاكم ولاية نيويورك ان مباني الولاية ستطفئ جميع الانوار الخارجية غير الأساسية بدءا من الساعة 11 مساء وحتى الفجر خلال ذروة هجرة الطيور في الربيع والخريف – لكي لا تزعجها وتسبب انحراف بوصلتها.
وستلتزم ولاية نيويورك بإطفاء الأنوار المبهرة خلال فترة ذروة الهجرة الربيعية شمالا بدءا من 15 ابريل وحتى 31 مايو ومره ثانيه خلال فترة الهجرة الخريفية جنوبا إلى المناطق الدافئة من 15 أغسطس حتى 15 نوفمبر.
هل بعد هذا الكلام، كلام ؟!.