الحاجة و«الريسايكلنج»

منصور الطبيقي

لم تكن صادمة لي نتائج الدراسة الأمريكية التي أشارت إلى العلاقة الوطيدة بين الضوضاء (التلوث السمعي) وبين ارتفاع أمراض القلب، فدراسات سابقة أثبتت علاقة القلق والتوتر بأمراض القلب التي تحدثها الضوضاء وعلاقة هرمون الكورتيزول الذي يفرز بكثرة أثناء التوتر حيث يعمل على تخزين وتراكم الدهون وبالتالي حدوث تصلب شرايين القلب التاجية مستقبلا، تمعنت في هذه الدراسة وجلست أخمن كم يا ترى تربى لي من دهون بسبب الجار الذي يبني دورا إضافيا ولا يبرح العمال الموقع ليلا أو نهارا !.
صحتنا للأسف تتأثر بكثير من الملوثات البيئية، فلا يعتقد أحد أن رؤية النفايات المتروكة في الشوارع أو ردميات البناء داخل الأحياء وشاحنات الصرف الصحي (الصفراء المقرفة) أو رؤية المتسولين في الشوارع ذوي العاهات الصعبة أو حتى عمال البلدية (المتسيلون) لا تؤثر على صحتنا النفسية وهذا ما يندرج علميا تحت مسمى التلوث البصري!.
لم أكن أدرك أن الحاجة الأفريقية تقوم بعمل هام جدا وتساعد على تدوير النفايات (الريسايكلنج) أفضل من البلديات لدينا وهي تقوم بالتقاط الخبز الجاف من بين أكياس النفايات والحاويات وتجمع علب المياه الغازية، إلا عندما تركت النفايات أمام منزلي في بريطانيا ثلاثة أيام متواصلة وأنا أقوم بتجميعها أمام المنزل، حيث كان يأتي عمال البلدية يأخذون نفايات جاري ويغادرون، ظننت في البداية بغباء أن هذا الأمر ينطوي على عنصرية مقيتة، حتى جاءني جاري الأسكتلندي وأخبرني أنني لابد أن أضع المخلفات الزجاجية والبلاستيكية كل واحدة بكيس منفرد وإلا لن يحملوها وستظل في مكانها حتى يقوم جميع الجيران بتقديم بلاغ رسمي عني إلى الشرطة!!.
أعرف أن وزارة الصناعة تعطي تصاريح للمستثمرين لعمل مصانع لتدوير النفايات وهناك درسات جدوى إيجابية جدا في هذا المجال، لكن كم يا ترى نفذ منها حتى الآن ومدى استفادة المجتمع منها!.
ألمانيا تقوم بتدوير مياه الصرف الصحي لتصبح مياها نقية صالحة للشرب، ليس لضعف مواردها المائية وهي التي تجري بها أنهار عذبة، ولكن لحرصها على البيئة والصحة العامة، في الوقت الذي لدينا برك ومستنقعات للصرف الصحي نتيجة التخلص منها بطرق خاطئة، صارت مصادر لأمراض خطيرة مستوطنة تصيب الإنسان مثل حمى الضنك التي تمرض المئات سنويا في مدينة جدة!.
غذاؤنا تحفه المخاطر وأنواع مختلفة من الملوثات ليس آخره علاقة الإبل بكورونا والحظائر العشوائية المتواجدة في المحيط السكاني، أو الطعام الملوث في المطاعم بأنواع مختلفة من المكروبات الممرضة!.
الصيد الجائر للحيوانات متواصل وإخلال منظومة التوازن البيئي مستمر، وقطع الأشجار العشوائي منتظم من أجل الحصول على الحطب مع العلم بإمكانية استيراده من الخارج، غير أنه أيضا له تأثيرات سلبية جدا على الصحة قد تصل لسرطان الرئة، إلى جانب تسببه في التصحر واضمحلال الرقعة الخضراء وزيادة الغبار الذي يؤدي إلى الربو والحساسية!.
أنا أتساءل في ختام مقالي: أين دور مجلس الشورى في سن التشريعات التي تعزز من صحة البيئة واستدامتها ومساءلة الجهات الحكومية حسب النظام الذي يثبت تقصيرها أو عدم تعاونها، أين دور المجتمع المدني ورجال وسيدات الأعمال في تعزيز الوعي البيئي والدعوة إلى التغيير البيئي وتنفيذ مشاريـع إيضاحية حول استدامة البيئة، هل يوجد دور تكاملي بين الوزارات الحكومية لتعزيز واستدامة البيئة!؟.
التحديات والمصاعب البيئية صعبة وكبيرة ولا بد من وقفة حازمة لمعالجتها والحيلولة دون تفاقمها..