رسالة حب ووفاء لرفاق السلاح

علي حسن التواتي

هذه الرسالة لكل ضابط وصف ضابط وجندي في (الجيش العربي السعودي) والقوات المساندة، أجدها واجبا علي أداؤه لمن كنت يوما في مكانهم وقلبي ما زال متعلقا بهم.
يا رفاق السلاح لا أجد كلمات تعبر عما يجيش في نفسي تجاهكم أصدق من كلمات الشاعر الفلسطيني توفيق زياد (أناديكم أشد على أياديكم .. أبوس الأرض تحت نعالكم وأقول: أفديكم .. وأهديكم ضيا عيني ودفء القلب أعطيكم)
ولا أظن بأنني اضيف جديدا بما سأقول غير تذكيركم بأنكم تذودون عن حياض أعز وأطهر وطن على وجه الأرض، وأنكم أحفاد الفاتحين العظام الذين حملوا رسالة الاسلام الخالدة من مشرق الأرض إلى مغربها.
انتم من جيش وصل الماضي التليد بالحاضر المجيد فوحد اباؤه واجداده بلادا هي الأكبر في كل شيء في المشرق العربي، وبكم أصبحت الركن المنيع ومحور الاستقطاب والعمل المشترك لرفعة الامتين العربية والإسلامية.
والله انه لمن نافلة القول الاشادة بشجاعة جيش يستشهد قادته الميدانيون قبل افراده ويتسابق كل عناصره للذود عن حمى الأوطان. وإن كنت أنسى فلا أنسى ما حييت يوم الهجوم البري لتحرير الكويت حين سألني صحفي أمريكي من أي نوعية من الرجال أنتم وأنتم تهللون وتكبرون و(تهيجنون) رافعين الصوت بالأناشيد الحماسية التي تمجد راية التوحيد والوطن. قال بالنص الحرفي: هل يدرك هؤلاء أنهم مقبلون على الموت!؟ أم انهم شجعان حد التهور؟ فأجبته بأنهم كما ترى رجال بالغون راشدون ليس فيهم غر أو صبي كما انهم متطوعون لشرف الخدمة العسكرية ومعظمهم خلفهم عائلات وأعين (ترتجيهم) وبعضهم على قدر من الثراء ويمكنه الاستغناء عن هذه الخدمة، ولذلك لا يمكن أن تعطي تكبيرهم وإنشادهم أي تفسير غير الشجاعة الفائقة التي أوافقك أنها فعلا تصل إلى حد التهور ان كنت تعتبر ذلك تهورا. فالشرف العائلي والمعنوي ومنه العسكري في هذه البلاد يعلو فوق كل شرف، وقيمة الذود عن الدين والأرض والعرض تعلو فوق كل قيمة. نعم هم متهورون في حب الوطن وتسنم ذرى المعالي ولا يقبلون بغير النصر أو الاستشهاد.
وإن كنت انسى فلن أنسى تجمع العشرات ممن لم يحظوا بشرف المشاركة في الخطوط الأمامية في الجبهة الشرقية أمام مكتب قائد المنطقة وكان حينها اللواء صالح بن علي المحيا يناشدونه وبعضهم يبكي في سبيل الحصول على شرف التقدم. تخيلوا!؟ هل يوجد في العالم جندي يبكي ليحارب؟ نعم نعم.. هذا هو الجندي السعودي.
ربما لا يعلم غير من خاضوا التجربة أن رفيق السلاح في الميدان يصبح هو القريب والصديق والطبيب وكل شيء جميل يمثله الوطن. وباختصار يصبح هو الوطن. تخاف عليه وتحنو عليه وتحس بالامه وأفراحه وتكون على اتم الاستعداد للتضحية بالنفس لأجله. إنها حالة من الاتحاد العقلي والروحي يصعب فهم طبيعتها وتحليل رموزها حتى على فلاسفة علم النفس والاجتماع.
وفي ختام هذه المقالة لا أجد كلمات وداعية افضل من (الشيلة) العسكرية التي تعبر عن واقع الحال، والتي كتبها الشاعر بدر غازي الذي يبدو أنه عسكري، بحس وطني رفيع ولغة سهلة ومعبرة تلامس المشاعر وتبث الحماس في النفس، خاصة حينما يشدو بها حاتم الشاطري وحاكم الشيباني وكانت إذاعة المملكة العربية السعودية من الرياض تضعها مقدمة لظهور الناطق العسكري في ايجازه اليومي عن الحرب:
زيد يالهاجوس هذا الوقت ليه
شاعرك يضرب دروب المهمهية
شوش يا راسي على اللحن الحماسي
غن يا حاكم بالألحان القوية
الوطن تنزف علشانه دمانا
الشجاعة طبع في النفس الأبيه
يا بلادي واصلي والله معاك
كلنا يا موطني لأجلك ضحيه
الحروب هي دربنا يم المعالي
بالفعايل ما طلبناها عطيه
رددي الله أكبر يا بلادي
كلنا جيناك ما خفنا المنيه
رددي الله أكبر لا يهمك
ديننا الدافع وحبك والحميه
يا بلادي كلنا نحمي ترابك
وأرواحنا لأجلك هديه
الحروب هي دربنا يم المعالي
بالفعايل ما طلبناها عطيه
غطرفي حنا حماة الدين حنا
ما تركنا لأهلنا غير الوصية
ما لنا وأنفاسنا وأرواحنا لك
طايرة في الجو وأرضك مدفعيه
في الطلب جيناك في الصف الأمامي
حزة يعذر خوي في خويه
كلنا كلمة رجل واحد محنك
(ضابط الميدان وأفراد السريه)
من يعاديك ابشري حنا عدوه
درع ثابت والبنادق في يديه
يا وطنا لانكشف ستر العذارى
والله إنا مارضينا بالسويه
السلامة في بعض الأحيان إهانه
والعدو ما بين ذيك وبين وذيه
يشتري سلامته ويصد عنا
أو يجي ويطيح في النار اللظيه
يا وطنا لا تفكر في عدوك
المسمى ما علينا من سميه
ديننا لا من أمرنا ما عصينا
اعتبرنا مهبل بحبك كذيه
مشكلتنا مهبل مهبل مهبل
(لا دعانا الموت فينا جاهليه)
طبعنا يوم التحدي والعنادي
صبت القومان صب الشاذليه.
وطبعا الشاعر لا يعني هنا الجاهلية الدينية ولكنه يشير لبيت في قصيدة عمرو بن كلثوم الشهيرة :
ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا.