آفاق قمة الرياض

محمد المختار الفال

علاقة المنطقة العربية بشعوب القارة الأمريكية اللاتينية تخلو من الكراهية وحمولات الشك المولد لسوء الفهم الذي أساء للشخصية العربية في بعض الدول والمجتمعات الأخرى. والنماذج العربية التي هاجرت إلى ذلك الجزء من العالم في وقت مبكر - نسبيا- كانت نماذج منتجة محافظة على القيم الإنسانية المساعدة على تشكيل الصورة الذهنية الجاذبة ولهذا كانت تلك النماذج قادرة على الانصهار والانسجام مع بيئاتها الجديدة وتقديم ما يؤكد أصالتها وجدارتها بالتقدير والاحترام. وقد ظلت شعوب تلك القارة محتفظة باحترامها للإنسان العربي مما ساعد دولها على تفهم قضاياه ومساندتها في المحافل الدولية.
وفكرة تنظيم قمة عربية أمريكية لاتينية واستمرارها وتطورها يؤكد اتساع القواسم المشتركة بين المجموعتين وإمكانية تعظيم الفوائد وتعميق الأدوار بما يحقق مصالح الجميع. والنتائج تثبت أن هذه القمة جديرة بالاهتمام والعمل على تقوية أسباب تمسك الجميع بها. وتزداد أهمية التواصل في هذه الظروف التي تمر بها المجتمعات والدول العربية وتشكل تحديات حقيقية على أمنها واستقرارها ووحدة أراضي الكثير من دولها.
المنطقة تتعرض لنتائج صراع إقليمي ودولي يهدد أمنها ويشكل خطرا حقيقيا على قيم التعايش بين الطوائف ويزيد من قبح صورة الإنسان العربي المسلم بسبب النماذج الشاذة التي ينتجها ويقدمها الإرهاب ويربطها الإعلام العالمي بإنسان هذه المنطقة مما يشوه حضارتنا وديننا وقيمنا وهو حكم ظالم وصورة غير منصفة تسهم في «تسهيل» تمرير مشاريع تهدف إلى تفتيت المجتمعات والدول وإعادة صياغتها بما يحقق أهداف أصحاب تلك المشاريع.
وللأسف فإن الكثيرين من أهل هذه المنطقة لا يفعلون ما يوقف الخطر بل يسهمون بأخطائهم في استمرار حالة الانحدار.
وللوقوف في وجه هذا التحدي الكبير تتحرك المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في جميع الاتجاهات للوقوف في وجه الخطر وإعادة توحيد الجهود وجمع كلمة العرب واستثمار إمكاناتهم الكبرى لحماية مجتمعاتهم وصيانة أوطانهم وتحرير إرادتهم وتفعيل القوى الكامنة لديهم للدفاع عن ثقافتهم وقيمهم وتبرئتها من تهم الإرهاب والتطرف والكراهية ومعاداة الحياة. وخلال الأشهر القليلة الماضية كانت الرياض محجة للقادة والزعماء من جميع أنحاء العالم لمزيد من الفهم والتنسيق من أجل خير البشرية والأمن والاستقرار. وتمكنت القيادة السعودية من بلورة قناعة لدى الأشقاء بضرورة عودة مفهوم وجوهر التضامن العربي الذي يخدم قضايا ومصالح وأمن العرب ويوقف كل المهددات الخارجية والداخلية. وكان التحالف العربي للوقوف في وجه التمرد الحوثي رمزا عمليا لأهداف السياسة السعودية وقدرتها على قيادة الإرادة العربية إلى حيث تستعيد فاعلية جمع الكلمة من أجل صالح الجميع.
وفي ظل هذه الحقائق تصبح القمة العربية الأمريكية اللاتينية، التي افتتح أعمالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز البارحة في الرياض، جهدا سياسيا مهما وضروريا يساعد على فهم قضايا العرب وعدالتها في المحافل الدولية ويزيد من قدرتهم على الوقوف في وجه التحديات الإقليمية المختلطة بمصالح دولية، فدول القارة اللاتينية بحضورها السياسي وثقلها الاقتصادي ومصالحها المتشعبة من الدول الكبرى صوتا مهما توجب المصلحة الحرص عليه وزيادة تفهمه ودعمه.
وانعقاد القمة في الرياض يزيدها قوة وأهمية وفاعلية لأسباب كثيرة، فالمملكة هي الدولة المحورية في المحيط العربي التي تقود العمل الدبلوماسي النشط لجمع كلمة العرب وهي التي شكلت تحالفا عربيا غير مسبوق للوقوف في وجه التحديات والأطماع الخارجية وهي القادرة والراغبة في تقديم المساعدات لأشقائها لمعالجة قضاياهم الاقتصادية المؤثرة على الأمن والاستقرار ثم هي الدولة العربية الوحيدة في مجموعة العشرين الاقتصادية التي تحرك الاقتصاد العالمي وتؤثر في أسواق الطاقة إلى جانب ما تشهده من تنمية زادت من اتساع سوقها وقدرته على استيعاب المنتجات العالمية ودخولها في بناء شراكات مستقبلية لاستثمار إمكاناتها العلمية والاقتصادية. أي أن المملكة باحتضانها القمة الرابعة واهتمامها بها يعطي هذه القمة القوة والثقة للدفع بها إلى الأمام.
وبيان الرياض يؤكد أهمية القمة للمجموعتين ويدعو إلى توسيع دائرة العمل المشترك وبناء شراكات استراتيجية مع المجموعة اللاتينية الأمر الذي يرشحها لتكون كتلة فاعلة في السياسة والاقتصاد الدوليين، وهذا يستدعي من المجموعة العربية استثمار هذا التقارب والفهم المتبادل لتعزيز المصالح الثنائية والجماعية.
ومصلحة الفهم والتفاهم المشترك تستوجب تطوير آليات لترجمة الرغبات والنوايا إلى مشاريع وبرامج متخصصة تدفع باتجاه زيادة التواصل بين القطاعات المختلفة.
من المعروف أن السياسة والاقتصاد يأتيان في مقدمة ما يهم المؤتمر، وهذا شيء طبيعي ومتوقع، ومطلوب بلورة رؤية تضع الأولويات وتحدد آليات التنسيق للوصول إلى الأهداف المشتركة لكن تظل القنوات الثقافية، بكل تنوعها، والإعلامية مدخلا مهما ومؤثرا في زيادة فهم قضايانا والتعاطف معها.
نحن العرب لدينا قضايا كثيرة، في هذا العصر، ونحتاج من الشعوب المنصفة فهم ثقافتنا وقيمنا والتعرف على حضورنا في المنجز الإنساني حتى نقلل من خسائرنا المعنوية التي نتكبدها بسبب الجهل وعدم قدرتنا على تصحيح الكثير من التجني والأخطاء.