الإرهاب والاقتصاد

عبدالله صادق دحلان

من أهم مقومات الاقتصاد الأمن والأمان وسلامة الاستثمارات والحفاظ على حقوق الإنسان. ولا يمكن أن يكون هناك استثمار بدون استقرار امني وسياسي. ورغم جميع الجهود التي تبذلها الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية في الحفاظ على أمن بلادها ومواطنيها إلا أن الإرهاب الذي لا يعرف ولا يفرق بين الأديان والجنسيات والمذاهب هو ظاهرة أخذت تنتشر من بلاد إلى بلاد يستهدف الأبرياء ويعمل على ضرب اقتصاديات بعض الدول. ولقد عانت المملكة من أفعال واعمال الإرهابيين حتى وصل بهم الحال إلى إرهاب العباد في بيوت الله ولولا الجهود الجبارة التي تبذلها وزارة الداخلية في القضاء على بعض العمليات الإرهابية قبل وقوعها لكانت هناك كوارث كبيرة على الشعب والاقتصاد السعودي. والحقيقة يؤلمنا نحن رجال الأعمال عربا ومسلمين وغير مسلمين أن نرى الإرهاب بدأ يتحول إلى إرهاب منظم وهادف لقضايا سياسية أو إقتصادية. فالإرهاب الذي واجهته فرنسا في الأسبوع الماضي والذي راح ضحيته أكثر من 120 شخصا وجرح المئات ودمر منشآت ودفع إلى فرض حالة الطوارئ في فرنسا واثار الرعب في نفوس الفرنسيين والسياح بأنواعهم لاشك انه سوف يؤثر على السياحة الفرنسية والتي تعتبر هي الأكبر في أوروبا إن لم تكن في العالم ، وهو إرهاب قادم من إرهابيين من خارج فرنسا اندسوا ضمن أشخاص تفاعل العالم لحمايتهم ورعايتهم من المهجرين السوريين مما سبب في حرمانهم من حق اللجؤ في أكثر من نصف الولايات المتحدة ومن بعض دول أوروبا بعد أن تعاطف العالم معهم. أليس هذه نتيجة الأعمال الإرهابية غير الإنسانية ، ولم تكن أسبانيا أحسن حالا قبل سنوات عندما واجهت بعض الأعمال الإرهابية مما ساهم في إنخفاض نسب السياح لاسبانيا واثر في عائداتها الاقتصادية من السياحة لولا تعاون دول الاتحاد الأوروبي ليعود الوضع للاستقرار.
وبالأمس تواجه مصر أزمة إسقاط الطائرة الروسية المغادرة من شرم الشيخ إلى روسيا والتي تعتقد السلطات الروسية أن الطائرة أسقطت نتيجة عمل إرهابي قام بزرع قنبلة في الطائرة وتم إعلان داعش مسئوليته في إسقاط الطائرة انتقاماً للضربات الروسية على داعش في سوريا مما دفع روسيا إلى وقف الطيران الروسي لمصر ووقف السياحة الروسية لشرم الشيخ وأعقبتها بريطانيا بنفس ردة الفعل وسحب جميع رعاياها من شرم الشيخ المنتجع السياحي الشتوي لروسيا وبريطانيا مما كان له الأثر السلبي الكبير على مدينة شرم الشيخ التي كانت تستقبل أكثر من أربعة ملايين سائح سنويا. ويعمل بها حوالي 80 ألف عامل مصري في مختلف التخصصات الخدمية والفندقية مما نتج عنه تسريح 40 ألف عامل عن العمل نتيجة توقف السياح الأجانب لمدينة شرم الشيخ بعد حادث الطائرة الروسية. والحقيقة أنه عقاب فيه إجحاف لمصر ولأهل مصر فالإرهاب لم تستطع الولايات المتحدة أن توقفه فكانت كارثة 11 سبتمبر 2001م هي الأكبر ولم تستطع إسبانيا من وقف الإرهاب الذي تعرضت له إحدى محطات القطار، ولم تستطع فرنسا أن توقف العمل الإرهابي الذي واجهته الأسبوع الماضي ولازالت قوات التحالف ومنذ عام وهي تضرب معاقل داعش وانضمت مؤخرا روسيا وفرنسا للمشاركة في محاربة داعش فكانت النتيجة ردة فعل مؤلمة أثرت على الإنسان الفرنسي والاقتصاد الفرنسي كما هو الحال في مصر التي تمر بظروف اقتصادية صعبة وتعتمد على السياحة بجزء كبير لدعم اقتصادها وتشغيل عمالتها، ولن تنسى مصر دور الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة والإمارات بتقديم البلايين لدعم الاقتصاد المصري والتنمية في مصر ولن ننسى دور رجال الأعمال السعوديين الذين استثمروا 27 بليون دولار في مشاريع اقتصادية صناعية وزراعية وفندقية وعقارية وخدمية في مصر ولن ننسى السياحة الخليجية في مصر التي تعتبر الأكثر إنفاقا مقارنة بجميع السياح من مختلف أنحاء العالم.
ومنطلقا من الروابط المملكة الرسمية والشعبية والتي تمثلت في توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للخطوط السعودية بتسيير رحلات مباشرة إلى شرم الشيخ ليؤكد للعالم وقوف المملكة دولة وشعبا مع مصر واقتصاد مصر. فلن يبقى علينا نحن شعب المملكة المحب لمصر وأهلها إلا دعم اقتصاد مصر بكل حب لمصر ونسير مع توجيهات قائدنا الملك سلمان، وعلى القطاع الخاص والوكالات السياحية استغلال هذه الفرصة في تنظيم الرحلات السياحية لشرم الشيخ ولقد كان لي الشرف أن أكون من ضمن أوائل برنامج المليون سائح سعودي إلى شرم الشيخ والذي أطلقه أخي السفير القنصل العام المصري بجدة الأستاذ عادل الألفي وكان معي مجموعة مكونة من 120 شخصا من الدكاترة والأساتذة والمهندسين والطلبة في طائرة سعودية وأخرى مصرية حظينا فيها بأحسن استقبال وشعرنا بمدى أهمية السياحة لاقتصاد مصر وأهمية الدعم الشعبي والأهلي بجانب الدعم الحكومي وهذا ما يدفعني اليوم إلى توجيه رسالة لمحبي مصر من أبناء الخليج وأسرهم وللجالية المصرية خارج مصر وعلى وجه الخصوص في دول الخليج وأوروبا والجاليات الأجنبية الأخرى والشركات السعودية والخليجية المستثمرة في مصر لتفعيل دورهم السياحي لدعم السياحة في شرم الشيخ. وأخشى ما أخشاه أن تكون هناك مؤامرة على اقتصاد أكبر دولة عربية وذلك لإضعافها وإخضاعها لإملاءات غربية. ولن يوقفنا الإرهاب من السياحة لفرنسا وإسبانيا ومصر.