محمد بن راشد «يرويها».. ويرويها !
الأربعاء / 20 / صفر / 1437 هـ الأربعاء 02 ديسمبر 2015 20:02
محمد الرطيان
(1)
هناك مدن تنام مبكرا..
وهناك مدن تصحو مبكرا.. ولا تنام!
هناك مدن تشرب «حليب» البيروقراطية.. لكي يساعدها على النوم أكثر.
وهناك مدن تشرب الأحلام.. والأفكار «المنشطة» لكي تصحو أكثر.
وكل مدينة بحاجة إلى «سيد».. بحاجة إلى «رجل» يتعامل معها كامرأة رائعة..
يعرف متى يأخذها إلى حفلة أسطورية تتألق فيها..
ومتى يأخذها إلى الطبيب لكي تحافظ أكثر على شبابها..
ومتى يأخذها بين الأحضان لكي تشعر بالأمان والحنان.
(أ)
هذا صباح رائع، ويعد بزخات من المطر.
الكثير من الناس يعشقون «دبي» في هذا التوقيت من العام. أنا أعشقها في كافة الأوقات، وأيا كانت حالة الطقس. أحبها عندما يبلل وجهها المطر، وأحبها عندما تبلل وجهي الرطوبة.
في هذا الصباح، صحوت كعادتي مبكرا، وكعادتي أيضا خرجت دون حراسة إلى منزلي الصغير في الصحراء (لا يحتوي إلا على غرفتي نوم وبعض المرافق) هناك أعود إلي، هناك يصفو ذهني أكثر، هناك تراودني الأحلام الكبرى.
مارست رياضتي اليومية المشي ثلاثة كيلو مترات، صنعت لنفسي قهوتي.. يروق لي طعمها أكثر عندما أطبخها على الحطب.
في الأيام العادية اكتفي بالمشي والتأمل، وشرب القهوة، ومداعبة الخيل.
ــ مرة واحدة في الأسبوع تطول مسافة المشي لتتجاوز العشرة كيلو مترات ــ
بدأ ضوء الشمس يتسلل من وراء غيمة صغيرة انفصلت عن بقية السحب. لا بد من العودة إلى المدينة. في طريقي إلى مكتبي في أبراج الإمارات زخات قليلة من المطر تبلل الزجاج الأمامي لسيارتي. بفعل المطر، والضوء.. والعمل الدؤوب: «دبي» أمامي تتلألأ كلؤلؤة خرافية.
(2)
و «دبي» لم ــ ولن ــ تكون بهذا الشكل
لو لم يكن هنالك رجل اسمه : محمد بن راشد آل مكتوم.
شكلها بأحلامه، ويديه، وطموحه.. فصارت بهذا الشكل البهي.
أتاها كشاعر، وتعامل معها كقصيدة..
كتبها على (بحر الخليج) هذا البحر الذي مات «الخليل بن أحمد»
من دون أن يضيفه إلى بحور الشعر العربي..
بحر اكتشفه محمد بن راشد، وكتب عليه القصيدة / المدينة الأكثر حداثة.
(ب)
هذا صباح رائع، وأظنه مناسبا للعودة إلى أوراقي، التي دائما ما أؤجل العودة إليها.
قبل أن أدخل إلى المكتب وأغلق الباب ورائي، قلت لبعض العاملين معي:
ــ « لا اتصال يحول لي، ولا زيارات، ويتم تأجيل ما في الجدول من أعمال إلى وقت لاحق، ولا أحد يدخل علي خلال الساعات القادمة إلى أن أخبركم »... رأيت الاستغراب على وجوههم، في العادة كنت أطلب التعجيل لا التأجيل!
جلست على الكرسي، رميت هواتفي المحمولة جانبا بعد أن أغلقتها، وسحبت الدرج الأوسط، واخرجت الملف الممتلئ بالأوراق والقصاصات والمفكرات التي لا يحتوي بعضها إلا على سطر واحد ونثرتها على مكتبي. هذا الملف هو المخطط الأولي لما أريد أن أقوله، هو الخارطة لطريق ما مضى من حياتي، وبلغة أهل البناء التي أفهمها هذا الملف وما يحتويه هو القواعد والأساسات الأولى لبناء قصة حياتي وسيرتي الذاتية:
أريده أن يكون شاهقا مثل أحلامي.. وناطحات السحاب.
وأريده أن يكون أليفا وحميميا مثل بيت عائلي.
وأريده أن يكون أنيقا ومرتبا وواضحا مثل شقة صغيرة يؤثثها صاحبها.
(3)
قبل أربعة عقود..
دار في شوارعها.. نظر الى بيوتها المتواضعة والمتناثرة على ساحلها المهمل..
نظر إلى «خورها» البسيط.. في المساء رآها «مهرة» عربية جامحة.. وصغيرة.
ومن دون أن يشعر بالارتباك، تقدم إليها، وأمسك بالرسن، وأخذها بشجاعة إلى أشهر وأكبر حلبات السباق في العالم.. وجعلها تفوز في كل حلبات الدنيا..
الآن، لم تعد الحلبات تسعها.. هي تركض لوحدها !
قلت لكم: لم يرتبك عندما نظر في عيني تلك «المهرة» لأنه ــ وببساطة ــ عرف أنه «فارسها».
(ج)
هذه الأوراق حياتي:
منذ أن كنت ولدا صغيرا يلعب في باحة بيت بلا ماء ولا كهرباء، إلى اللحظة التي كنت أقف فيها أمام شاشات مئات القنوات العالمية لأفتتح أعلى ناطحة سحاب في العالم (برج خليفة).
بين مبنيين.. سأروي لكم المبنى والمعنى.
أقلب الأوراق:
ــ طفولتي، وحكاياتها، وشغبها، وسيدة النساء: أمي اللطيفة «لطيفة».
ــ حياتي في الصحراء وحكايتي مع «بن منانه».
ــ اللحظة التي خرج فيها صدام حسين من الاجتماع وتركني لوحدي في بغداد!
ــ تفاصيل السفر مع والدي للقاء الشيخ زايد في الصحراء والبنود الأولى لاتفاق الاتحاد.
ــ معمر القذافي واتصاله بي لبناء «دبي» ثانية في ليبيا.. وتفاصيل ما جرى لاحقا !
ــ الليلة التي اختطفت فيها «بشار الأسد» من حرسه الخاص !
ــ رحلتي إلى نيويورك وأنا في الثالثة عشرة من عمري وانبهاري بالعالم الجديد.
ــ كيف كنا نسابق الوقت لنفتتح المترو في وقته (9/9/2009) !
ــ كيف بدأ «طيران الإمارات» بطائرتين مستأجرتين إلى اللحظة التي انتزع فيها «مطار دبي» الصدارة من مطار هيثرو البريطاني كأنشط مطار في العالم.
ــ الكتب التي قرأتها.
ــ أحلامي، وآلامي، اللحظات الحرجة، واللحظات الفاخرة، الخيول التي أعشقها، والقصائد، ودبي، والأزمة المالية، طريقتي في الإدارة وإدارتي للطريق إلى الحلم، والكثير من التفاصيل واللحظات الإنسانية، والأسرار التي لم يسبق لي أن أعلنتها !
(4)
هي السيدة.. وهو سيدها.
هي القصيدة.. وهو شاعرها الفذ.
هي المهرة.. وهو فارسها الشجاع.
لهذا لا يمكنك أن تتخيلها من دونه..
ولا تدري..
هل «محمد بن راشد» حلم بمدينة استثنائية..
فتحقق الحلم: «دبي».
أم أن «دبي» حلمت بفتى لا يشبه بقية الفتيان..
فتحقق الحلم: «محمد بن راشد آل مكتوم».
(د)
أقلب الأوراق، أحاول أن أرتبها زمنيا..
من أين سأبدأ ؟ وإلى أين سأنتهي ؟.. حتى هذه اللحظة: لا أعلم !
هل ستكون الحكاية حكاية «دبي» ؟
أم ستكون حكاية الاتحاد وميلاد دولة حديثة ؟
أو أنها ستكون حكايتي، وسيرتي الذاتية ؟
أظنها، ستكون ثلاث حكايات في حكاية واحدة.. وتاريخ تختصره: مدينة !
أنظر عبر زجاج مكتبي في الدور 44 وأرى حلمي أمامي يعانق السحاب..
في الخارج المطر ينهمر بغزارة ويسيل على الزجاج..
وفي الداخل مطر ذاكرتي ينهمر بغزارة أكبر ويسيل على الورق !
(5)
هناك رجال ينامون لكي يحلموا.. فالأحلام لا تأتي إلا في المنام..
«محمد بن راشد» يصحو لكي يحلم !
ولا يكتفي بالحلم.. بل يقاتل لكي يحققه.
تحية له.. ولحلمه الرائع «دْبَــيْ».
(هـ / 6)
محمد بن راشد آل مكتوم.. أكتب سيرتك الذاتية.
أكتب «دبي» على الورق.. كما كتبتها ــ بشكل فاتن ــ على الأرض.
هناك مدن تنام مبكرا..
وهناك مدن تصحو مبكرا.. ولا تنام!
هناك مدن تشرب «حليب» البيروقراطية.. لكي يساعدها على النوم أكثر.
وهناك مدن تشرب الأحلام.. والأفكار «المنشطة» لكي تصحو أكثر.
وكل مدينة بحاجة إلى «سيد».. بحاجة إلى «رجل» يتعامل معها كامرأة رائعة..
يعرف متى يأخذها إلى حفلة أسطورية تتألق فيها..
ومتى يأخذها إلى الطبيب لكي تحافظ أكثر على شبابها..
ومتى يأخذها بين الأحضان لكي تشعر بالأمان والحنان.
(أ)
هذا صباح رائع، ويعد بزخات من المطر.
الكثير من الناس يعشقون «دبي» في هذا التوقيت من العام. أنا أعشقها في كافة الأوقات، وأيا كانت حالة الطقس. أحبها عندما يبلل وجهها المطر، وأحبها عندما تبلل وجهي الرطوبة.
في هذا الصباح، صحوت كعادتي مبكرا، وكعادتي أيضا خرجت دون حراسة إلى منزلي الصغير في الصحراء (لا يحتوي إلا على غرفتي نوم وبعض المرافق) هناك أعود إلي، هناك يصفو ذهني أكثر، هناك تراودني الأحلام الكبرى.
مارست رياضتي اليومية المشي ثلاثة كيلو مترات، صنعت لنفسي قهوتي.. يروق لي طعمها أكثر عندما أطبخها على الحطب.
في الأيام العادية اكتفي بالمشي والتأمل، وشرب القهوة، ومداعبة الخيل.
ــ مرة واحدة في الأسبوع تطول مسافة المشي لتتجاوز العشرة كيلو مترات ــ
بدأ ضوء الشمس يتسلل من وراء غيمة صغيرة انفصلت عن بقية السحب. لا بد من العودة إلى المدينة. في طريقي إلى مكتبي في أبراج الإمارات زخات قليلة من المطر تبلل الزجاج الأمامي لسيارتي. بفعل المطر، والضوء.. والعمل الدؤوب: «دبي» أمامي تتلألأ كلؤلؤة خرافية.
(2)
و «دبي» لم ــ ولن ــ تكون بهذا الشكل
لو لم يكن هنالك رجل اسمه : محمد بن راشد آل مكتوم.
شكلها بأحلامه، ويديه، وطموحه.. فصارت بهذا الشكل البهي.
أتاها كشاعر، وتعامل معها كقصيدة..
كتبها على (بحر الخليج) هذا البحر الذي مات «الخليل بن أحمد»
من دون أن يضيفه إلى بحور الشعر العربي..
بحر اكتشفه محمد بن راشد، وكتب عليه القصيدة / المدينة الأكثر حداثة.
(ب)
هذا صباح رائع، وأظنه مناسبا للعودة إلى أوراقي، التي دائما ما أؤجل العودة إليها.
قبل أن أدخل إلى المكتب وأغلق الباب ورائي، قلت لبعض العاملين معي:
ــ « لا اتصال يحول لي، ولا زيارات، ويتم تأجيل ما في الجدول من أعمال إلى وقت لاحق، ولا أحد يدخل علي خلال الساعات القادمة إلى أن أخبركم »... رأيت الاستغراب على وجوههم، في العادة كنت أطلب التعجيل لا التأجيل!
جلست على الكرسي، رميت هواتفي المحمولة جانبا بعد أن أغلقتها، وسحبت الدرج الأوسط، واخرجت الملف الممتلئ بالأوراق والقصاصات والمفكرات التي لا يحتوي بعضها إلا على سطر واحد ونثرتها على مكتبي. هذا الملف هو المخطط الأولي لما أريد أن أقوله، هو الخارطة لطريق ما مضى من حياتي، وبلغة أهل البناء التي أفهمها هذا الملف وما يحتويه هو القواعد والأساسات الأولى لبناء قصة حياتي وسيرتي الذاتية:
أريده أن يكون شاهقا مثل أحلامي.. وناطحات السحاب.
وأريده أن يكون أليفا وحميميا مثل بيت عائلي.
وأريده أن يكون أنيقا ومرتبا وواضحا مثل شقة صغيرة يؤثثها صاحبها.
(3)
قبل أربعة عقود..
دار في شوارعها.. نظر الى بيوتها المتواضعة والمتناثرة على ساحلها المهمل..
نظر إلى «خورها» البسيط.. في المساء رآها «مهرة» عربية جامحة.. وصغيرة.
ومن دون أن يشعر بالارتباك، تقدم إليها، وأمسك بالرسن، وأخذها بشجاعة إلى أشهر وأكبر حلبات السباق في العالم.. وجعلها تفوز في كل حلبات الدنيا..
الآن، لم تعد الحلبات تسعها.. هي تركض لوحدها !
قلت لكم: لم يرتبك عندما نظر في عيني تلك «المهرة» لأنه ــ وببساطة ــ عرف أنه «فارسها».
(ج)
هذه الأوراق حياتي:
منذ أن كنت ولدا صغيرا يلعب في باحة بيت بلا ماء ولا كهرباء، إلى اللحظة التي كنت أقف فيها أمام شاشات مئات القنوات العالمية لأفتتح أعلى ناطحة سحاب في العالم (برج خليفة).
بين مبنيين.. سأروي لكم المبنى والمعنى.
أقلب الأوراق:
ــ طفولتي، وحكاياتها، وشغبها، وسيدة النساء: أمي اللطيفة «لطيفة».
ــ حياتي في الصحراء وحكايتي مع «بن منانه».
ــ اللحظة التي خرج فيها صدام حسين من الاجتماع وتركني لوحدي في بغداد!
ــ تفاصيل السفر مع والدي للقاء الشيخ زايد في الصحراء والبنود الأولى لاتفاق الاتحاد.
ــ معمر القذافي واتصاله بي لبناء «دبي» ثانية في ليبيا.. وتفاصيل ما جرى لاحقا !
ــ الليلة التي اختطفت فيها «بشار الأسد» من حرسه الخاص !
ــ رحلتي إلى نيويورك وأنا في الثالثة عشرة من عمري وانبهاري بالعالم الجديد.
ــ كيف كنا نسابق الوقت لنفتتح المترو في وقته (9/9/2009) !
ــ كيف بدأ «طيران الإمارات» بطائرتين مستأجرتين إلى اللحظة التي انتزع فيها «مطار دبي» الصدارة من مطار هيثرو البريطاني كأنشط مطار في العالم.
ــ الكتب التي قرأتها.
ــ أحلامي، وآلامي، اللحظات الحرجة، واللحظات الفاخرة، الخيول التي أعشقها، والقصائد، ودبي، والأزمة المالية، طريقتي في الإدارة وإدارتي للطريق إلى الحلم، والكثير من التفاصيل واللحظات الإنسانية، والأسرار التي لم يسبق لي أن أعلنتها !
(4)
هي السيدة.. وهو سيدها.
هي القصيدة.. وهو شاعرها الفذ.
هي المهرة.. وهو فارسها الشجاع.
لهذا لا يمكنك أن تتخيلها من دونه..
ولا تدري..
هل «محمد بن راشد» حلم بمدينة استثنائية..
فتحقق الحلم: «دبي».
أم أن «دبي» حلمت بفتى لا يشبه بقية الفتيان..
فتحقق الحلم: «محمد بن راشد آل مكتوم».
(د)
أقلب الأوراق، أحاول أن أرتبها زمنيا..
من أين سأبدأ ؟ وإلى أين سأنتهي ؟.. حتى هذه اللحظة: لا أعلم !
هل ستكون الحكاية حكاية «دبي» ؟
أم ستكون حكاية الاتحاد وميلاد دولة حديثة ؟
أو أنها ستكون حكايتي، وسيرتي الذاتية ؟
أظنها، ستكون ثلاث حكايات في حكاية واحدة.. وتاريخ تختصره: مدينة !
أنظر عبر زجاج مكتبي في الدور 44 وأرى حلمي أمامي يعانق السحاب..
في الخارج المطر ينهمر بغزارة ويسيل على الزجاج..
وفي الداخل مطر ذاكرتي ينهمر بغزارة أكبر ويسيل على الورق !
(5)
هناك رجال ينامون لكي يحلموا.. فالأحلام لا تأتي إلا في المنام..
«محمد بن راشد» يصحو لكي يحلم !
ولا يكتفي بالحلم.. بل يقاتل لكي يحققه.
تحية له.. ولحلمه الرائع «دْبَــيْ».
(هـ / 6)
محمد بن راشد آل مكتوم.. أكتب سيرتك الذاتية.
أكتب «دبي» على الورق.. كما كتبتها ــ بشكل فاتن ــ على الأرض.