التدين سلوك وليس مظهراً!

تركي العسيري

كنت قد أجّلت الكتابة عن هذا الموضوع لاعتبارات معينة، غير أن التحقيق الذي كتبته الأخت/ بدرية العنزي، في عدد مضى من «عكاظ» بعنوان (التدليس على النساء بمظاهر التدين)، وما نشرته الصحيفة نفسها في عدد الاثنين الماضي عن إمام مسجد يخدر النساء بحجة الرقية الشرعية.. ذكراني برسالة أليمة تصب في الموضوع نفسه كنت احتفظ بها، ضمن الرسائل الكثيرة التي تصلني، من سيدة فاضلة رمزت لاسمها بـ«أم فيصل».. تقول فيها:
«أنا سيدة تقدم إليّ العديد من العرسان فرفضتهم، وحين تقدم إليّ إمام مسجد الحي وافقت على الاقتران به ظناً مني بأن التدين ضمانة لعدم ظلمي وغمط حقوقي.. ومضت السنة الأولى وبعد أن أنجبت منه طفلي الأول.. بدأ الرجل يتغير كثيراً، ولم يعد ذلك الإنسان الذي فضلته على غيره رغم علمي أنني الزوجة الثالثة له، وطلقني دون ذنب مني فقد كنت أسعى لإرضائه بكل السبل، وبعد فترة -هكذا تقول- اتصل بي طالباً مني العودة بشرط أن يكون زواجنا هذه المرة (مسياراً) وبعد تفكير وافقت باعتباره والد ابني الوحيد والذي أريد أن يعيش تحت رعايته، ولم يمض كثير وقت حتى حملت منه ثانية ولما علم بذلك انتابه الغضب وطلب مني «اجهاضه» أو الطلاق. ورفضت أن اجهض جنيني.. وتمّ الطلاق، وها أنذا أكتب إليك لتتعظ من قصتي كل فتاة من «المتلبسين بالتدين».. والدين منهم براء!!».
انتهت رسالة الأخت «أم فيصل» وقد اختصرتها بما لا يخل بصلب الموضوع.
والحق أن هناك قصصاً كثيرة سمعتها وقرأت عنها عن هؤلاء الناس الذين يتخذون من التدين وسيلة للإيقاع بالفتيات إرضاء لشهواتهم.. متذرعين -ربما- بفتاوى أنكرها جمع كبير من العلماء الثقاة يتيح لهم الزواج بنية الطلاق!
ومعلوم أن التدين الحقيقي ليس مظهراً، أو منصباً دينياً، أو إمامة الناس في المساجد بل هو سلوك سوي، وأخلاقيات ولنا في سيدنا وقدوتنا الرسول الكريم الأسوة الحسنة.. فقد بين لنا أنه (ما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم).. «وخيركم خيركم لأهله».. وأحاديث كثيرة تصب في باب الرفق بالمرأة، وإكرامها، وعدم إهانتها أو ظلمها.
إن مجتمعنا السعودي يحترم التدين ويوقر المتدينين، ولكن ذلك لا يمنع من قولنا إن قلة من هؤلاء يتخذون من التدين ستاراً فقط مما لا يؤهلهم لتمثيل الدين الحق القائم على الخلق والعدل وعدم التدليس على الآخرين، المتدين الحق لا يظلم ولا يكذب ولا يغمط حقوق الآخرين، التدين ليس ثوباً نلبسه بل هو ممارسة فعلية تترجمها الأقوال والأفعال.
أذكر حين كنت مدرساً تعيساً في مطلع شبابي أن مدير التعليم وقتها كان «متشددا» يميل كل الميل إلى المتدينين أو الذين يظهر عليهم سيماء التدين.. مما حدا بأحد الزملاء من المدرسين «المتعاقدين» الذي عانى كثيراً من حركة التنقلات الدائمة، وكان «حليقاً» وحريصاً على حلاقة لحيته يومياً، أن يطلق للحيته العنان حتى باتت تضاهي إن لم تتفوق على لحية المدير نفسه ظناً منه أن ذلك سيقيه شر حركة التنقلات الدائمة.. وحين عاد إلى بلاده بعد أن أُلغي عقده.. أرسل ببعض الشعيرات إلى المدير المذكور.. قبل ربع قرن- مرفقاً إياها بعبارة قصيرة مفادها: «هذه بضاعتكم ردت إليكم».!!
أتذكر هذه الطرفة التي لازال الكثير من الزملاء يذكرونها.. لأدلل على أننا شعب تخدعه المظاهر الخارجية للمرء.. كمظاهر التدين حتى أصبحت من نقاط ضعفنا، فلكي يجد العامل الأجنبي القبول والثقة في كفيله صاحب العمل يطلق لحيته، ويقصر ثوبه، ويحفظ بعض الكلمات المعروفة، وللإنصاف فإن الأمر لا يسري فقط على الإخوة الأجانب بل يقاسمهم في ذلك شريحة لا بأس بها من المواطنين.. الذين يتظاهرون بالتدين.. بينما هم في واقعهم أبعد الناس عن التدين والدين. أتساءل: أين يذهب هؤلاء «المزيفون» من الله الذي لا تخفى عليه خافية؟!
أعود فأقول: إن التدين الحقيقي ليس مظهراً، أو مواعظ، أو خطباً فحسب بل هو سلوك قويم، وخلق كريم، وتعامل صادق.. وبغيرها يصبح التدين لا معنى له!
وأنت يا سيدتي (أم فيصل).. اصبري.. وثقي أن الله سيقتص لك ممن ظلمك.. «وعند الله تجتمع الخصوم..»..!!
تلفاكس 076221413