إفصاح الذمة المالية

محمود المدني

في 1433، كشفت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أنها تنوي تطبيق إقرار الذمة المالية. ويكون ذلك بالإفصاح عن الذمة المالية للمسؤول، بحيث تعرف أملاكه وحقوقه ومصادر دخله داخل وخارج المملكة، ليس فقط به شخصيا، بل وكذلك لكل من له علاقة مباشرة به كالزوجة والأولاد القصر. ولكن للأسف الشديد لم يتم تفعيل ذلك لعدم وجود نظام يخول الهيئة الوطنية أو غيرها من تنفيذ ذلك.
في الأيام القليلة الماضية، تمت مناقشة الموضوع بعمق أكثر، حيث إن هناك مقترحا من عدة لجان من حقوق الإنسان ومجلس الشورى لسن نظام يمنع الكسب غير المشروع، ويلزم الوزراء ومن في حكمهم ونوابهم وشاغلي المرتبة الممتازة والقضاة وكتاب العدل وأمناء المناطق ورؤساء البلديات والسفراء، ورؤساء المؤسسات الرسمية العامة المدنية والعسكرية ومديريها، وموظفي الدولة من شاغلي المرتبة الثالثة عشرة فما فوق، وشاغلي الوظائف العسكرية من رتبة مقدم فما فوق، ورؤساء مجالس إدارات الشركات التي تساهم الدولة بأكثر من 50 في المائة من رأس مالها، وموظفي الضبط الإداري والإدارات المالية ومديري المشروعات في الجهات الحكومية وأي موظف في وظيفة لها خاصية رقابية، بالإفصاح عن ذمتهم المالية.
ولا يختلف أحد بأن الإفصاح عن الذمة المالية هو مطلب مجتمعي ذو أولوية قصوى، حيث إن ذلك يحمي الوظيفة العامة في المقام الأول من المتاجرة بها واستغلالها لتحقيق مصالح شخصية.
فحرمة المال العام ليس بمبدأ جديد بل هو مبدأ مترسخ في جميع الأنظمة والقوانين التي تحاربه وتمنع استغلاله لجلب منافع شخصية. فلا مندوحة لنا عن الإفصاح عن تلك الذمم المالية لأصحاب المناصب العامة، لما سيحققه ذلك من شفافية ورقابة دقيقة، ولما فيه من تحقيق وترسيخ لمبدأ تجريم الإثراء بسبب غير مشروع.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل فعلا سيرى هذا المشروع النور قريبا (حيث إنه طال انتظاره)؟! فكل من ناقشتهم في هذا الموضوع وجدتهم مؤيدين جدا لهذا المشروع الإصلاحي الذي سيضع حدا لأناس خانوا الأمانة وفضلوا المصالح الشخصية على المصالح العامة وحققوا المكاسب والمنافع لسنوات. الكل يتمنى أن تضرب الدولة بقبضة من حديد على أيدي الفاسدين الذين عاثوا في الأرض فسادا، والكل يتمنى أن يسألهم السؤال الذي يكرهونه جدا: من أين لك هذا؟.

* محام ومستشار قانوني