عروس الطيارة..!

ياسر أحمدي

حين قررت مغادرة بلدتي البعيدة إلى العاصمة، لأول مرة، عبأت الوالدة حقيبة سفري بالسمن والعسل وحلاوة طحينية وعلب ساردين، وهي عادة حرصت عليها خلال رحلاتنا البرية مع الجماعة. لم توقظني من نشوة السفر بالطيارة غير صافرات جهاز المطار وقد تشرف بأولى رحلاتي الجوية. رنت الأجراس في جهاز الكشف على المعادن فسارع الموظف إلى بقر حقيبتي ليخرج منها الدهون وعلب الساردين.
لما أقلعت الطيارة، قفز قلبي بين أضلعي، لم تطفئ لوعة فراق بلدتي غير تلك الابتسامة المشرقة في عيني المضيفة الآسيوية، فهتفت دواخلي: ها هي نبوءة الوالدة تتحقق يوم قالت لي: يا ابني التعيس، رأيت في حلمي عروسا في فستان زفافها الأبيض توقد لك الشموع. جاءت حسناء آسيا إلى مقعدي تقشر لي تشرف على وجبتي الناعمة من الشكشوكة والخبز الجاف، فتسللت إلى جسدي في تلك اللحظة شحنة كهرباء لو وزعوها على بلدتي الرابضة في أقاصي الجزيرة لأضاءت كل بيوتها البسيطة.. سمعت أذني لأول مرة موسيقى الزفاف وجاء صوت السمن والبيض وقعقعة علب الساردين شبيهة بموسيقى الفنان المرجوج عبدالله بلخير ودويتو طقطقة أحلام في زفافي الجوي الميمون، وفجأة سمعت صوت أبو سراج.
ها هي الطائرة تهبط، ودعني طاقم الطائرة بحرارة، فلمحت ذات الابتسامة في عين العروس الشامخة على السلم مثل قسوة قريتنا الشماء. بعد شهر عدت إلى البلدة.. فاستقبلتني الوالدة بالدموع، والعصيد والسمن والتمر تأهبا لزفافي على بنت عمي «فضة».
نصيحة لركاب الطائرات: إذا رأيت نيوب المضيفة بارزة.. فلا تظنن أن البنت تبتسم! اركد لا تدرعم رعاك الله وتقول «حبتني».