البقاء في الضوء طويلًا يؤذي القصيدة

الفائز بجائزة السنوسي لـ«عكاظ» قبل تكريمه:

البقاء في الضوء طويلًا يؤذي القصيدة

علي الرباعي (الباحة)

نجح الشاعر السوداني محمد عبدالله عبدالباري في خطف جائزة السنوسي في دورتها الثالثة من 33 شاعرا. ونيل جائزة بقيمة 30 ألف ريالا بناء على قرار لجنة التحكيم التي وصفت مجموعته (كأنك لم) بالتميز بجدة الصورة ودهشتها، والمحافظة على كيمياء وروح الشعر العربي، والاتكاء على رصيد ضخم بحدود النوع الأدبي وحداثة الموضوعات. وشارك في هذه الدورة 34 مجموعة شعرية من دول عربية مختلفة هي مصر والمغرب وسورية وتونس والأردن واليمن والجزائر وسلطنة عمان ولبنان والسودان وفلسطين والمملكة.
من جهته، أوضح المشرف العام على جائزة السنوسي الشاعر محمد إبراهيم يعقوب، أن الفائز سيتسلم جائزته في حفل خاص الجمعة، فيما تبدأ الأمسيات الشعرية المصاحبة لحفل توزيع الجائزة، ويشارك في الأمسيات الشعرية 33 شاعرا من خارج المملكة وخارجها على ثلاث أمسيات شعرية في يومين.
فيما عد الشاعر السوداني محمد عبدالباري الجوائز نوافذ يخرج بواسطتها الشاعر من وجوده الخاص المسور بالعتمة إلى ضوء عام شديد الكثافة أحيانا، مؤكدا لـ «عكاظ»: أن الضوء ضروري لأن فيه اعترافا واضحا بقدرة الشاعر على الفعل والحضور والتأثير، ويرى أن البقاء في الضوء طويلا قد يؤذي القصيدة ويحرمها من حساسيتها، مؤكدا أن على الشاعر أن يتعامل مع الجوائز بوصفها محطات تزود وليست محطات وصول، وأوضح أن آباءه الشعريين كثر وتنتابه أصواتهم وملامحهم وتتداخل وتتعالق ما يجعله مشدودا لـ «كورال» الشعرية وليس لأصوات «الصولو» فيها كما أقول دائما وبسبب هذه الكثرة لا يستبد به ما يسميه هارلد بلوم «قلق التأثر» فضلا عن أن أفكر في قتلهم على طريقة فرويد، مشيرا إلى أنه حريص دائما على أن يكون هو ما يجعله مركبا من أبعاد زمنية مختلفة.
وبخصوص تعدد مدنه وعواصمه كشف عبدالباري أنه مأخوذ بالرغبة الدائمة في الاستماع إلى المكان. ولذلك تحضر ظلاله الواضحة والغامضة في قصائدي بشكل دائم بدءا من الرياض التي قضيت عمري كله فيها إلى عمان التي أقيم فيها من سنتين ومرورا بعشرات المدن والعواصم التي زرتها، تتجذر في روائح المكان وأسماؤه وأغانيه، ولا يخفي إعجابه بكثير من الأسماء الشعرية في المملكة من كل الأجيال الشعرية الذين قرأهم وامتص من تجاربهم في فترات مختلفة من حياته. وعلى رأس هؤلاء الكبير محمد الثبيتي (رحمه الله). ويجد عبدالباري نفسه متصالحا مع قصيدة النثر، إذ يقف منها موقف المستثمر لإنجازاتها وفتوحاتها واستكشافاتها البكر ولا يضيع وقته في الجدل الدائر حولها كون ثمة حدس داخلي يعمل على شحنه والعناية دائما به ما يقوده إلى الشعر بغض النظر عن شكله، لافتا إلى أن القصيدة هي من تحدد مواعيد هطولها. ويصف نفسه بالمصنوع والمطبوع، إذ اعتاد أن يكون وفيا لتلقائية القصيدة وروحيانيتها إلى الدرجة التي تصبح فيها عملا لا أثر للصنعة فيها، كما اعتاد أن يكون وفيا لعرق الموهبة وتعبها وكدها إلى الدرجة التي تعود فيها القصيدة عملا خالصا من الطبع ينتهي إلى تعريف درويش الجميل للوحي الشعري في رائعته «لاعب النرد»، حين قال «ولا حظ لي في القصيدة إلا إذا انقطع الوحي والوحي حظ المهارة إذ تجتهد». وثمن عبدالباري لجائزة السنوسي والقائمين عليها جهدهم الكبير ودأبهم الشغوف وحرصهم على رفد الشعر العربي ما دفع بالجائزة لتكون إحدى أهم الجوائز العربية الشعرية. وعلى المستوى الشخصي أكد أنه مبتهج كثيرا بهذه الجائزة ويأمل أن يكون على قدر المسئولية التي وضعها على عاتقه القائمون على الجائزة.