b9030

b9030

يستوردونه بـ725 مليون ريال سنوياً .. وقيمته تكفي لتزويج 12 ألف شاب

«هوس القهوة»: أكواب السعوديين تظمأ «بُناً»

عبدالرحمن باوزير (جدة)
في ظل تزايد الطلب على القهوة في المملكة، يحاول مستثمرون عاملون في الصناعة أن يسدوا الطلب اليومي للسعوديين بعد أن باتوا مستهلكين «فوق العادة»، إذ تستقبل الموانئ الممتدة على طول الشريط الغربي والخليج العربي «أطنان البن» بتكلفة تتجاوز الـ725 مليون ريال سنويا.
تكلفة البن التي تقترب من حاجز المليار ريال، وفي حال تم حساب كوب القهوة الذي يبلغ معدله المتوسط 8 ريالات في أكثر القراءات تفاؤلا، تتضاعف قيمة استهلاك الفرد السعودي لأرقام ضخمة تنافس فيها المواد الاستهلاكية الأساسية.
نهم السعوديين على القهوة يكلف المملكة التي تقبع على أراض تظهر الصحراء تجلياتها القاسية فيها، ملايين اللترات من المياه المحلاة والصالحة للشرب، حيث تشير إحصاءات (حصلت «عكاظ» على نسخة منها) إلى أن إجمالي ما يتم استهلاكه من البن في البلاد يعادل أرباح مصرف شهير في المملكة الغنية بالنفط.
التكلفة ذاتها تفي بتقديم تسهيلات مالية من بنك التنمية العقاري (يمنح عادة 500 ألف ريال للأسرة في المملكة) بتقديم قروض منزوعة الفوائد لأكثر من 1450 أسرة، لبناء مسكن العمر في مناطق المملكة التي تشتكي من أزمة معقدة في المساكن.
وبلغة الأرقام، فإن الملايين الـ725 المستهلكة في استيراد البن لصناعة القهوة عند السعوديين، تكفي لتوفير قروض زواج من بنك التسليف السعودي (يقدم البنك عادة 60 ألف ريال للشاب المقبل على الزواج) لأكثر من 24 ألف شاب وفتاة، في البلد الذي وصل عدد الشبان إلى أكثر من نصف التركيبة السكانية.
حجم استيراد البن من الخارج في ظل الطلب المتزايد على القهوة، يوفر للشباب السعودي أكثر من 18 ألف سيارة اقتصادية كورية الصنع، فيما يوفر المبلغ ذاته نحو 500 سيارة «رولز رويس» البريطانية الفارهة.
الأرقام الضخمة لاستهلاك البن في المملكة، تشير إلى سوق استهلاكية يتنامى فيها الطلب بشكل متسارع، كما أن المملكة باتت مطمعا للمستثمرين الأجانب، خصوصا بعد القرار الحكومي الذي يتيح عمل الشركات الأجنبية في البلاد بنسبة تملك تصل إلى 100 في المئة، ما سيزيد المنافسة استعارا، بحسب ما يراه اقتصاديون.وتستطيع القهوة -وبشكل استثنائي- أن تواكب التغييرات الحضارية والظروف المالية بطريقة مدهشة، إذ إنها لا تصطدم مع الثقافات المحلية بل تكون رافدا بعد أن تتشكل بهوية عاشقيها، بيد أن أسعارها المرتفعة في بلدان الخليج، نظرا للوفرة المالية، تجعل من كثرة استخدامها أمرا مكلفا اقتصاديا، وهذا ما يتم بالفعل.
يقول سعد الشهري الذي قدم للتو من الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أنهى دراساته العليا إن أسعار القهوة في الخليج مقارنة بمدن الولايات الأمريكية، مبالغ فيها، إذ إن العلامة التجارية واحدة، بيد أن السعر مرتفع، مستدلا بأنه يشرب قهوة الـ«موكا الساخنة» بسعر أقل من إحدى شركات صناعة القهوة العالمية في الغربة، بيد أنه يجد زيادة غير مبررة في سعرها بالداخل السعودي.
ويشير إلى أن معدل استهلاكه للقهوة سينخفض نظرا للتكلفة المادية، «كنت أشرب القهوة في أربع مناسبات يومية، بيد أنني سأقلل من ذلك، هنا القهوة باهظة التكاليف، تخيل أن تشرب كوبا من القهوة بأكثر من 20 ريالا! لا أقارن بين الأسعار بشكل مباشر، بيد أن الوضع محختلف في السعودية، لا توجد ضرائب تستوجب هذا الغلاء».

..و يستهلكون67 ألف طن من الخارج


في العام 2007، فاجأت شركة ستاربكس العالم بتسجيل عائدات بلغت 9 مليارات دولار (33.75 مليار ريال)، حينها ظهر للعالم أن صناعة القهوة بدأت تأخذ اتجاها مغايرا، فشركات «متعددة الجنسيات»، بدأت تغزو السوق، حتى أن أفرعها انتشرت في البلدان ذات الاقتصاد الريعي والمغلق، كـ«الصين».
الحال في السعودية ليس ببعيد عن المعطيات العالمية، فالسعوديون يستهلكون سنويا 41 ألف طن من البن المشبع بالكافيين (غير المحمص) بحسب إحصاءات حديثة صدرت من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات.
وتشير الإحصاءات ذاتها إلى أن السعوديين باتوا مستهلكين للقهوة بشكل متصاعد، حيث استهلكوا في عام 2014 نحو 67 ألف طن من البن وأبداله بكافة أنواعه، في الوقت الذي تشهد المدن السعودية إقبالا كبيرا من المستثمرين في مجال صناعة القهوة.
ورغم عدم وجود إحصاءات دقيقة حول أعداد محال القهوة في البلاد، إلا أن انتشارها بات ملحوظا في المدن الصغيرة، فضلا عن الطرقات السريعة والمدن الرئيسية في مناطق المملكة، فطريق (مكة/جدة) السريع يكاد يغص بمحال صناعة القهوة، فالطريق الممتد لـ80 كلم يحوي عشرات المباني المختصة بتحضير القهوة.
محمد الغامدي الذي يعمل في أحد البنوك اعتاد ارتشاف قهوته الصباحية عند الساعة الـ8 والنصف وهو متوجه لدوامه بشمال جدة، الحالة تتكرر مع عمران بن ضبعان الذي يعمل في البريد السعودي في شرق المدينة، بيد أنه يعتقد أن القهوة الأمريكية تحوي كافيين، ما يجعل شربها إدمانا، «أحاول التخلص من شرب القهوة اليومي، قرأت تقارير تشير إلى أن ذلك مضر بالصحة».
بلغة الأرقام البدائية، يرى عبدالرحمن (قدم من الهند قبل 7 أعوام) ويعمل بائعا للقهوة في أقدم المحال المتخصصة وسط المدينة القديمة بجدة أن زبائنه يفضلون الأكواب الزجاجية، ما يوفر على المحل نحو ريال على كل طلب، بيد أنه يتذمر من كثرة الزبائن «السعوديون مدمنون للقهوة التركية».
كل ذلك الزخم المنتشر في طرقات المدن حول القهوة الغربية، التي تلقى رواجا متناميا بين الشباب، لم يفقد القهوة العربية مكانتها داخل البيوت وبين التقاليد الصارمة والمعقدة في المجالس الرجالية وبروتوكولاتها المختلفة باختلاف الجغرافيا.