الصديقةُ مثلُ القصيدةِ إنْ ذهبتْ لن تعودْ

الصديقةُ مثلُ القصيدةِ إنْ ذهبتْ لن تعودْ

نمر سعدي*

لا تضيع كأندلس قلبها
---
كان عراب ريح يدل المشاة
وغيم النوارس حينا إلى رغبة غامضة
وحينا إلى البحر أو شجر التين والمنتهى
وبشمع أصابعه في الظلام
يقود الطيور إلى سرحة الشمس والمشتهى
ثم يبكي بغير دموع ويضحك من غير قوس قزح
وفي قلبه وتر ساحلي الندى والفرح
(آه من تلكما المهرة الراكضة
بين عيني أو في دماء الوريد)
كان عراب ريح يغني وحيدا
إذا هبط الليل من قمر في مدار بعيد:
لا تضيع كأندلس قلبها
فالصديقة مثل القصيدة إن ذهبت لن تعود.
ماء شفهي
--
لو قلت: هذا العمر أقصر (في حضورك)
من هروب الحلم من قلبي
وأصغر من هبوب قصيدة في خلسة المشتاق
صدقت العبارة واكتفيت بنجمة فوق السياج من الندى
ومشيت مشي النائم
لو قلت: أمطار الخريف قصيدتي الأولى
لصدقت الإشارة والمجاز
أو اكتويت بمائك الشفهي أو جمر الرذاذ الناعم
لو قلت: حواء البريئة لم تغرر مرة بحبيبها
لأكلت تفاح الغواية كله
وتركت ميراث الحنين لآدم
لو قلت: راحت كل أيامي سدى
لشطرت مرآة السراب بقبلة
وبحثت عن قلبي بعشر مواسم.

كتابة
--
الكتابة ليست دواء الكآبة
لكنها قد تكون لتزجية اليأس
من قدر ظالم
أو تكون محاولة للتخلص
من فائض الوجد في أول الليل
أو فرصة كي تكون لبضع دقائق
ما تشتهي أن تكون
ولا شيء أيضا..
وقد لا تكون طريقتنا
في التأمل والحب والمستحيل
وقد لا تكون...
الكتابة مثل النداء الأخير الذي لا يصل
إلى أي أرض أو امرأة
عبر مد الرماد وجزر القبل
أن تقول لسيدة (مثلا):
آه لو كنت أبعد من كوكب
أو أقل جمالا
ترى كنت أغلقت نافذة البحر خلفي
مثل همنغواي من دونما غضب
ومضيت إلى النوم
والقلب منتبه كالحجل؟
أضيئي شفاهي
--
أضيئي شفاهي بسنبلة واحدة
وضلعي بعشر نجوم
وقلبي بخمس قصائد بحرية
ثم عري دمي الشاعري
وغطي جراح بنفسجة الشاهدة
ولا تتركي فوق ريح الصليب
أصابع طفل يسمرها برد كانون..
هاتي هواء نظيفا
لأنفخ في غصة القلب بعض الأغاني
وأصنع من طين حزني عصافير
من أجل طفل على الردم يبكي
لأن الحروب الكثيرة قد يتمته مرارا
فلم يعرف اللحم
من عهد معجزة المائدة.

حدس الجفاء
---
لن أستريح.. فبعد هذي الحرب
سوف يقودني حدس الجفاء
لأول الأشجار أو لحديقة النسيان كالمنفي
قد تغفو يداي على تماثيل
تخلد رغبة سرية بتخلص الإنسان
من جدلية الخسران والماضي
وقد يمشي صداي على خطى امرأة
فتبسم لي لكي لا يختفي
قمر النحيب من السماء
فيحتفي مطر بحبة حنطة سمراء
بعد رجوع كل الجند من ليل الحروب
وتقتفي أثري الفراشة في غبار الطلع
أو في حبة العنب الأخيرة
في فم امرأة تقايض وردة بالبرق
كي يعلو الغناء على هدير الطائرات
وكي تعلق في المدى
بملاقط اللبلاب والنعناع
بعض قصاصة شعرية في قلبها..

* شاعر فلسطيني