المنيف لـ «عكاظ»: نملك صلاحية سحب الولاية من الوالدين
السبت / 20 / ربيع الثاني / 1437 هـ السبت 30 يناير 2016 20:25
حوار: بدر الغانمي
توعدت الدكتور مها المنيف رئيسة البرنامج الوطني للأمان الأسري كل مستخدمي العنف والإيذاء ضد النساء والأطفال بالعقوبات الرادعة التي تصل إلى سحب الولاية قضائيا من الوالدين، وعبرت في حديثها لـ«عكاظ» عن تحفظها على اتساع دائرة ولاية الأمر لتصل إلى سلب أهلية المرأة خصوصا في قضايا العمل والتعليم، وقالت بصراحة: «إن الزمن الذي كان يأمر فيه الزوج وتكون المرأة هي العبد المطيع انتهى ولن يعود». د. المنيف كشفت عن تنامي العنف الجنسي ضد المعوقين وعبرت عن قلقها من تدني وعي القضاة ورجال الأمن ومعلمي مدارس البنين بظاهرة إيذاء الأطفال.. المنيف التي فازت بجائزة أشجع امرأة عام 2014 التي تمنحها وزارة الخارجية الأمريكية عبرت عن رفضها لتوظيف الإعلام الخارجي كورقة ضغط على الدولة، وكشفت عن طموحها في أن تصبح المرأة السعودية وزيرة وتمثل في مجلس الوزراء.. المزيد من القضايا الساخنة في ثنايا الحوار.
د. مها.. إلى أي حد أصبح العنف الأسري ظاهرة في بلادنا؟
المشكلة ليست بوجود العنف الأسري او انه اصبح ظاهرة ولكن المشكلة تكمن بتجاهله أو عدم التعاطي معه أو تبريره لأن العنف الأسري موجود في كل العالم مع وجود البشرية ونحن لسنا استثناء . وما إنشاء برنامج الأمان الأسري الوطني الذي صدر من المقام السامي في عام 2005 الا نتيجة لوجود هذه المشكلة .
• هناك خلط في فهم هذه الظاهرة.. هل هي اجتماعية أم صحية؟
قضية العنف الأسري قضية صحة عامة متعددة التخصصات والقطاعات فهي ليست حصرا على قطاع بذاته ولكن في الآونة الأخيرة اصبح هناك دور كبير للقطاع الصحي في معالجة القضية خاصة بعد ما أصدرت الجمعية العمومية في منظمة الصحة العالمية قرارا بتعزيز دور القطاع الصحي في التعامل مع حالات العنف والإيذاء . ولذلك وجب على جميع القطاعات المعنية ان يكون لديها اجراءات للتعامل مع حالات العنف .
• هل النظام ركز على إجراءات الحماية بعد وقوع العنف؟
هذا صحيح، لكنه كذلك لم يغفل عن إجراءات الوقاية من العنف قبل حدوثه من خلال التوعية ونشر ثقافة الأمان الأسري، كذلك نظام حماية الطفل ركز على مبدأ الوقاية من خلال توسيع دائرة الأفعال التي تعتبر بمثابة إيذاء أو إهمال بحق الطفل ومن بينها إبقاؤه دون سند عائلي، وعدم استخراج وثائقه الثبوتية أو حجبها عنه أو عدم المحافظة عليها، وعدم استكمال تطعيماته الصحية الواجبة، والتسبب في انقطاع تعليمه، وسوء معاملته، والتحرش به أو تعريضه للاستغلال، واستخدام الكلمات المسيئة التي تحط من كرامته أو تؤدي إلى تحقيره، والتمييز ضده لأي سبب عرقي أو اجتماعي أو اقتصادي، والسماح له بقيادة المركبة دون السن النظامي، وكل ما يهدد سلامته أو صحته الجسدية والنفسية.
• هناك من يقول بأن نظام الحماية من العنف والإيذاء بلا مخالب، ويفتقد للأليات، وسوف يبقى مجرد حبر على ورق؟
أعتقد أننا حققنا إنجاز كبير خلال فترة قصيرة من الاعتراف بوجود المشكلة في بداية الألفية الى صدور التشريعات الخاصة بالعنف الأسري وذلك بإصدار نظام لحماية الطفل ونظام خاص للعنف الأسري وهذان النظامان يعتبران نقلة نوعية حقيقية في ما يتعلق بمجال الحماية من العنف الأسري بالمملكة ولكن نحتاج وقت للعمل على تطبيقهم على ارض الواقع
.
• أين تكمن قوة نظام الحماية من العنف والإيذاء تحديدا؟
تكمن في الكثير من المواد مثل الزامية التبليغ عن حالات العنف الأسري لكل المهنيين، واليات الاستجابة وكيفية التدخل ، وتجريم العنف الأسري وذلك بوجود عقوبة خاصة لهذه الحالات وكذلك مواد خاصة للحفاظ على امن الأسرة والوقاية وهو في نظري نظام شامل وقوي .
• الأهم كيف يمكن تطبيقه بقوة؟
هذا هو التحدي الذي نعيشه حاليا في المملكة ، وتعمل جميع القطاعات على توعية افراد المجتمع والمهنيين بهذا النظام . وكما تعلم ان اي تشريعات عندما توضع تكون بنية الشمول ودعم للجهات التي تتعامل مع الحالات ولكن بعد التطبيق ربما نحتاج الى تعديل في بعض المواد لخدمة المتضررين بأحسن طريقة .
.
• هل تملكون القوة حاليا لنزع الولاية من الشخص المكلف بها إذا ثبت عدم كفاءته للقيام بذلك؟
بناء على نظام الحماية من الإيذاء ونظام حماية الطفل الذي يكفل حماية الأطفال من أي نوع من أنواع الاستغلال والعنف فإنه يحق للجهات الرسمية أن تتحفظ على الطفل وحمايته من الأشخاص الذين يؤثر وجوده معهم على نموه ونماءه وأنه يجب على الجهات الرسمية التحرك الفوري في حالة تعرض الطفل الى أي نوع اساءة او فعل ليس في مصلحة الطفل الفضلى.
• من هي الجهات الرسمية التي تقصدينها؟
الجهة المسؤولة لتطبيق النظام هي وزارة الشؤون الاجتماعية وقد عملنا معهم لإصدار اللوائح واليات التنفيذ الخاصة بالنظام . ففي هذه الحالات تحول من الشؤون الاجتماعية الى القضاء وتسحب الولاية من المعتدين بأمر قضائي بسبب عدم كفاءتهم في تربية هذا الطفل.
• متى يمكن أن يكون لدينا ما يسمى بـ (الأسر البديلة) التي تتولى رعاية الأطفال الذين يقعون ضحايا للعنف الأسري؟
الفكرة موجودة، و تستخدم كثيرا للأيتام ولم نستخدمها حتى الأن في رعاية الأطفال المعنفين لوجود الأسرة الممتدة مثل الخال أو العم أو الجد والجدة، وفي كثير من الحالات تكون الأسرة البديلة من داخل العائلة وليس من خارجها وهذا أفضل.
• هل هناك تنامي في هذه الحالات؟
مع زيادة المعرفة ووجود النظام نتعامل مع بعض الحالات التي نقرر فيها أن لا يعود الطفل الى اسرته وضرورة توفير أسرة بديلة له من داخل عائلته او في دور الرعاية التابعة للشؤون الاجتماعية .
• ألا يمكن أن يكون الضحية سواءا امرأة أو طفل سببا رئيسيا في هذا العنف ضده؟
لا شيء يبرر العنف . ولكن هناك فئات من المجتمع اكثر عرضة للعنف مثل الأطفال المعاقين فهم يعنفون اما بسبب رفض الأهل لهم او بسبب الضغوط على الأهل في رعايتهم ، الطفل الغير مرغوب به خاصة في حالات الطلاق. وهناك اسباب اخرى للعنف مثل ضعف العلاقة بين الزوجين والبطالة والعوز الاقتصادي للعائلة واستخدام الكحول والمخدرات
.
• وكيف يمكن أن يعبر الطفل المعاق عن تعنيفه؟
كثير منهم لا يستطيع أن يستوعب او يعبر عن العنف الجنسي او الجسدي او الأهمال الذي كثيرا ما تتعرض له هذه الفئة، وهنا يأتي دور الطبيب في الكشف ومعرفة مؤشرات العنف لدى هؤلاء الأطفال .
• مارأيك في الضرب التأديبي ولماذا ترفضينه كوسيلة للتربية ا؟
أنا ضد مبدأ الضرب بصفة عامة لإصلاح سلوك الطفل سواءا كان ضرب تأديبي خفيف أو خلافه فهو وسيلة غير مجدية في التربية، بل هي وسيلة ضاره ولها آثارها السلبية التي ثبتت من خلال العديد من الدراسات والأبحاث في مجال التربية وتعديل السلوك أن الضرب يؤثر في شخصية الطفل ويهز ثقته في نفسه، كما أن ضرب الطفل يعلمه في المستقبل أن يأخذ حقوقه بالضرب والعنف والصراخ.
• هذا مع أنك من جيل تربى في القصيم على أن "العصا لمن عصا"؟
الضرب التأديبي كان سائدا بالسابق ولا يمكن ان يكون احد الحلول الآن وهذه الأمثال بالية يجب أن نتخلى عنها لأن العصر والوقت اختلفا، وهنا لا بد من التأكيد على الهدف من التربية، وعلى المربي أن يسأل نفسه هل يهدف من تربيته تطويع شخصية الطفل وإهانته والتقليل من شأنه أم تقويم سلوكه وإكسابه مهارات جديدة إيجابية وبتالي فأن الهدف يحدد الوسيلة وهنا نؤكد على أن الضرب بالتـأكيد ليس الوسيلة الفعالة لخلق شخصيات متماسكة وواثقة وناجحة في المجتمع.
• وماذا تقولين في الحديث النبوي" واضربوهم عليها لعشر"؟
لا أريد الخوض في الناحية الشرعية للضرب ومحاولة إجازته لأن الضرب المذكور شرعاً مشروط بعدم إلحاق الضرر، كما أنه على صفة طفيفة جداً القصد منها الإيعاز النفسي بوجود خطأ لا بد من المبادرة في تعديله، فالآيات والأحاديث التي تتكلم عن وجوب الرفق والرحمة واللين حتى مع الحيوان أكثر بكثير من تلك التي تتحدث على الضرب والمقننة كما ذكرنا بشروط، وأتمنى أن لا نلبس الأحاديث ما ليس فيها، فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يؤثر عنه أنه ضرب أو رفع صوته في وجه أحد.
• ذكرت بحث قمت به بالمملكة عن مدى تأثير التجارب السيئة التي يمر بها الأطفال على إصابتهم بالأمراض المزمنة وتبني سلوكيات خاطئة مستقبلاً حدثينا عنه ؟
عملت هذا البحث في جميع مناطق المملكة وكانت نتائجه ان الكثير من البالغين قد تعرضوا الى تجارب سيئة في طفولتهم اما عنف مباشر ضدهم او العيش في اسرة مفككة او وجود مدمن في المنزل او مشاهدة العنف الشديد يمارس ضد افراد العائلة او في المجتمع وبناء على هذه التجارب وجدنا انها تؤثر سلبا في صحتهم الجسدية والنفسية عند الكبر كما انها تدفعهم لممارسة سلوكيات خطرة على الصحة كالتدخين ومعاقرة الكحول والمخدرات . مثلا وجدنا ان نسبة الإصابة بالأمراض الجسدية كالسكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، للأشخاص الذين تعرضوا لتجارب سيئة في طفولتهم هي ضعف نسبة الإصابة لدى الأشخاص الذين لم يتعرضوا لأي تجارب سيئة في الطفولة، وتتضاعف هذه النسبة في الأمراض النفسية حيث تبلغ نسبة المصابين بالاكتئاب والقلق 4 أضعاف نظرائهم. أما فيما يتعلق بممارسة السلوكيات الخطرة لدى هذه الفئة كالإدمان على الكحول والمخدرات فكانت ستة أضعاف نظرائهم ممن عاشوا طفولة جيدة ،.
• لكن الملاحظ أنه لم تتوحد الجهة التي يتم إبلاغها بحالات الإيذاء فهناك من يبلغ الإمارات والبعض يبلغ الشرطة والبعض الآخر يتواصل مع الشئون الاجتماعية. ألا يضعف هذا الأمر دوركم المطلوب في حماية المتضررين؟
حدد نظام الحماية من الايذاء جهة التبليغ في حالات العنف والايذاء وهو الرقم الموحد لاستقبال بلاغات العنف الأسري والذي خصصته وزارة الشؤون الاجتماعية وهو 1919 ويعمل على مدار الساعة ويتم من خلاله مباشرة الحالات بالتنسيق مع كافة الجهات ذات العلاقة. اضافة الى ذلك فقد انشأ برنامج الأمان الأسري الوطني خط مساندة الطفل 116111 وهو خط مجاني يستقبل المكالمات والبلاغات في حالات العنف ضد الطفل كما يقدم الاستشارة للطفل ومقدم الرعاية له في جميع المشاكل التي يمر بها الأطفال . يعمل بالخط اخصائيات في مجال الخدمة الاجتماعية والصحة النفسية وحتى قانونيات لإعطاء المشورة للمتصل ويعمل الخط من الثامنة صباحا وحتى الساعة الحادية عشر مساء.
• الناس تتساءل أيضاً.. أين هي فرق الحماية على أرض الواقع؟
وزارة الشؤون الاجتماعية لديها 17 وحدة حماية منتشرة في جميع مناطق المملكة تعمل تحتها عدة فرق ميدانية للحماية على ارض الواقع . كذلك القطاعات الصحية انشأت مراكز لحماية الطفل والبالغين ولدينا حاليا 43 مركز في القطاع الصحي ونص تعميم وزير الصحة ان تنشأ هذه المراكز ويعمل بها فرق حماية تتكون من ثلاثة أشخاص على الأقل لمباشرة الحالات الواردة للقطاع الصحي هم طبيب أطفال أو صحة عامة أو عائلة وأخصائي أو طبيب نفسي وأخصائي اجتماعي ، وهناك فرق تتكون من عشرة مهنيين او اكثر حسب حجم المستشفى كما هو الحال لدينا في الحرس الوطني حيث ينضم لنا قسم التمريض والجراحة والشرطة العسكرية
.
•د.مها.. ألا تشعرين بالقلق عندما تعلمين أن قضاة المحاكم الشرعية ومعلمي مدارس البنين هما الأدنى مستوى من الوعي بظاهرة إيذاء الأطفال وإهمالهم تحديدا في المملكة وهو ما أكدته دراستكم عام 1434هـ؟
طبعا تشعرني بالقلق، والحقيقة إننا عندما أجرينا هذه الدراسة على أكثر من 5700 مهني من مختلف التخصصات وجدنا أن 2% منهم فقط حصلوا على تدريب متخصص في العنف الأسري، فيما وجدنا أن القضاة ورجال الأمن والتعليم هم الأقل معلومات بشأن العنف الأسري مقارنة بالأطباء والأخصائيين الاجتماعيين ، وبشكل عام وجدنا أن الذكور هم الأقل وعيا من الإناث بهذه المشكلة وبناء على هذه الدراسة وضعنا خطة عمل لتدريب المهنيين المتعاملين مع حالات العنف من مختلف التخصصات ولدينا الآن9 دورات تدريبيه تقام على مدار العام في كل تخصص ودربنا للآن اكثر من 3500 مهني من مختلف التخصصات الطبية والاجتماعية والنفسية والأمنية وغيرها . وبرنامج الأمان الأسري الوطني من اوائل الجهات التي اهتمت ببناء قدرات العاملين بهذا المجال
• هل التحرش الجنسي بين الأقارب الذي يدخل ضمن اهتماماتكم ملموس كظاهرة أيضا؟
التحرش الجنسي ظاهرة متواجدة للأسف بكل المجتمعات، وهي آفة لابد من الالتفات لها والوقاية منها، وقد يتعرض الطفل للتحرش من قبل أي شخص وليس بالضرورة أن يكون هذا الشخص غريبا عنه.
• الملاحظ أن هناك ربط غير مبرر بين إيذاء المرأة وموضوع ولي الأمر.. هل تعتقدين أنه سبب رئيسي وراء تنامي ظاهرة الإيذاء والعنف ضد النساء؟
لا أعتقد ان موضوع ولي الأمر سبب رئيسي لتنامي ظاهرة العنف ضد المرأة، لكن يوجد لدي تحفظ تجاه اتساع دائرة ولاية الامر لتشمل امور خارجة عن الولاية.
• مثل ماذا؟
العمل والتعليم وغيرها من شؤون حياة المرأة والتي من الممكن ان تسلب المرأة اهليتها، والذي يساهم في تعزيز التمييز بينها وبين الرجل
• تنامت في السنوات الأخيرة ظاهرة هروب الفتيات في عدد من مناطق المملكة. ماهي أسباب هذا الهروب في رأيك؟
أحيانا يكون هناك عنف اسري مباشر تجاه الفتاة، وقد يكون للعضل ومنع الفتاة من الزواج دور أيضا في هروبها، وهناك سبب ثالث مهم جدا وهو كثافة وسائل التواصل الاجتماعي التي زادت من ثقافة المجتمع فأصبحت الفتاة قادرة على اتخاذ قرار الخروج من دائرة العنف بطريقتها للبحث عن مخرج لمشكلتها وقد تكون المشكلة في البنت نفسها .
• • بالمناسبة. لماذا لا يرتبط برنامج الأمان الأسري الوطني بوزارة الصحة بدلاً من الشؤون الصحية للحرس الوطني؟
ارتباط البرنامج بوزارة الحرس الوطني لأنه أنشئ بأمر سامي في عام 2005 من خلال قيادات عاملين في الشؤون الصحية بوزارة الحرس الوطني ليكون مركز الريادة في الأمان الأسري وقد استفاد البرنامج بانضمامه لمظلة الشؤون الصحية بالحرس الوطني لأنها تتبنى نظرة الصحة العامة الشمولية والتي تعد الجانب الاجتماعي جانباً مهماً ومكملاً للأدوار الوقائية والعلاجية التي تقوم بها
.
• د. مها. كيف توفقين بين عملك كطبيبة ومديرة لبرنامج الأمان الأسري الوطني ودورك كأم وزوجة؟
العمل لم يكن مشكلة في تربية الأبناء، وأنا لا أشعر بالتقصير في حقهم لأن الأمومة والأبوة غريزة في الإنسان أصلا، والمسئولية مشتركة بين الزوجين، ووضعي كطبيبة وام مثل وضع أي ام واب لديهم مسؤوليات اسرية ومسؤوليات مهنية والمطلوب منهم التوفيق بين الأثنين.
*إلى أي مدى تريد د. مها المنيف من الرجل أن يتنازل عن دور "سي السيد" بحيث لا يختل توازن الأسرة في نهاية الأمر؟
أنا أرفض هذا المبدأ أصلا، لأن العلاقة الزوجية علاقة تكافلية وتكاملية بين الزوج والزوجة فكل منهما له حقوق وعليه واجبات،
• وأين أنت من الآية الكريمة" الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"؟
وأين التعارض في هذا الأمر، فأنا تربيت في منزل كان أبي فيه هو الذي ينفق ودوره كبير كمسئول عن رعيته مع والدتي ويعيشان في تفاهم واضح ومعرفة كل منهما دوره وواجبه وحقوقه، فالمسألة ليست أن راتبي أكبر من راتبك وانا أنفق وأنت لا تنفقين بل هي توافق بين شخصين على أدوار ومهام حسب ظروف كل أسرة
• ولذلك دخلت الخادمة والسائق والمربية الى حياتنا ليقوموا بجزء من هذا الدور المفقود؟
بسبب الوفرة المادية التي مرت بها المملكة دخلت حياتنا عمالة اجنبية , فما كان يجب ان يكون مسؤوليات الأم والأب في المنزل اصبحت مسؤوليات العمالة المنزلية فمثلا الخادمة المنزلية أصبح وجودها في المنزل أمر مسلم به لدى العديد من العائلات.
• هل يجب تحديد واجبات واعمال العمالة المنزلية ؟
نعم اعتقد يجب تحديد اوقات ووصف العمل الذي يقومون به فمثلا الخادمة عملها هو تنظيف المنزل وليس تربية الأبناء
• هل يعني هذا أننا ساهمنا في أن تصبح الخادمة عنصر إيذاء لأطفالنا؟
لا يمكن أن نحصر حوادث الأطفال ونربطها دائماً بالخادمات فتوجد حالات يكون المتسبب الرئيسي بالضرر فيها أحد الوالدين. لذا أود أن أؤكد هنا على أن تربية الأبناء أمانة لا ينبغي إهمالها. قال رسولنا الكريم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، أما الخادمة فتتعرض بالتأكيد لضغوطات نفسية واجتماعية وعملية وتأتي لبلادنا وهي تعاني من كل هذه الضغوطات إضافة للضغوط الاقتصادية، وربما هناك كذلك اعتلال في شخصيتها وكل هذا ممكن ان يؤدي الى استخدام الخادمة العنف ضد الأطفال الذين تقوم برعايتهم .
• الخطوط السعودية أصدرت مؤخراً توضيحا تنفي فيه وترفض وجود مضيفات سعوديات على متن طائراتها. كيف تفسرين هذا الكلام في الوقت الذي صدرت فيه توجيهات ولاة الأمر بفتح مجالات العمل للمرأة السعودية في جميع القطاعات الحكومية؟
لا أعتقد إن من حق الخطوط السعودية أن توافق أو ترفض في ظل وجود قرار سامي مازال ساريا حتى الأن، ومن يملك هذا الحق فقط هم أصحاب القرار وولاة الأمر والمجتمع .
• يبدو أنهم يشعرون بضغط العادات والتقاليد في هذا الجانب؟
أنا أحترم هذا الأمر وأحترم من لا يريد أن تعمل ابنته مضيفة، وردود الأفعال هذه متوقعة وحدثت في الستينات عندما فتح تعليم المرأة فهناك من رفض إلحاق ابنته بمدارس البنات لأنها كانت ضد قيمه وأخلاقه، ويسري هذا على كل وظيفة نسائية مستحدثة حديثا لم يألفها المجتمع فهي مسألة وقت فقط لا غير.
• بعض ولاة الأمور يرفضون بسبب تخوفهم من الاختلاط؟
أعتقد إن القطاع الصحي من أكبر القطاعات الخدمية في بلادنا ولابد أن يكون فيه اختلاط لأن هذه طبيعة العمل فيه، وأنا أحترم من لا يريد أن يلحق ابنته بهذا القطاع، ولكنني أقول إن ضوابط عدم الاختلاط لا تطبق في القطاع الصحي بين المريض ومقدم الرعاية وتعمل بالمستشفيات الطبيبة والممرضة والأخصائية والإدارية السعودية، ولم نسمع فيه بحوادث أخلاقية أو تحرش أو ما شابه ذلك، فالتخوف ليس في محله أصلا، والحال نفسه بالنسبة لمضيفة الطيران فلا يمكن أن تعمل إلا في جو مختلط مع المسافرين فهذه طبيعة عملها ومع وجود ضوابط للعمل فلا خوف لعمل المرأه السعودية كمضيفة
• هذا يعني أننا نعيش مزدوجي الشخصية بين قناعاتنا وأفعالنا؟
دعنا نكن واقعيين فهناك أشياء لا نستطيع أن نطبقها لأنه لدينا ضغوطات من المجتمع ،و لكنني أعتقد أن المثقفين والمتعلمين وعلمائنا وشيوخنا هم من سيساهم في إحداث التغيير الإيجابي في المجتمع. فالمرأة السعودية ان عملت كمضيفة هي لم تخرق القوانين والقيم والأخلاق فهي تعمل كالطبيبة والممرضة وكلهن يعملن في اجواء مختلطة اذا القضية ليست اين تعمل بل ما هو العمل الذي تقوم به ومدى اهميته في تنمية وتطوير الوطن وهل يتناسب مع قيمنا واخلاقنا
• هل نحن بحاجة لقرار سياسي لتغيير ثقافة المجتمع ؟
عادة القرار السياسي يدعم توجه المجتمع وهذا يتطلب تغيير في الثقافة والسلوك والتربية لتوائم تطلعات الأجيال القادمة .
•من اين يجب ان تبدأ ثقافة التغيير؟؟
انا انظر للمسألة على مستويات فالبداية تنطلق من تغيير ثقافة الفرد وقناعاته من خلال التعليم وتهيئة الشباب لأنهم قادة التغيير والتحول ثم ننتقل لمستوى المجتمع الذي نعيش به والتواصل مع المؤسسات الحكومية والأهلية من اجل الدفع بالتغيير المنشود
• ما هو أبعد مدى تتطلع المرأة السعودية للوصول إليه ويحقق لها طموح المشاركة الفعلية؟
ليس هناك حدود للطموح ويمكن للمرأة ان تتبوأ ارفع المناصب في الدولة او القطاع الخاص وقد اثبتت ذلك .
• خصوصا بعد أن اكتسحت في انتخابات مجالس البلديات؟
بصراحة أنا فوجئت بانتخاب هذا العدد الكبير من النساء في الانتخابات البلدية الأخيرة مع أن عدد الرجال الذين أدلوا بأصواتهم أكثر من النساء، لكن هذا يدل على أن الرجل السعودي أدلى بصوته للمرأة من إيمانه بقدرتها على صناعة القرار فشكرا له.
• هل تشغلك كثيرا قضايا قيادة المرأة للسيارة والسفر بدون محرم وتغييبها عن المشاركة في مناسبات الرجال وما شابه ذلك؟
تشغلني كغيري من النساء العاملات وانا في الواقع لدي سيارة وسائق ولدي تصريح بالسفر ولكن ماذا بالنسبة للأغلبية التي تحتاج الى تنقل وعمل مع مايتطلبه ذلك من مرونة وتكلفة مادية .
• إذن أين تقع المشكلة؟
المشكلة تحدث للمرأة التي ليس لها سند وتعتمد على الرجل في أشياء كثيرة ويكون ضدها.
• لهذا يزداد تبني الإعلام الغربي لقضايا المرأة السعودية دون إعلام الداخل؟
هناك انطباع خارجي سلبي عن المرأة السعودية وسببها نحن ووجود القيود والأنظمة التي تحد من حركتها . ولا يمكن ان نغير الأعلام الخارجي الا عندما نتغير داخليا لذلك احتفى الأعلام الخارجي بفوز المرأة السعودية في الانتخابات البلدية وهو محق فقد اعتبرناه نحن انجازا واحتفلنا به قبلهم . فأي انجاز تحرزه المرأة السعودية ليس غرضه الخارج بل حاجتنا نحن , وكلما كان هذا الإنجاز تقدم للأمام فالأعلام الخارجي سيكون انعكاس لتطورنا .
• هل تشعرين أن وراء ذلك أجندات معينة؟
لا أعتقد ذلك.
• وما مدى قناعتك بما ينشر عن المرأة السعودية؟
هناك الكثير من الدراسات الجادة والدراسات المتعمقة عن المرأة والتي قام بها باحثات سعوديات وهذه الدراسات موثقة وانتهجت الأسلوب العلمي أمل الترويج لها ونشرها بوسائل الأعلام عوضا عن بعض الدراسات الاستطلاعية التي لم تنتهج اسلوب علمي وكانت انطباعية وهدفها السبق الإعلامي وللأسف هناك توظيف بلا شك لبعض ما ينشر
• هناك من يلجأ لرفع الصوت عبر وسائل اعلام غربية للتعريف بحقوقه واستخدامها كوسيلة ضغط على الدولة ومؤسساتها؟
أنا ضد توظيف الإعلام ضد الوطن ، لأننا بنات هذا الوطن ونحن ادرى بشؤوننا وكيف نعالجها ، ومن أراد أن يحصل على مكاسب فعليه عليه أن يعمل من خلال المؤسسات والفعاليات القائمة من الداخل ، وكمثال قضية العنف الأسري التي لم تنجح من خلال حملات في الإعلام الخارجي، وإنما نجحت بالعمل الداخلي من قبل نساء ومؤسسات حكومية سعودية عملت بجد حتى صدر نظام الحد من العنف والإيذاء وهذا ما رفع من مستوى المملكة درجات في تقرير التنمية.
د. مها.. إلى أي حد أصبح العنف الأسري ظاهرة في بلادنا؟
المشكلة ليست بوجود العنف الأسري او انه اصبح ظاهرة ولكن المشكلة تكمن بتجاهله أو عدم التعاطي معه أو تبريره لأن العنف الأسري موجود في كل العالم مع وجود البشرية ونحن لسنا استثناء . وما إنشاء برنامج الأمان الأسري الوطني الذي صدر من المقام السامي في عام 2005 الا نتيجة لوجود هذه المشكلة .
• هناك خلط في فهم هذه الظاهرة.. هل هي اجتماعية أم صحية؟
قضية العنف الأسري قضية صحة عامة متعددة التخصصات والقطاعات فهي ليست حصرا على قطاع بذاته ولكن في الآونة الأخيرة اصبح هناك دور كبير للقطاع الصحي في معالجة القضية خاصة بعد ما أصدرت الجمعية العمومية في منظمة الصحة العالمية قرارا بتعزيز دور القطاع الصحي في التعامل مع حالات العنف والإيذاء . ولذلك وجب على جميع القطاعات المعنية ان يكون لديها اجراءات للتعامل مع حالات العنف .
• هل النظام ركز على إجراءات الحماية بعد وقوع العنف؟
هذا صحيح، لكنه كذلك لم يغفل عن إجراءات الوقاية من العنف قبل حدوثه من خلال التوعية ونشر ثقافة الأمان الأسري، كذلك نظام حماية الطفل ركز على مبدأ الوقاية من خلال توسيع دائرة الأفعال التي تعتبر بمثابة إيذاء أو إهمال بحق الطفل ومن بينها إبقاؤه دون سند عائلي، وعدم استخراج وثائقه الثبوتية أو حجبها عنه أو عدم المحافظة عليها، وعدم استكمال تطعيماته الصحية الواجبة، والتسبب في انقطاع تعليمه، وسوء معاملته، والتحرش به أو تعريضه للاستغلال، واستخدام الكلمات المسيئة التي تحط من كرامته أو تؤدي إلى تحقيره، والتمييز ضده لأي سبب عرقي أو اجتماعي أو اقتصادي، والسماح له بقيادة المركبة دون السن النظامي، وكل ما يهدد سلامته أو صحته الجسدية والنفسية.
• هناك من يقول بأن نظام الحماية من العنف والإيذاء بلا مخالب، ويفتقد للأليات، وسوف يبقى مجرد حبر على ورق؟
أعتقد أننا حققنا إنجاز كبير خلال فترة قصيرة من الاعتراف بوجود المشكلة في بداية الألفية الى صدور التشريعات الخاصة بالعنف الأسري وذلك بإصدار نظام لحماية الطفل ونظام خاص للعنف الأسري وهذان النظامان يعتبران نقلة نوعية حقيقية في ما يتعلق بمجال الحماية من العنف الأسري بالمملكة ولكن نحتاج وقت للعمل على تطبيقهم على ارض الواقع
.
• أين تكمن قوة نظام الحماية من العنف والإيذاء تحديدا؟
تكمن في الكثير من المواد مثل الزامية التبليغ عن حالات العنف الأسري لكل المهنيين، واليات الاستجابة وكيفية التدخل ، وتجريم العنف الأسري وذلك بوجود عقوبة خاصة لهذه الحالات وكذلك مواد خاصة للحفاظ على امن الأسرة والوقاية وهو في نظري نظام شامل وقوي .
• الأهم كيف يمكن تطبيقه بقوة؟
هذا هو التحدي الذي نعيشه حاليا في المملكة ، وتعمل جميع القطاعات على توعية افراد المجتمع والمهنيين بهذا النظام . وكما تعلم ان اي تشريعات عندما توضع تكون بنية الشمول ودعم للجهات التي تتعامل مع الحالات ولكن بعد التطبيق ربما نحتاج الى تعديل في بعض المواد لخدمة المتضررين بأحسن طريقة .
.
• هل تملكون القوة حاليا لنزع الولاية من الشخص المكلف بها إذا ثبت عدم كفاءته للقيام بذلك؟
بناء على نظام الحماية من الإيذاء ونظام حماية الطفل الذي يكفل حماية الأطفال من أي نوع من أنواع الاستغلال والعنف فإنه يحق للجهات الرسمية أن تتحفظ على الطفل وحمايته من الأشخاص الذين يؤثر وجوده معهم على نموه ونماءه وأنه يجب على الجهات الرسمية التحرك الفوري في حالة تعرض الطفل الى أي نوع اساءة او فعل ليس في مصلحة الطفل الفضلى.
• من هي الجهات الرسمية التي تقصدينها؟
الجهة المسؤولة لتطبيق النظام هي وزارة الشؤون الاجتماعية وقد عملنا معهم لإصدار اللوائح واليات التنفيذ الخاصة بالنظام . ففي هذه الحالات تحول من الشؤون الاجتماعية الى القضاء وتسحب الولاية من المعتدين بأمر قضائي بسبب عدم كفاءتهم في تربية هذا الطفل.
• متى يمكن أن يكون لدينا ما يسمى بـ (الأسر البديلة) التي تتولى رعاية الأطفال الذين يقعون ضحايا للعنف الأسري؟
الفكرة موجودة، و تستخدم كثيرا للأيتام ولم نستخدمها حتى الأن في رعاية الأطفال المعنفين لوجود الأسرة الممتدة مثل الخال أو العم أو الجد والجدة، وفي كثير من الحالات تكون الأسرة البديلة من داخل العائلة وليس من خارجها وهذا أفضل.
• هل هناك تنامي في هذه الحالات؟
مع زيادة المعرفة ووجود النظام نتعامل مع بعض الحالات التي نقرر فيها أن لا يعود الطفل الى اسرته وضرورة توفير أسرة بديلة له من داخل عائلته او في دور الرعاية التابعة للشؤون الاجتماعية .
• ألا يمكن أن يكون الضحية سواءا امرأة أو طفل سببا رئيسيا في هذا العنف ضده؟
لا شيء يبرر العنف . ولكن هناك فئات من المجتمع اكثر عرضة للعنف مثل الأطفال المعاقين فهم يعنفون اما بسبب رفض الأهل لهم او بسبب الضغوط على الأهل في رعايتهم ، الطفل الغير مرغوب به خاصة في حالات الطلاق. وهناك اسباب اخرى للعنف مثل ضعف العلاقة بين الزوجين والبطالة والعوز الاقتصادي للعائلة واستخدام الكحول والمخدرات
.
• وكيف يمكن أن يعبر الطفل المعاق عن تعنيفه؟
كثير منهم لا يستطيع أن يستوعب او يعبر عن العنف الجنسي او الجسدي او الأهمال الذي كثيرا ما تتعرض له هذه الفئة، وهنا يأتي دور الطبيب في الكشف ومعرفة مؤشرات العنف لدى هؤلاء الأطفال .
• مارأيك في الضرب التأديبي ولماذا ترفضينه كوسيلة للتربية ا؟
أنا ضد مبدأ الضرب بصفة عامة لإصلاح سلوك الطفل سواءا كان ضرب تأديبي خفيف أو خلافه فهو وسيلة غير مجدية في التربية، بل هي وسيلة ضاره ولها آثارها السلبية التي ثبتت من خلال العديد من الدراسات والأبحاث في مجال التربية وتعديل السلوك أن الضرب يؤثر في شخصية الطفل ويهز ثقته في نفسه، كما أن ضرب الطفل يعلمه في المستقبل أن يأخذ حقوقه بالضرب والعنف والصراخ.
• هذا مع أنك من جيل تربى في القصيم على أن "العصا لمن عصا"؟
الضرب التأديبي كان سائدا بالسابق ولا يمكن ان يكون احد الحلول الآن وهذه الأمثال بالية يجب أن نتخلى عنها لأن العصر والوقت اختلفا، وهنا لا بد من التأكيد على الهدف من التربية، وعلى المربي أن يسأل نفسه هل يهدف من تربيته تطويع شخصية الطفل وإهانته والتقليل من شأنه أم تقويم سلوكه وإكسابه مهارات جديدة إيجابية وبتالي فأن الهدف يحدد الوسيلة وهنا نؤكد على أن الضرب بالتـأكيد ليس الوسيلة الفعالة لخلق شخصيات متماسكة وواثقة وناجحة في المجتمع.
• وماذا تقولين في الحديث النبوي" واضربوهم عليها لعشر"؟
لا أريد الخوض في الناحية الشرعية للضرب ومحاولة إجازته لأن الضرب المذكور شرعاً مشروط بعدم إلحاق الضرر، كما أنه على صفة طفيفة جداً القصد منها الإيعاز النفسي بوجود خطأ لا بد من المبادرة في تعديله، فالآيات والأحاديث التي تتكلم عن وجوب الرفق والرحمة واللين حتى مع الحيوان أكثر بكثير من تلك التي تتحدث على الضرب والمقننة كما ذكرنا بشروط، وأتمنى أن لا نلبس الأحاديث ما ليس فيها، فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يؤثر عنه أنه ضرب أو رفع صوته في وجه أحد.
• ذكرت بحث قمت به بالمملكة عن مدى تأثير التجارب السيئة التي يمر بها الأطفال على إصابتهم بالأمراض المزمنة وتبني سلوكيات خاطئة مستقبلاً حدثينا عنه ؟
عملت هذا البحث في جميع مناطق المملكة وكانت نتائجه ان الكثير من البالغين قد تعرضوا الى تجارب سيئة في طفولتهم اما عنف مباشر ضدهم او العيش في اسرة مفككة او وجود مدمن في المنزل او مشاهدة العنف الشديد يمارس ضد افراد العائلة او في المجتمع وبناء على هذه التجارب وجدنا انها تؤثر سلبا في صحتهم الجسدية والنفسية عند الكبر كما انها تدفعهم لممارسة سلوكيات خطرة على الصحة كالتدخين ومعاقرة الكحول والمخدرات . مثلا وجدنا ان نسبة الإصابة بالأمراض الجسدية كالسكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، للأشخاص الذين تعرضوا لتجارب سيئة في طفولتهم هي ضعف نسبة الإصابة لدى الأشخاص الذين لم يتعرضوا لأي تجارب سيئة في الطفولة، وتتضاعف هذه النسبة في الأمراض النفسية حيث تبلغ نسبة المصابين بالاكتئاب والقلق 4 أضعاف نظرائهم. أما فيما يتعلق بممارسة السلوكيات الخطرة لدى هذه الفئة كالإدمان على الكحول والمخدرات فكانت ستة أضعاف نظرائهم ممن عاشوا طفولة جيدة ،.
• لكن الملاحظ أنه لم تتوحد الجهة التي يتم إبلاغها بحالات الإيذاء فهناك من يبلغ الإمارات والبعض يبلغ الشرطة والبعض الآخر يتواصل مع الشئون الاجتماعية. ألا يضعف هذا الأمر دوركم المطلوب في حماية المتضررين؟
حدد نظام الحماية من الايذاء جهة التبليغ في حالات العنف والايذاء وهو الرقم الموحد لاستقبال بلاغات العنف الأسري والذي خصصته وزارة الشؤون الاجتماعية وهو 1919 ويعمل على مدار الساعة ويتم من خلاله مباشرة الحالات بالتنسيق مع كافة الجهات ذات العلاقة. اضافة الى ذلك فقد انشأ برنامج الأمان الأسري الوطني خط مساندة الطفل 116111 وهو خط مجاني يستقبل المكالمات والبلاغات في حالات العنف ضد الطفل كما يقدم الاستشارة للطفل ومقدم الرعاية له في جميع المشاكل التي يمر بها الأطفال . يعمل بالخط اخصائيات في مجال الخدمة الاجتماعية والصحة النفسية وحتى قانونيات لإعطاء المشورة للمتصل ويعمل الخط من الثامنة صباحا وحتى الساعة الحادية عشر مساء.
• الناس تتساءل أيضاً.. أين هي فرق الحماية على أرض الواقع؟
وزارة الشؤون الاجتماعية لديها 17 وحدة حماية منتشرة في جميع مناطق المملكة تعمل تحتها عدة فرق ميدانية للحماية على ارض الواقع . كذلك القطاعات الصحية انشأت مراكز لحماية الطفل والبالغين ولدينا حاليا 43 مركز في القطاع الصحي ونص تعميم وزير الصحة ان تنشأ هذه المراكز ويعمل بها فرق حماية تتكون من ثلاثة أشخاص على الأقل لمباشرة الحالات الواردة للقطاع الصحي هم طبيب أطفال أو صحة عامة أو عائلة وأخصائي أو طبيب نفسي وأخصائي اجتماعي ، وهناك فرق تتكون من عشرة مهنيين او اكثر حسب حجم المستشفى كما هو الحال لدينا في الحرس الوطني حيث ينضم لنا قسم التمريض والجراحة والشرطة العسكرية
.
•د.مها.. ألا تشعرين بالقلق عندما تعلمين أن قضاة المحاكم الشرعية ومعلمي مدارس البنين هما الأدنى مستوى من الوعي بظاهرة إيذاء الأطفال وإهمالهم تحديدا في المملكة وهو ما أكدته دراستكم عام 1434هـ؟
طبعا تشعرني بالقلق، والحقيقة إننا عندما أجرينا هذه الدراسة على أكثر من 5700 مهني من مختلف التخصصات وجدنا أن 2% منهم فقط حصلوا على تدريب متخصص في العنف الأسري، فيما وجدنا أن القضاة ورجال الأمن والتعليم هم الأقل معلومات بشأن العنف الأسري مقارنة بالأطباء والأخصائيين الاجتماعيين ، وبشكل عام وجدنا أن الذكور هم الأقل وعيا من الإناث بهذه المشكلة وبناء على هذه الدراسة وضعنا خطة عمل لتدريب المهنيين المتعاملين مع حالات العنف من مختلف التخصصات ولدينا الآن9 دورات تدريبيه تقام على مدار العام في كل تخصص ودربنا للآن اكثر من 3500 مهني من مختلف التخصصات الطبية والاجتماعية والنفسية والأمنية وغيرها . وبرنامج الأمان الأسري الوطني من اوائل الجهات التي اهتمت ببناء قدرات العاملين بهذا المجال
• هل التحرش الجنسي بين الأقارب الذي يدخل ضمن اهتماماتكم ملموس كظاهرة أيضا؟
التحرش الجنسي ظاهرة متواجدة للأسف بكل المجتمعات، وهي آفة لابد من الالتفات لها والوقاية منها، وقد يتعرض الطفل للتحرش من قبل أي شخص وليس بالضرورة أن يكون هذا الشخص غريبا عنه.
• الملاحظ أن هناك ربط غير مبرر بين إيذاء المرأة وموضوع ولي الأمر.. هل تعتقدين أنه سبب رئيسي وراء تنامي ظاهرة الإيذاء والعنف ضد النساء؟
لا أعتقد ان موضوع ولي الأمر سبب رئيسي لتنامي ظاهرة العنف ضد المرأة، لكن يوجد لدي تحفظ تجاه اتساع دائرة ولاية الامر لتشمل امور خارجة عن الولاية.
• مثل ماذا؟
العمل والتعليم وغيرها من شؤون حياة المرأة والتي من الممكن ان تسلب المرأة اهليتها، والذي يساهم في تعزيز التمييز بينها وبين الرجل
• تنامت في السنوات الأخيرة ظاهرة هروب الفتيات في عدد من مناطق المملكة. ماهي أسباب هذا الهروب في رأيك؟
أحيانا يكون هناك عنف اسري مباشر تجاه الفتاة، وقد يكون للعضل ومنع الفتاة من الزواج دور أيضا في هروبها، وهناك سبب ثالث مهم جدا وهو كثافة وسائل التواصل الاجتماعي التي زادت من ثقافة المجتمع فأصبحت الفتاة قادرة على اتخاذ قرار الخروج من دائرة العنف بطريقتها للبحث عن مخرج لمشكلتها وقد تكون المشكلة في البنت نفسها .
• • بالمناسبة. لماذا لا يرتبط برنامج الأمان الأسري الوطني بوزارة الصحة بدلاً من الشؤون الصحية للحرس الوطني؟
ارتباط البرنامج بوزارة الحرس الوطني لأنه أنشئ بأمر سامي في عام 2005 من خلال قيادات عاملين في الشؤون الصحية بوزارة الحرس الوطني ليكون مركز الريادة في الأمان الأسري وقد استفاد البرنامج بانضمامه لمظلة الشؤون الصحية بالحرس الوطني لأنها تتبنى نظرة الصحة العامة الشمولية والتي تعد الجانب الاجتماعي جانباً مهماً ومكملاً للأدوار الوقائية والعلاجية التي تقوم بها
.
• د. مها. كيف توفقين بين عملك كطبيبة ومديرة لبرنامج الأمان الأسري الوطني ودورك كأم وزوجة؟
العمل لم يكن مشكلة في تربية الأبناء، وأنا لا أشعر بالتقصير في حقهم لأن الأمومة والأبوة غريزة في الإنسان أصلا، والمسئولية مشتركة بين الزوجين، ووضعي كطبيبة وام مثل وضع أي ام واب لديهم مسؤوليات اسرية ومسؤوليات مهنية والمطلوب منهم التوفيق بين الأثنين.
*إلى أي مدى تريد د. مها المنيف من الرجل أن يتنازل عن دور "سي السيد" بحيث لا يختل توازن الأسرة في نهاية الأمر؟
أنا أرفض هذا المبدأ أصلا، لأن العلاقة الزوجية علاقة تكافلية وتكاملية بين الزوج والزوجة فكل منهما له حقوق وعليه واجبات،
• وأين أنت من الآية الكريمة" الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"؟
وأين التعارض في هذا الأمر، فأنا تربيت في منزل كان أبي فيه هو الذي ينفق ودوره كبير كمسئول عن رعيته مع والدتي ويعيشان في تفاهم واضح ومعرفة كل منهما دوره وواجبه وحقوقه، فالمسألة ليست أن راتبي أكبر من راتبك وانا أنفق وأنت لا تنفقين بل هي توافق بين شخصين على أدوار ومهام حسب ظروف كل أسرة
• ولذلك دخلت الخادمة والسائق والمربية الى حياتنا ليقوموا بجزء من هذا الدور المفقود؟
بسبب الوفرة المادية التي مرت بها المملكة دخلت حياتنا عمالة اجنبية , فما كان يجب ان يكون مسؤوليات الأم والأب في المنزل اصبحت مسؤوليات العمالة المنزلية فمثلا الخادمة المنزلية أصبح وجودها في المنزل أمر مسلم به لدى العديد من العائلات.
• هل يجب تحديد واجبات واعمال العمالة المنزلية ؟
نعم اعتقد يجب تحديد اوقات ووصف العمل الذي يقومون به فمثلا الخادمة عملها هو تنظيف المنزل وليس تربية الأبناء
• هل يعني هذا أننا ساهمنا في أن تصبح الخادمة عنصر إيذاء لأطفالنا؟
لا يمكن أن نحصر حوادث الأطفال ونربطها دائماً بالخادمات فتوجد حالات يكون المتسبب الرئيسي بالضرر فيها أحد الوالدين. لذا أود أن أؤكد هنا على أن تربية الأبناء أمانة لا ينبغي إهمالها. قال رسولنا الكريم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، أما الخادمة فتتعرض بالتأكيد لضغوطات نفسية واجتماعية وعملية وتأتي لبلادنا وهي تعاني من كل هذه الضغوطات إضافة للضغوط الاقتصادية، وربما هناك كذلك اعتلال في شخصيتها وكل هذا ممكن ان يؤدي الى استخدام الخادمة العنف ضد الأطفال الذين تقوم برعايتهم .
• الخطوط السعودية أصدرت مؤخراً توضيحا تنفي فيه وترفض وجود مضيفات سعوديات على متن طائراتها. كيف تفسرين هذا الكلام في الوقت الذي صدرت فيه توجيهات ولاة الأمر بفتح مجالات العمل للمرأة السعودية في جميع القطاعات الحكومية؟
لا أعتقد إن من حق الخطوط السعودية أن توافق أو ترفض في ظل وجود قرار سامي مازال ساريا حتى الأن، ومن يملك هذا الحق فقط هم أصحاب القرار وولاة الأمر والمجتمع .
• يبدو أنهم يشعرون بضغط العادات والتقاليد في هذا الجانب؟
أنا أحترم هذا الأمر وأحترم من لا يريد أن تعمل ابنته مضيفة، وردود الأفعال هذه متوقعة وحدثت في الستينات عندما فتح تعليم المرأة فهناك من رفض إلحاق ابنته بمدارس البنات لأنها كانت ضد قيمه وأخلاقه، ويسري هذا على كل وظيفة نسائية مستحدثة حديثا لم يألفها المجتمع فهي مسألة وقت فقط لا غير.
• بعض ولاة الأمور يرفضون بسبب تخوفهم من الاختلاط؟
أعتقد إن القطاع الصحي من أكبر القطاعات الخدمية في بلادنا ولابد أن يكون فيه اختلاط لأن هذه طبيعة العمل فيه، وأنا أحترم من لا يريد أن يلحق ابنته بهذا القطاع، ولكنني أقول إن ضوابط عدم الاختلاط لا تطبق في القطاع الصحي بين المريض ومقدم الرعاية وتعمل بالمستشفيات الطبيبة والممرضة والأخصائية والإدارية السعودية، ولم نسمع فيه بحوادث أخلاقية أو تحرش أو ما شابه ذلك، فالتخوف ليس في محله أصلا، والحال نفسه بالنسبة لمضيفة الطيران فلا يمكن أن تعمل إلا في جو مختلط مع المسافرين فهذه طبيعة عملها ومع وجود ضوابط للعمل فلا خوف لعمل المرأه السعودية كمضيفة
• هذا يعني أننا نعيش مزدوجي الشخصية بين قناعاتنا وأفعالنا؟
دعنا نكن واقعيين فهناك أشياء لا نستطيع أن نطبقها لأنه لدينا ضغوطات من المجتمع ،و لكنني أعتقد أن المثقفين والمتعلمين وعلمائنا وشيوخنا هم من سيساهم في إحداث التغيير الإيجابي في المجتمع. فالمرأة السعودية ان عملت كمضيفة هي لم تخرق القوانين والقيم والأخلاق فهي تعمل كالطبيبة والممرضة وكلهن يعملن في اجواء مختلطة اذا القضية ليست اين تعمل بل ما هو العمل الذي تقوم به ومدى اهميته في تنمية وتطوير الوطن وهل يتناسب مع قيمنا واخلاقنا
• هل نحن بحاجة لقرار سياسي لتغيير ثقافة المجتمع ؟
عادة القرار السياسي يدعم توجه المجتمع وهذا يتطلب تغيير في الثقافة والسلوك والتربية لتوائم تطلعات الأجيال القادمة .
•من اين يجب ان تبدأ ثقافة التغيير؟؟
انا انظر للمسألة على مستويات فالبداية تنطلق من تغيير ثقافة الفرد وقناعاته من خلال التعليم وتهيئة الشباب لأنهم قادة التغيير والتحول ثم ننتقل لمستوى المجتمع الذي نعيش به والتواصل مع المؤسسات الحكومية والأهلية من اجل الدفع بالتغيير المنشود
• ما هو أبعد مدى تتطلع المرأة السعودية للوصول إليه ويحقق لها طموح المشاركة الفعلية؟
ليس هناك حدود للطموح ويمكن للمرأة ان تتبوأ ارفع المناصب في الدولة او القطاع الخاص وقد اثبتت ذلك .
• خصوصا بعد أن اكتسحت في انتخابات مجالس البلديات؟
بصراحة أنا فوجئت بانتخاب هذا العدد الكبير من النساء في الانتخابات البلدية الأخيرة مع أن عدد الرجال الذين أدلوا بأصواتهم أكثر من النساء، لكن هذا يدل على أن الرجل السعودي أدلى بصوته للمرأة من إيمانه بقدرتها على صناعة القرار فشكرا له.
• هل تشغلك كثيرا قضايا قيادة المرأة للسيارة والسفر بدون محرم وتغييبها عن المشاركة في مناسبات الرجال وما شابه ذلك؟
تشغلني كغيري من النساء العاملات وانا في الواقع لدي سيارة وسائق ولدي تصريح بالسفر ولكن ماذا بالنسبة للأغلبية التي تحتاج الى تنقل وعمل مع مايتطلبه ذلك من مرونة وتكلفة مادية .
• إذن أين تقع المشكلة؟
المشكلة تحدث للمرأة التي ليس لها سند وتعتمد على الرجل في أشياء كثيرة ويكون ضدها.
• لهذا يزداد تبني الإعلام الغربي لقضايا المرأة السعودية دون إعلام الداخل؟
هناك انطباع خارجي سلبي عن المرأة السعودية وسببها نحن ووجود القيود والأنظمة التي تحد من حركتها . ولا يمكن ان نغير الأعلام الخارجي الا عندما نتغير داخليا لذلك احتفى الأعلام الخارجي بفوز المرأة السعودية في الانتخابات البلدية وهو محق فقد اعتبرناه نحن انجازا واحتفلنا به قبلهم . فأي انجاز تحرزه المرأة السعودية ليس غرضه الخارج بل حاجتنا نحن , وكلما كان هذا الإنجاز تقدم للأمام فالأعلام الخارجي سيكون انعكاس لتطورنا .
• هل تشعرين أن وراء ذلك أجندات معينة؟
لا أعتقد ذلك.
• وما مدى قناعتك بما ينشر عن المرأة السعودية؟
هناك الكثير من الدراسات الجادة والدراسات المتعمقة عن المرأة والتي قام بها باحثات سعوديات وهذه الدراسات موثقة وانتهجت الأسلوب العلمي أمل الترويج لها ونشرها بوسائل الأعلام عوضا عن بعض الدراسات الاستطلاعية التي لم تنتهج اسلوب علمي وكانت انطباعية وهدفها السبق الإعلامي وللأسف هناك توظيف بلا شك لبعض ما ينشر
• هناك من يلجأ لرفع الصوت عبر وسائل اعلام غربية للتعريف بحقوقه واستخدامها كوسيلة ضغط على الدولة ومؤسساتها؟
أنا ضد توظيف الإعلام ضد الوطن ، لأننا بنات هذا الوطن ونحن ادرى بشؤوننا وكيف نعالجها ، ومن أراد أن يحصل على مكاسب فعليه عليه أن يعمل من خلال المؤسسات والفعاليات القائمة من الداخل ، وكمثال قضية العنف الأسري التي لم تنجح من خلال حملات في الإعلام الخارجي، وإنما نجحت بالعمل الداخلي من قبل نساء ومؤسسات حكومية سعودية عملت بجد حتى صدر نظام الحد من العنف والإيذاء وهذا ما رفع من مستوى المملكة درجات في تقرير التنمية.