ثقافة الهزيمة.. وحرب الكلمات
الأربعاء / 29 / ربيع الثاني / 1428 هـ الأربعاء 16 مايو 2007 19:41
حمد عائل فقيهي
(1)
يعملون في الغرب على دراسة الأخطاء التي أدت إلى أي هزيمة كانت سياسية أو عسكرية.. أو أي خلل أدى إلى وقوع كارثة أكانت بيئية أم اقتصادية، أو أي خطأ علمي أو اجتماعي، وتتحول المسائل والقضايا الكارثية إلى حوارات ونقاشات داخل قاعات المؤسسات العلمية والأكاديمية وقاعات الدرس الجامعي وفي الإعلام بكل اتجاهاته وتوجهاته وبالضرورة عبر صناع القرار السياسي في حال المخاطرة.. أو المغامرة في عمل عسكري.. كما يحدث اليوم داخل الولايات المتحدة الأمريكية بشأن احتلال العراق، أو في بريطانيا ونجد النخبة الثقافية والفكرية والإعلامية في حالة جدال ونقاش مع النخبة السياسية وكل ذلك لا يقلل من شأن فرد أو يحط من قدر كائن من كان المهم أن ما يدور يهدف إلى البحث عن الحقيقة.. استناداً على حقائق دامغة أو وثائق واضحة وعبر حوار تتجلى فيه أرقى أدبيات الحوار وفي أبهى مفردات الوعي الحضاري والسلوك الحضاري في آن.. تلك هي المجتمعات التي لا تهرب من أخطائها ولا تتوارى عن مواجهة ومجابهة خطاياها.
(2)
كيث يحدث ذلك، وكيف تتأسس المجتمعات على أن تكون أكثر إدراكاً وتلمساً وفهماً لقضاياها المصيرية وكيفية التعامل مع الأحداث.. والمستجدات وفق مقتضيات اللحظة الحضارية ومتطلباتها، وسرعة البحث عن «حلول» ضمن منهجية علمية تضع الأمور في نصابها، وتذهب بعيداً في معالجة جذور لأية مشكلة مهما كانت صعوبتها، وأية مسألة مهما كانت تعقيداتها. يحدث ذلك عندما تكون هناك مؤسسات علمية تعمل على قراءة واقعها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بشفافية.. من خلال ما هو راهن.. ومن ثم استشراف المستقبل حتى لا تقع المجتمعات في منزلقات خطيرة. لقد تعرضت الذات العربية إلى أعنف الصدمات وأقسى النكسات ومنذ هزيمة حزيران 1967م مروراً بأزمتي الخليج الأولى والثانية ظلت هذه «الذات» مهزومة من الداخل.. غير قادرة على تخطي هزيمتها ولا تملك القدرة على تجاوز كبواتها وعثراتها ونكساتها نظراً إلى غياب فعل المواجهة مع هذه الذات ومحاولة استنهاض الهمم وإضاءة مناطق الخوف والعتمة داخل هذه الذات التي تعرضت في العمق من المؤامرة الكبرى التي تركزت على ضرورة كسر إرادتها، وإلحاق الأذى البالغ بقدرتها وبمقدراتها، تلك المؤامرة التي تبدو حاضرة وجلية اليوم.. عبر الاستعمار الأمريكي الجديد.
(3)
ولأننا لا نلتفت إلا للماضي للبحث عن حل لقضايانا الراهنة ولأن قراءة المستقبل على ضوء الحاضر ليست موجودة على أجندة العقل العربي التائه تظل النخبة العربية التي يرتجى منها أن تقوم بدور محوري ومركزي في عدم تعزيز ثقافة الهزيمة في غياب كامل وفيما هي غائبة عن دورها يغيب بالمقابل دور المراكز العلمية والثقافية ومؤسسات دراسة استطلاعات الرأي في العالم العربي، والمراكز والمؤسسات العلمية، التي من شأنها قراءة الغرب.. وفهم آليات التنظير التي يرانا من خلالها هذا الغرب.. كيف نحن ومن نكون.. وكذلك العكس. ولا أجد ما اختتم به هنا أجمل من تلك القصيدة التي كتبها الشاعر العراقي الراحل عبدالوهاب البياتي التي يصور فيها حرب الكلمات التي يجيدها بعض العرب.. ها هو يقول البياتي في قصيدته «بكائية إلى شمس حزيران»:
طحنتنا في مقاهي الشرق
حرب الكلمات
والسيوف الخشبية
والأكاذيب وفرسان الهواء
نحن لم نقتل بعيراً أو قطاة
لم نجرب لعبة الموت
ولم نلعب مع الفرسان
ولم نرهن الى الموت جواد
نحن لم نجعل من الجرح دواة
ومن الحبر دماً فوق حصاة
شغلتنا الترهات
فقتلنا بعضنا بعضاً وها نحن فتات
في مقاهي الشرق نقتات الذباب
نرتدي أقنعة الأحياء
لم نمت يوماً ولم نولد
نرتدي أسمال موتانا ونبكي في حياء
a_faqehi@hotmail.com
يعملون في الغرب على دراسة الأخطاء التي أدت إلى أي هزيمة كانت سياسية أو عسكرية.. أو أي خلل أدى إلى وقوع كارثة أكانت بيئية أم اقتصادية، أو أي خطأ علمي أو اجتماعي، وتتحول المسائل والقضايا الكارثية إلى حوارات ونقاشات داخل قاعات المؤسسات العلمية والأكاديمية وقاعات الدرس الجامعي وفي الإعلام بكل اتجاهاته وتوجهاته وبالضرورة عبر صناع القرار السياسي في حال المخاطرة.. أو المغامرة في عمل عسكري.. كما يحدث اليوم داخل الولايات المتحدة الأمريكية بشأن احتلال العراق، أو في بريطانيا ونجد النخبة الثقافية والفكرية والإعلامية في حالة جدال ونقاش مع النخبة السياسية وكل ذلك لا يقلل من شأن فرد أو يحط من قدر كائن من كان المهم أن ما يدور يهدف إلى البحث عن الحقيقة.. استناداً على حقائق دامغة أو وثائق واضحة وعبر حوار تتجلى فيه أرقى أدبيات الحوار وفي أبهى مفردات الوعي الحضاري والسلوك الحضاري في آن.. تلك هي المجتمعات التي لا تهرب من أخطائها ولا تتوارى عن مواجهة ومجابهة خطاياها.
(2)
كيث يحدث ذلك، وكيف تتأسس المجتمعات على أن تكون أكثر إدراكاً وتلمساً وفهماً لقضاياها المصيرية وكيفية التعامل مع الأحداث.. والمستجدات وفق مقتضيات اللحظة الحضارية ومتطلباتها، وسرعة البحث عن «حلول» ضمن منهجية علمية تضع الأمور في نصابها، وتذهب بعيداً في معالجة جذور لأية مشكلة مهما كانت صعوبتها، وأية مسألة مهما كانت تعقيداتها. يحدث ذلك عندما تكون هناك مؤسسات علمية تعمل على قراءة واقعها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بشفافية.. من خلال ما هو راهن.. ومن ثم استشراف المستقبل حتى لا تقع المجتمعات في منزلقات خطيرة. لقد تعرضت الذات العربية إلى أعنف الصدمات وأقسى النكسات ومنذ هزيمة حزيران 1967م مروراً بأزمتي الخليج الأولى والثانية ظلت هذه «الذات» مهزومة من الداخل.. غير قادرة على تخطي هزيمتها ولا تملك القدرة على تجاوز كبواتها وعثراتها ونكساتها نظراً إلى غياب فعل المواجهة مع هذه الذات ومحاولة استنهاض الهمم وإضاءة مناطق الخوف والعتمة داخل هذه الذات التي تعرضت في العمق من المؤامرة الكبرى التي تركزت على ضرورة كسر إرادتها، وإلحاق الأذى البالغ بقدرتها وبمقدراتها، تلك المؤامرة التي تبدو حاضرة وجلية اليوم.. عبر الاستعمار الأمريكي الجديد.
(3)
ولأننا لا نلتفت إلا للماضي للبحث عن حل لقضايانا الراهنة ولأن قراءة المستقبل على ضوء الحاضر ليست موجودة على أجندة العقل العربي التائه تظل النخبة العربية التي يرتجى منها أن تقوم بدور محوري ومركزي في عدم تعزيز ثقافة الهزيمة في غياب كامل وفيما هي غائبة عن دورها يغيب بالمقابل دور المراكز العلمية والثقافية ومؤسسات دراسة استطلاعات الرأي في العالم العربي، والمراكز والمؤسسات العلمية، التي من شأنها قراءة الغرب.. وفهم آليات التنظير التي يرانا من خلالها هذا الغرب.. كيف نحن ومن نكون.. وكذلك العكس. ولا أجد ما اختتم به هنا أجمل من تلك القصيدة التي كتبها الشاعر العراقي الراحل عبدالوهاب البياتي التي يصور فيها حرب الكلمات التي يجيدها بعض العرب.. ها هو يقول البياتي في قصيدته «بكائية إلى شمس حزيران»:
طحنتنا في مقاهي الشرق
حرب الكلمات
والسيوف الخشبية
والأكاذيب وفرسان الهواء
نحن لم نقتل بعيراً أو قطاة
لم نجرب لعبة الموت
ولم نلعب مع الفرسان
ولم نرهن الى الموت جواد
نحن لم نجعل من الجرح دواة
ومن الحبر دماً فوق حصاة
شغلتنا الترهات
فقتلنا بعضنا بعضاً وها نحن فتات
في مقاهي الشرق نقتات الذباب
نرتدي أقنعة الأحياء
لم نمت يوماً ولم نولد
نرتدي أسمال موتانا ونبكي في حياء
a_faqehi@hotmail.com