علاقتنا علاقة وجود

محمد الجهني

غادر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية أرض الكنانة بعد قضاء أيام خمسة بين أهلنا في سابقة تؤكد أهمية تأسيس البنى التحتية لعلاقة ليست ذات طابع عاطفي على الإطلاق، بل يمكن تسميتها علاقة المصير المشترك، لا لشيء إلا لأن العلاقات السعودية المصرية تحديدا حجر الزاوية لبناء نهضة عربية ذات بعد مؤسساتي راسخ ومتين، حيث أتت تلك الزيارة في أعقاب سبات مخيف أدى فيما سبق لتزايد أطماع الطامعين من هواة إشعال النيران ومتجاهلي خطورة الخلافات، المغالطين لأنفسهم، إذا افترضنا حسن النوايا.
الأيام الخمسة التي قضاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في مصر فعل غير مسبوق، بل تجسيد صادق لرؤى واضحة تصب في إنجاز مهمة تمتين أواصر العمل المشترك من باب الإيمان بالأهمية البالغة لتأسيس علاقة مستدامة تأخذ في الاعتبار مصالح البلدين والشعبين، بعيدا عن العواطف والكلام المرسل، فالعلاقة ليست علاقة عابرة، ولا يمكن اختصارها بتصدير المشهد الاقتصادي على ما سواه من مشاهد سياسية مصيرية تبعث بالطمأنينة على مستقبل الأجيال، خاصة وقد عشنا لنشهد التهديد بعد التهديد والوعيد بعد الوعيد، بل ونشهد المؤامرات والدسائس تحاك شرقا وغربا لتفتيت أوصال شعوب صنعت التاريخ في منطقة تربطها أواصر اللغة والدين والنسب والمصير المشترك.
لا يمكن اختزال تلك الزيارة التاريخية بالشق الاقتصادي وتعريتها من كافة مدلولاتها السامية، كما حدث في بعض وسائل الإعلام العربية مع شديد الأسف بسبب الطغيان العاطفي والنظرة القاصرة من جهة، والدسائس ذات المصادر المعروفة من جهة أخرى، لأننا فقط لم نفهم بعد البعد الحقيقي الحضاري للزيارات المتبادلة بين القادة ولم نعِ أهمية الاتفاقات الدولية الناشئة على مبدأ الشفافية، ولهذا توصم الزيارات والمعونات دائما بعلاقات المجاملات والمواقف المؤقتة، هكذا يتم تصنيف العلاقات الدولية بكل سهولة، وهكذا يتم إسقاط المنافع المتبادلة ذات البعد الوجودي، إذا صحت التسمية، فهكذا يتصور محدودو الفكر، ومن هنا يسهل على نافخي الكير إشعال النيران في أجواء ملبدة بالجهل والحقد والتخلف والأمية السياسية.
أحيانا نأسف على حال أمة لم تدرك بعد الأهمية البالغة لوحدة المواقف بين دول شقيقة يربطها الدين واللغة والجغرافيا فيما تنصهر دول لا رابط بين شعوبها، كما فعلت أوروبا التي أضحت آمنة مطمئنة يشد بعضها بعضا كالبنيان المرصوص.
حصيلة الأيام الخمسة، إذا جازت التسمية، بنى تحتية لعلاقة صحيحة صحية سليمة راسخة تتوافق ومبادئ العلاقات الدولية المتقدمة، وتؤسس لاستدامة تعاون يحصد الشعبان الشقيقان نتاجه بشفافية عالية، فكلا الجانبين مستفيد بغض النظر عن الخلافات والرؤى المتباينة حيال بعض القضايا، فالأهم دون شك التوافق التام حيال القضايا الإستراتيجية الكبرى، وتلك مزايا لا يستوعبها سوى النبلاء من مستشعري خطورة التشرذم والانكفاء على مستقبل أيام الأجيال القادمة، خاصة أننا ندرك أن المتربصين وطوابيرهم أصيبوا في مقتل لمجرد عزم وحزم سلمان بن عبدالعزيز لتغيير واقع الحال عبر أفعال حضارية عملية شفافة ذات أهداف عامة تؤدي في نهاية المطاف لجمع شمل الأمة العربية لتصبح أمة عصية على المخططات الإمبراطورية الزاحفة من الشرق والغرب على حد سواء.
لا بأس في اختلاف الرؤى وتباين الأفكار، فتلك سنة الحياة، بل إن البأس الشديد في تمكين نافخي الكير من تحقيق طموحاتهم بتمزيق الأمة لجعلها لقمة سائغة للمخططين من الحاقدين على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وسنرى بعون الله مستقبلا مزهرا لمنطقة تشق الصف نحو النمو والتقدم متسلحة بالتكاتف والتعاون في كافة مجالات الحياة وفق رؤى صحيحة ومصالح مشتركة، فمن المؤلم تجاهل التأسيس في العلاقات على حساب جانب الاقتصاد فقط الذي أضحى محط التركيز، فغيب في أذهان البعض جوانب البقاء والانصهار والعيش المشترك والمصير الواحد، لأن الأخطار المحدقة ليست موجهه لشعب دون الآخر وقد عشنا بعضا منها وأدركنا أن قوة الدول مرهونة بمتانة علاقة شعوبها وعقلانية التعامل مع مكامن الأخطار.