ملايين الأندية والفقراء!

علي مكي

قرأت أمس أن مرتضى منصور لا يزال يطالب النادي الأهلي بالدفعة المتأخرة من حصة بيع عقد لاعب الزمالك محمد عبدالشافي، التي تفوق المليون دولار أي إحدى الدفعات فقط وليس المبلغ كله! أيضا سمعت عن تعثر المفاوضات للتجديد مع نجوم الفريق مثل أسامة هوساوي ووليد باخشوين وغيرهما في الأهلي بل وفي أندية أخرى بحجة أن هذين الأخيرين يريدان ما يفوق الخمسة ملايين ريال للعام الواحد!!
يا إلهي من أدخلنا لهذا النفق، هل هي عشرات الملايين التي (كعها) الاتحاد السعودي أو الرئاسة العامة لرعاية الشباب للهولندي ريكارد أم هو (المطنوخ) الذي اشترى عددا من اللاعبين (وغير اللاعبين) بإغراءاته من تحت الطاولة؟
أتذكر أنني كنت قد كتبت في مرات سابقة عن بعض التعاقدات الخيالية التي تبرمها أنديتنا الكروية مع المدربين واللاعبين والأجانب وبشكل سافر ومبالغ فيه.
ثم تساءلت: هذه الملايين بهذا الأرقام الضخمة، ألا تكفي لبناء مستشفى بالغ الجودة شامل التأثيث والتشغيل، وتكفي أيضا لإنشاء أكاديميتين أو ثلاث على مستوى عال تكون مصنعا لإنتاج المواهب الكروية المحترفة عقليا وصحيا ورياضيا بما يطور ويعزز ويقوي حضورنا الرياضي في المستقبل؟.
وقد وجهت يومها طلبا لمسيري أنديتنا الرياضية قائلا لهم ولكل من يؤيد هذا الاتجاه وينصره في إدارات أنديتنا: إذا كنتم ستقدمون على خطوة مثل هذه أو حتى قريبة منها مرة ثانية، فأرجوكم كل الرجاء عدم الإعلان عن التفاصيل المالية الحقيقية لصفقاتكم عبر التفاهم مع هذا اللاعب أو ذاك المدرب والاتفاق معه أن تبثوا خبر قيمة الصفقة أقل بكثير من قيمتها الأصلية، ربعها مثلا (والربع كثير)، لأن كل هذه التعاقدات والإعلان عنها كما قلت فيه استفزاز لمشاعر الناس الممزقة والمطحونة بالهم والفقر والألم ووجع العيش!! لم أقل هذا الكلام من الهواء بل قلته من وسط الشارع والزحام المرير بين الوجوه المتعبة والذين يمثلون اليوم أكثرية هذا المجتمع مع الأسف.
رجاء لا تقارنوننا بأوروبا لأن الوضع مختلف، فالنادي الذي يدفع هناك مئات الملايين من الريالات في لاعب أو مدرب فإنه يستعيدها مضاعفة فالكرة والرياضة هناك صناعة واستثمار وتجارة وعندما يحوز (ليستر) بطولة البريمرليغ أو يظفر ميسي ورفاقه بدوري الليغا وبكأس التشامبيونزليغ معا، فإن عائداتهم ليست (ملاليم) آسيا ودورياتها المحلية أو الخارجية بل هي ملايين (مملينة) بالعملات الصعبة!!
وعلى الرغم من ذلك، أي من وجود مبررات منطقية للعقود الأوروبية الخيالية جدا، أتذكر ما حدث في روما قبل عقود حين سمع وقرأ رجل أو شاب إيطالي عاطل معدوم (مو لاقي يأكل) عن المبالغ الخرافية التي يتقاضاها المحترفون في (الكالتشيو)، فما كان من هذا المعدم العاطل إلا أن ألقى بنفسه أمام القطار احتجاجا على مبالغات عقود اللاعبين، فسحقه القطار في الحال دون أن يطلق صفارة واحدة وحوله في لحظة خاطفة إلى عدم معطل إلى الأبد!! يومها خرج بابا الفاتيكان السابق يوحنا بولس الثاني يطالب الأندية الإيطالية والقائمين عليها بأن يتقوا الرب ويتمسكوا بعدم الإعلان عن صفقاتهم الضخمة مع اللاعبين والمدربين حرصا على مشاعر المحرومين والفقراء والعاطلين!
وأظننا بحاجة إلى أن يخرج من (ينوّر) أنديتنا ويقول لها وللقائمين عليها اتقوا الله ولا تعلنوا عن تفاصيل صفقاتكم من ذلك النوع (الباطر) الباذخ! ففي بلادنا آلاف مؤلفة من الفقراء والمحرومين والعاطلين والمديونين والمرضى الذين لا يجدون ثمن العلاج!!