«أكاديميون» يفرّون من المواجهة.. وآخرون: للكسب المادي!

بعد أن فتحت «عكاظ» ملف منجزات «كراسي البحث العلمي»

علي الرباعي (الباحة)

ما إن تشرع في الدخول إلى أيقونات المواقع الإلكترونية لكراسي البحث العلمي في الجامعات السعودية حتى يصافحك هذا التوصيف تقديم تعليم مميز، وإنتاج بحوث إبداعية تخدم المجتمع وتسهم في بناء اقتصاد المعرفة، من خلال إيجاد بيئة محفزة للتعلم والإبداع الفكري، والتوظيف الأمثل للتقنية، والشراكة المحلية والعالمية الفاعلة، إلا أن واقع الكراسي العملية لا يحقق هذه المبادئ التي أنشئت الكراسي من أجلها.
وذهب بعض الأكاديميين إلى وصف المشروع بـ «حمى الكراسي» و «لعبة الكراسي»، ولم يتردد الدكتور سعيد فالح الغامدي في وصف الكراسي بـ «المجاملات والمحاباة والنفاق ومنح وجاهة لمن لا يستحق، وإتاحة فرص للتكسب المادي»، متسائلا «لماذا أنشئت الكراسي البحثية إن لم ينعكس أداؤها على واقع الناس».
يؤكد وكيل جامعة الإمام للدراسات العليا والبحث العلمي الدكتور فهد العسكر أن «إشكالية كراسي البحوث العلمية تتمثل في ضبابية المفهوم، إذ إن بعضهم يعقد مقارنات مع كراسي البحث في الجامعات الغربية»، موضحا أن «الفرق كبير بيننا وبين الغرب كما أن الفارق أكبر بين البحث العلمي وبين كراسي البحث»، لافتا إلى أن «كراسي البحث العلمي مؤسسات بحثية قائمة لمعالجة أزمة أو مواكبة حدث أو تطوير مخترع أو كشف علاج أو توفير حلول».
وأضاف العسكر أن «الأصل فيها الشراكة المجتمعية»، كاشفا عن «إنشاء 20 كرسيا محليا في جامعة الإمام، و5 كراسي دولية منها كرسي في جامعة السوربون باريس، وكرسي في جامعة بولونيا في إيطاليا»، مؤملا أن «يزول اللبس والتسخط من أذهان الناس عن الكراسي في الأوضاع الاقتصادية التي انعكست سلبا على الكراسي»، مشيرا إلى أن «جامعة الإمام توجهت نحو تخصيص استثمارات لتمويل البحث العلمي وستؤتي مردودها خلال عامين»، ويرى العسكر أن «الكراسي لها بُعد إستراتيجي والرهان على الجودة مستقبلا».
فيما يذهب وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود للتبادل المعرفي والتواصل الدولي الدكتور محمد العلم إلى أن «الأزمة ليست أزمة كراسي بل أزمة بحث علمي»، لافتا إلى أن «الكراسي بدأت تظهر في ظل وفرة مالية محاكاة لما في الغرب، إلا أن الفرق الجوهري بين الشرق والغرب أن الجامعات الغربية لديها أوقاف تمول البحث العلمي والكراسي المخصصة للدراسات التخصصية منها جامعة هارفارد التي يبلغ ريع أوقافها 84 مليار دولار»، مؤكدا أن «الدولة تعطي وتهب القطاع الخاص دعما غير محدود إلا أن تفاعل القطاع الخاص مع البحث العلمي والكراسي لا يصل إلى حد مقبول إذ لا يبذل أرباب رؤوس الأموال الكبرى 20% مما يستفيدون من الدولة ومن المجتمع».
ودعا العلم إلى «إعادة النظر في مفهوم وتصور الكراسي، قبل أن نسأل ماذا قدمت نتساءل بكم موّلت ودعمت؟»، ورفض العلم فكرة الوجاهة والتكسب المادي والمجاملات كون فكرة الكراسي العلمية نبيلة مكملة لدور الجامعات في البحث العلمي، وقال العلم «أعطني بحوثا علمية مميزة وتمويلا ماديا معقولا ليمكن بعدها محاسبة الكراسي العلمية على ما قدمت».
ومن جهتها ترى أستاذة الأدب والنقد المساعدة في جامعة الباحة الدكتور ابتسام علي الصبحي أن «الكراسي البحثية في الجامعات السعودية خطوة رائدة في مجال نشر الوعي المعرفي مطبقا في أبحاث علمية رصينة وجادة»، وتؤكد أن «الفكرة تقوم على خدمة مجتمعية تقدمها الجامعات للمجتمع من خلال دورها في معالجة القضايا وإيجاد الحلول».
ووصفت الصبحي الكراسي البحثية بـ «طموح عال، ولبنة رخوة في بعض الجامعات؛ لغياب دورها الرئيس متمثلا في دعم المشاريع العلمية الجادة، وليس مجرد عقد الندوات واللقاءات التي يمكن لأي جهة القيام بها»، وأضافت أن «معظم الكراسي وضعت لغاية معينة ولكن أكثرها لم ينجح في تحقيق هذه الغاية ما أدى إلى إقفال معظمها»، مؤملة أن «ينصب جهده الأكبر في العناية بالأدب السعودي في الجامعات بالمشاركة في وضع خطط دراسية سليمة لمقرراته، ووضع آلية معينة في طرائق دراسته في مرحلة البكالوريوس، كون الأدب هوية الأمة، مع الاستمرار في نشر أعمال ودراسات قُدمت في الأدب السعودي وهي خطوة جادة ومباركة من الكرسي إلا أن بعضها يُطّلع عليه وأكثرها لا يعرف منها سوى اسمها فحسب».
ويتطلع أستاذ التاريخ والحضارة في جامعة جازان الدكتور علي الصميلي إلى تأسيس كراسي بحثية في كل منطقة لمعالجة إشكالات وأزمات المناطق. وضرب مثلا بجامعة جازان التي تحتاج كراسي بحثية لدراسة التسلل من الحدود وأضرار القات وأخطار السيول والأمطار.
وبطرح «عكاظ» سؤالا عن مدى فائدة كراسي البحث العلمي وأثرها في المردود المجتمعي على عدد من الأكاديميين بادر عدد منهم بالاعتذار ومنهم أستاذ الأدب والنقد في جامعة الملك سعود الدكتور صالح زياد الذي ردّ على برنامج المحادثات «الواتساب» قائلا «اعذرني أبا محمد من هذا»، فيما أوضح الأكاديمي رئيس مجلس أدبي الرياض الدكتور عبدالله الحيدري أنه لم يعمل في أي كرسي، مضيفا أنه «لعلي أرشح الزميل الدكتور عبدالله حامد المشرف على واحد منها في جامعة الملك خالد»، وتم التواصل مع الدكتور عبدالله حامد وجاء الرد «أنا مشرف على أحدها، فأعفني من الحديث عنها» فيما لم يرد بعض الأكاديميين على السؤال.