ماذا سيحدث بدون رؤية الـ2030؟!

محمد آل سلطان

كنت قد كتبت في ثلاث مقالات سابقة أن حقبة سعودية ثانية تشكلت وتتشكل على كل الأصعدة داخليا وخارجيا، وعزز ذلك تصريحات القائد الشاب سمو ولي ولي العهد في مجلة بلومبيرغ بأن يوم 25 إبريل سيكون هو الموعد الذي ستدشن فيه المملكة رؤيتها المستقبلية لعام 2030.. لن أتناول العناوين البارزة التي أتت في حوار الأمير محمد أو ما ستطلقه بلادنا من رؤية تزيد من عزمها عزما ومن حزمها حزما.
ولكن سأتناول وحسب التقارير المتخصصة - وبحسب ما تسمح به مساحة المقالة - ما سيكون عليه وضع المملكة في عام 2030 اقتصاديا واجتماعيا فيما لو لم يكن لديها رؤية إستراتيجية تحضر لمستقبلها القادم، والخطر الذي سينتظرها والتحديات الكبرى التي ستواجهها وقدرتها الحقيقية على مواجهة هذه التحديات التي تمس حياتنا وحياة أجيالنا القادمة. صحيح أن المستقبل بيد الله ولكن ما هو صحيح أيضا أن سنن الله ماضية وأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن مناط هذا التغيير وهذا الطموح هو الكثير من العمل والجهد بذكاء يختصر علينا الزمن ويجعل من حياتنا أكثر يسرا ورغدا وأنه من الجنون كما يقول أينشتاين «أن نفعل الشيء نفسه مرة أخرى وننتظر نتائج مختلفة !!».
في عام 2030 سيبلغ عدد سكان المملكة ما يقارب الأربعين مليون مواطن ومواطنة تقريبا معظمهم من الشباب، وسيصبح تأمين فرص عمل نوعية تضمن لهذا العدد المشاركة الفعلية في تنمية وطنها وفي تقديم القيمة المضافة تحديا كبيرا لا يمكن الاستهانة به، وإذا أضفنا لذلك حاجات هذا العدد من السكان لخدمات تعليمية متطورة توازي ما يتطلبه العصر والتكنولوجيا من خدمات نوعية وكمية.
وبالطبع سيتولد لدينا ضغط كبير على الخدمات الصحية التي يحتاجها هذا المجتمع في عام 2030 وبطريقة أكثر تحديا من وضعنا الحالي ومعدل نمو الخدمات الصحية المقدمة، وسنحتاج إلى ملايين الوحدات السكنية التي توازن بين العرض والطلب وتجعل من اقتناء الأسرة لمنزلها أمرا ميسورا لا يؤثر على مستوى دخلها ويحرمها استثمار هذا الدخل أو إنفاقه في أوجه الحياة الأخرى. وكما سيكون لدينا عجز كبير في خدمات الماء والكهرباء وتأمين الطلب المتنامي على تلك الخدمات !!
ومن تحدياتنا الاجتماعية تأمين قوانين وأنظمة تكفل الحفاظ على اللحمة الاجتماعية والشعبية، وترسخ سبل المواطنة الحقة وتكفل مشاركة الجميع نساء ورجالا في تنمية وطنهم وتعزز من محور الولاء والانتماء لهذا الوطن وقيادته، والإيمان بأن لا تمايز لأحد على أحد مناطقيا أو مذهبيا أو عنصريا إلا بقدر ما يقدمه هذا الأحد لخدمة الوطن والمجتمع عموما.
والتحدي الأكبر هو أننا لا نعتمد حاليا إلا على مصدر دخل واحد يأتي من إيرادات بيع البترول وحتى هذا المورد فإن التقديرات تقول بأننا سنستهلك ما يقارب من 80% من إنتاجنا الحالي بحلول عام 2030 وما لم نتحرك حقيقة لإيقاف هذا الاستهلاك سواء ما كان منه هدرا أو حاجة لتأمين خدمات الطاقة والماء والكهرباء فإننا سنفقد لا محالة حتى موردنا المالي الوحيد.
وحتى لو نجحنا في ذلك فإن حاجتنا ستظل قائمة لأن تصدير البترول في السنوات القادمة وبالمعدلات الحالية نفسها لن يؤمن لنا وحده الموارد المالية التي ستساعدنا في مجابهة التحديات الداخلية والخارجية.
وإذا أضفنا إلى ذلك تسارع التكنولوجيا والتقدم العلمي في الاستفادة والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، والاستغناء عن معظم الاستخدامات التي يعمل عليها البترول حاليا مثل إنتاج سيارات تعمل بالطاقة الكهربائية أو الشمسية فإننا سنقع في المطب نفسه الذي وقع فيه منتجو الفحم الحجري الذي لم ينضب ولكن تكنولوجيا النفط واستخراجه واستخدامه حلت بديلة عنه !!
إن وضع رؤية لمستقبل السعودية 2030 ليس ترفا بل هو هدف لجيل شاب من قيادة هذا البلد وشعبه، وليس هناك مستحيل، فبقدر التحديات الكبرى لدينا أيضا فرص عظيمة لأن نكون عظماء، المهم ألا تتوقف قدرتنا على الإيمان بقدرة هذا الشعب وقيادته في أن يجعل من المحن منحا وأن يبني من الأحلام واقعا فطموحنا ومستقبلنا في الغد هو حلمنا ورؤيتنا اليوم !!

maas1010@hotmail.com