مركون

طارق على فدعق

المركون هو المهمش... ولو تأملت في بعض الجوانب الفلسفية في هذا الموضوع ستجد بعضا من أغرب القصص ومنها قضية كوكب بأكمله. كان آخر الكواكب التي تم اكتشافها في مجموعتنا الشمسية. وكان ذلك عام 1930 من الأمريكي «طومبه» على وزن «طرمبه». وأصبح هذا الكوكب الصغير نسبيا من الكواكب المفضلة لعدة أسباب ومنها حجمه الصغير نسبيا، فمساحته تعادل حوالى ثمانية أمثال مساحة المملكة فقط. وأما اسمه الظريف فقد اقترحته فتاة شابة لأنه كان من الأسماء التي بدت وكأنها من الأسماء الوديعة. والواقع أن «بلوتو» معناه عكس ما نتوقع فجذوره الإغريقية مصدرها اسم ملك الظلام والموت. ولكن العالم لم يسمع، فقد تم إطلاق الاسم على إحدى الشخصيات الكرتونية في مجموعة «والت ديزني» الأسطورية التي يعشقها الأطفال. كان ضمن «شلة» الفأر ميكي، والبطة دونالد وجماعتهم. ولزيادة «اللخبطة» تم إطلاق اسم هذا الكوكب على أحد العناصر المشعة القاتلة التي استخدمت لصناعة القنبلة الذرية الثانية التي دمرت مدينة «ناجازاكي» اليابانية بأكملها في عام 1945. أطلق العلماء عليه اسم «بلوتونيوم» تخليدا للكوكب. وحسب علمي المتواضع في عالم الكيمياء، فلا توجد استخدامات سلمية لهذا العنصر فهو «شراني» من الطراز الأول. الشاهد أن الكوكب الصغير كان في «آخر الدنيا» أي في أقصى المجموعة الشمسية. وكان يحتوى على بعض من أغرب الخصائص، فمعظم مكوناته مصنوعة من الثلج، ومساره في الفضاء كان عجيبا لأنه يعترض مسار كوكب ضخم وهو كوكب نبتون.. يعني بلوتو كان كوكبا صغيرا وكان أيضا «قبضايا». وبقيت أسراره مدفونة لأنه كان آخر كوكب يتم اكتشافه في مجموعتنا الشمسية، فلم تهبط عليه أي مركبة إلى العام الماضي. ولكن العلماء وجدوا أنه لا يتحلى بجميع خصائص الكواكب، فتم طي قيده ككوكب في عام 1992 وأصبح «كوكبا قزما» بل وتغير اسمه ليصبح «بلوتو 134340» ليعكس ذلك.
طبعا الأمور «المركونة» لا تقتصر على الفضاء فحسب، فلو تأملنا بعض المنتجات التي كنا نحبها ونحترمها، لوجدنا أن الكثير منها تم «ركنها» قبل أوانها، أو قبل أن تستنفد فوائدها. وكأمثلة نجد مثلا مسجل الكاسيت فلماذا تم الاستغناء عنه بالرغم من كونه مخلصا في الأداء ومعقولا في التكاليف؟ وماذا عن سيارة «الكريسيدا» الرائعة التي تم إيقاف إنتاجها والاستغناء عن اسمها، وسمعتها الناجحة، وبالذات على الطرق السعودية؟ وطائرة «الكونكورد» الرائعة التي سبقت عصرها بعشرات السنين، ولا يوجد إلى اليوم ما يضاهي سرعتها وأداءها الأسطوري. واليوم نجد أن البوينج 747 العملاقة الشهيرة بالجامبو مهددة بإحالتها إلى حالة «المركونة» بالرغم من أنها غيرت عالم الطيران المدني بأكمله. ساهمت هذه الطائرة العملاقة بسبب سعتها ووفوراتها الاقتصادية بشكل مباشر في تمكين المسافر العادي من السفر لمسافات شاسعة بتكاليف منخفضة. وكانت هذه الميزات مهمة بالنسبة لنا هنا في المملكة لأنها وفرت بمشيئة الله بوابة جوية مهمة لأداء شعائر الحج والعمرة لملايين الزوار خلال الأربعين سنة الماضية.
أمنيـــــة
هناك ما هو أهم من كوكب بلوتو، والطائرة الجامبو، والسيارة الكريسيدا، ومسجل الكاسيت، ألا وهو الإنسان. في كل سنة، وتحديدا في مطلع شهر رجب تتم إحالة آلاف الموظفين إلى التقاعد. أتمنى أن نعطيهم حقهم من الشكر والتقدير وألا نشعر أيا منهم أنه أصبح في فئة «المركون». والآن اسمحوا لي أن أنهي المقال لأن عدد كلماته قد تعدى خمسمائة كلمة وبذا يكون قد دخل مرحلة الخطر، وحسب تعليمات إدارة التحرير فقد يضع هذا مستقبل مقالاتي بأكملها في فئة «المركون». والله المستعان، وهو من وراء القصد.