الأهلي، غداً، يُتوّجُ مرتين!

علي مكي

مرة أولى، وهي الأهم، بحضور رمزه، قلبه، روحه، سمعه، بصره، يده، ورفيقه (الأنقى) «خالد بن عبدالله» هذا الرجل الأجمل في تاريخ الرياضة السعودية الذي هو كبيرها كما هو كبير النادي الأهلي!
وعندما يحضر الأمير خالد غدا الجمعة إلى ملعب الجوهرة مدينة والده الراحل المغفور له بإذن الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي ذهب إلى الرحمن، فإنه هو الحدث الأهم والموازي تماما لتتويج الأهلي بدوري جميل على الرغم من أن المسابقة، أي مسابقة كروية، هي من تزدهي وتزدهر أيضا بمشاركة أهلي جدة أهلي الوطن فيها، وستذهب صاعدة سماوات الخيال البعيد، لأن الخيال هذه المرة ينتصر!.. ما حدث باختصار درس للوقوف على الحواف.. درس حقيقي لمتعة التعلق بالأمل، الأمل وحده، فلا شيء يحلو وتحلو معه الكتابة هذه الأيام سوى النادي الأهلي، ولتنظروا أيها القراء في كل مكان كيف تحرض هذه المؤسسة الحضارية الشاهقة التي اسمها «الأهلي» على الشعر والبلاغة وتثير فتنة اللغة وتجعل منها إبداعا متجاوزا وعميقا.. وحده هذا النادي الجليل من يعيد ترتيب العلاقة بيننا وبين اللغة، وكلما عاد هذا الفريق لشيء من بريقه عاد الكلام الجميل ليزهر في حقول اللغة. والأهلي حين يحوز البطولة، أية بطولة، لا تضيف إليه البطولة شيئا، بل هو من يضيف إليها كل شيء، لكن هذه البطولة بالتحديد دوري عبداللطيف جميل لها وضع خاص واستثنائي وهي تضيف للأهلي كما يضيف إليها لأن الرمز سيكون في الملعب هذه المرة بعد غياب طويل تجاوز العشر سنوات. لكن الأهلي هو الأحلى والأجمل و(الأشيك) بخالد بن عبدالله وبهذا الهدير العاشق الذي يملأ مدرجات ومنازل الوطن!
الأهلي هو الأمل القادم لكرة البلد مثلما كان هو ماضيها البهيج. إنه الخيال بعينه والذي سيصبح عما قليل هو الواقعي الأكيد! وقد قلت من قبل، إن الكتابة، عندي، تنحاز للجمالي دائما. معني أنا بالجماليات في كل شيء في الحياة وفي كل لا شيء في اللاحياة. أينما يكون الجمال تجد قلبي وعقلي وروحي تحوم حوله كما يحوم هذا الفراش على نجمة تسيل من السقف. ولو كان الجمال في آخر نقطة في آخر الدنيا، (لحَبتْ) إليه كلماتي كما يحبو العاشقون. وما أجمل (الحبو) كحالة أو مرحلة طفولية حين تتم استعارتها في رحلة حب طويلة كلما وصلت إلى نهايتها أو منتهاها بدأت من جديد. والجمال اسم، والجمالي صفة الاسم، فيما الجماليات هي صفات الصفة وصفات الصفات أيضا. لكن هل يمكن أن نرى كل هذا مرة أو دفعة واحدة؟. الإجابة ليست عصية أو بعيدة، إنها هناك في «جدة»، وتحديدا في بداية شارع التحلية إلى يسارك حين تيمم وجهك غربا، وإلى يمينك في نهايته حين تكون وجهتك شرقا صوب مطلع الشمس. ليس الأمر لغزا أو متاهة. هو النادي الأهلي يقيم هناك بكامل مشمشه وفتنته وجماله وجمالياته. خلفه مباشرة تقع مكتبة كبيرة حديثة النشأة تعرض بضاعة ضخمة تختلط فيها الأصالة بالحداثة بما بعد الحداثة في توليفة عجيبة تبز الاحترام. وأمامه أو مقابله كان يسكن الفنان الراحل صوت الأرض والناس والحزن الشجي الجميل الطروب «طلال مداح» رحمه الله قبل أن ينتقل وأسرته إلى عمارة جديدة في الجهة الشمالية للنادي الأنيق. وبجواره أيضا، أي بجوار النادي الأهلي، وذات مساء رمضاني قريب، وبينما كنت أقطع الشارع مشيا إلى الباب الموارب لمنزل حبيبي الغالي «الأهلي» في زيارة لتجديد الغرام، تلقفت ابتسامة سقطت سهوا من نافذة صغيرة لسيارة عابرة يطل منها حرير مموج، فحملتها، أعني الابتسامة التي سقطت سهوا، وخبأتها في (عيون قلبي) لعل صاحبتها تسأل عنها يوما (ما) فأرد إليها أمانتها. رجاء لا تتعجل وتقل إن كل هذا محض صدفة. لا شيء في هذا الكون يحدث بالمصادفة يا عزيزي. هكذا أؤمن حد اليقين، ثم ماذا تتوقع أن يكون بجوار النادي الأهلي غير الثقافة والفن والنور والجمال؟
غدا ستشاهدون الأهلي وجمالياته عندما تتضافر في الملعب أي الجمهور العظيم والأداء الأخضر الفاتن! شيء مذهل يجعل الأهلي هو السيد.. هو الشمس، والبقية كواكب في مجرته الكبيرة!
مبروك للأهلي.. مبروك لنا.. مبروك للحياة، للجمال، للفن.. مبروك لكل جماليات كون الأهلي.