المحطة 2018

السفير حمد أحمد عبدالعزيز العامر

سابقة تاريخية تلك المبادرة التي أطلقها الملك حمد بن عيسى آل خليفة بإعلانه عن مشروعه الإصلاحي النابع عن حكمة ورؤية متقدمة وقراءة واقعية لحركة التاريخ التي من أهم أهدافها التجديد والإصلاح ونقل البحرين نقلة تاريخية لم يسبقه إليها أحد من الزعماء، بما تميز به من بعد نظر وحنكة منذ توليه سدة الحكم في (مارس 1999م) وما قام به من خطوات إصلاحية عملية شهد لها القاصي والداني قبل اشتعال شرارة ما يسمى (الربيع العربي) الذي دبر بليل أسود ما زال مشتعلا في عدد من الدول العربية.
وقبل الأحداث المؤسفة التي شهدتها مملكة البحرين في (فبراير 2011م) وقبل بدء عمل (اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق) الذي انتهى بتنفيذ جميع ما تضمنه تقريرها من توصيات بشهادة البروفيسور محمود شريف بسيوني – رئيس اللجنة - الذي أكد خلال حضوره احتفالية خاصة أقيمت بهذه المناسبة في (9 مايو 2016م) على أن البحرين (لم تستكمل فقط تنفيذ التوصيات إنما تقدمت عليها بالعديد من الخطوات الإصلاحية التي تصب في مصلحة المواطن البحريني ومستقبله)، فكانت البحرين على موعد مع التاريخ بإرادة ملك عادل عازم على استكمال نهج الديمقراطية والتعددية من أجل عودة الجميع إلى رحاب الوطن تحت مظلة المؤسسات الدستورية القائمة على أن تكون مشاركة المعارضة في انتخابات (2018) أمرا مفروغا منه، فتنفيذ التوصيات ما هو إلا خطوة من خطوات عملية عديدة أطلقها – ولا يزال - جلالة الملك منذ (1999م)، رغم الفترة العصيبة التي لم تمر بها البحرين في تاريخها الحديث، وعشت تفاصيل لحظاتها الدقيقة لحظة بلحظة.
لقد أدركت في (14 فبراير 2011م) بأن من يدعون (المعارضة) قد حادوا عن طريق الوطن وأصبحوا في طريق الشيطان، وكان لا بد من وقفة تأمل تعيد للوطن قوته وعزته وكرامته، فعملت من خلال موقعي بوزارة الخارجية بصمت وهدوء ليل نهار مع مجموعة من رجالات ونساء البحرين من كافة الأطياف والانتماءات والأديان للدفاع عن الوطن، وخضنا العديد من المعارك الشرسة في العديد من عواصم العالم لتوضيح الصورة الحقيقية للبحرين، وتصحيح الأكاذيب التي حركتها خطط وأطماع خارجية معلومة الأهداف والنوايا في إطار خطة كبرى لإسقاط النظام، إلا أن مملكة البحرين استطاعت تجاوز ذلك الكابوس، وحققت الانتصار على قوى الشر، التي سعت لتأسيس (التحالف من أجل الجمهورية) بهدف إسقاط النظام الملكي الدستوري وتأسيس (الجمهورية) كنسخة طبق الأصل من نظام ولاية الفقيه وسط قلب الجزيرة العربية، وهو ما أعلنته صراحة أطراف من المعارضة في (7 مارس 2011م)؛ إلا أن التجارب أثبتت دائما فشل من يغرد خارج السرب الوطني وهو الواقع الذي هرب منه الحالمون خصوصا مع استسلامهم للإملاءات الخارجية الصادرة لهم من على بعد 150 ميلا بحريا شمالا!
من هذه النقطة يصبح (الإيمان العميق بالبحرين الوطن والأرض) هو المبدأ الأصيل للمواطن الصحيح، وليس مقبولا المساس به والسماح للأجنبي العبث بمقدراته واستقلاله وسيادته الوطنية، وأن طريق التعددية والإصلاحات لا يمكن أن يتحقق إلا تحت قبة البرلمان المنظم دستوريا بأدوات تشريعية فاعلة، واتخاذ القرار الوطني بالمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة (2018)، خاصة بعد أن أصبح لمجلس النواب اليد العليا على مجلس الشورى بفضل التعديلات الدستورية الناتجة عن مخرجات حوار التوافق الوطني الذي تم في (يوليو 2011م) وقاطعته المعارضة.
والآن.. وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على الأحداث المؤسفة، وبعد شهادة البروفيسور محمود شريف بسيوني في (9 مايو 2016م) بانتهاء الحكومة رسميا من تنفيذ جميع توصيات (لجنة تقصي الحقائق)، وبعد أن حددت الولايات المتحدة الأمريكية موقفها بوضوح وصراحة في الاجتماع الذي عقده وزير خارجيتها مع المعارضة في أبريل الماضي والذي استمر لمدة نصف ساعة. أليس على المعارضة أن تعي أن فرصة إنقاذها الوحيدة هي محطة (2018) والتي دونها سوف تخسر كل شيء؟ وإن كان الالتحاق بقطار الوطن رقم (98.4) في محطته القادمة (2018) الذي يسع جميع أطياف الشعب البحريني بحد ذاته تعبيرا صادقا للوطنية، فإن هذا القطار هو نفسه الذي مر بمحطات بارزة في طريق الإصلاح والتطور والعطاء، ولم يزل مستمرا في سباقه مع الزمن قاطعا المسافات بعزم وقوة وإيمان ليصل محطته النهائية.

(*) المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون.