آية الله أوباما.. حب في طهران

محمد الساعد

العلاقة بين طهران وأوباما، هي خلاف العلاقة التاريخية بين أمريكا وإيران، التي عانت من فترات غاية في الصعوبة والشك طوال أربعة عقود، بل إن واشنطن كانت دائما ما تعتبر إيران دولة مارقة خارجة على القانون الدولي، وراعية للإرهاب الذي طال أمريكا في كثير من بقاع العالم.
تلك العلاقة الملتبسة المتناقضة تلخص شخصية أوباما نفسها، التي تشكلها خلفيته الحقوقية والأكاديمية، ومقاومة العرق الأقل للعرق المحيط به، وهي تخضع للمثالية الغارقة في التنظير، التي تسبغ عادة أفكار الليبراليين الجدد.
بالطبع استطاع حراس الثورة في وزارة الخارجية الإيرانية فهم تلك المعادلة والتلاعب بها، مع تقديمهم دور الضحية، وتبنيهم لقيم الديمقراطية والحقوق، لكن ككل الثوريين، سيخفقون ويرتكبون نفس المجازر في حق من ساعدهم، وحقق لهم حلم العودة للعالم من نافذة النووي.
كل ليبراليي العالم كما أوباما، يعتقدون أن المنفذين يخفقون، لا العقيدة الليبرالية، وبالتالي يساندون العقيدة، ويتغاضون عن المنافقين الذين يستخدمونها كوسيلة للوصول للحكم، وهو ما تبنته واشنطن في مساندتها لما يسمى بدول الربيع العربي.
أوباما يؤمن بالدول الثورية، ويعتقد أنها أقرب إلى قلبه ووجدانه من الدول الراسخة القديمة، ويرى أن إيران نموذج لثورات متحققة يمكن تهذيبها والتعامل معها، وتحويلها لثورات ديمقراطية كما «في أضغاث أحلامه».
إنها نظرة رومانسية يقرأها «أوباما» من فوق سريره الأبيض في بيته الأسود، كرواية شرقية مليئة بروائح البخور، وطعم الفستق، وبازار فردوسي للسجاد، يظن أنه بالإمكان تحقيقها على ورق مجلس الأمن القومي الأمريكي، حتى ولو راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر الأبرياء.
في المقابل يحلم أوباما بتطبيق نظريته السياسية، التي جلبها معه من مدرجات جامعته 2008م، وهي تؤسس للتخلي عن العالم القديم، الموجود بين الدار البيضاء غربا والمنامة شرقا، واستبدالها بدول الطوق الآسيوي، من كوريا شمالا وحتى نيوزلندا جنوبا.
العلاقة المتشابكة والمتصارعة بين طهران وأفغانستان والعرب، قديمة جدا قدم التاريخ، لكن علاقة أخرى أكثر خطورة نشأت في تلك البراري القاحلة بين متنافرين آيديولوجيا، هما القاعدة ذات الأصول العربية السنية وطهران الشيعية، هي مفتاح رضا «العم سام» اليوم.
عودا على علاقة إيران بالقاعدة، استطاعت طهران منذ العام 2003م، وحتى اليوم السيطرة على فرع القاعدة الأفغاني «المتوحش» سيطرة كاملة، باستضافة أعضائه وأسرهم في منازل آمنة، وتوجيه خطرهم باتجاه السعودية، مع التذكير أن أعماله القتالية ضد الرياض بدأت بعد 2004.
«السياسي» الإيراني لم يقف عند ذلك بل حاول استرضاء الغرب بتمرير معلومات مخابراتية عن القاعدة والجماعات الإرهابية المرتبطة بها، بل وحتى التضحية بالقادة الذين فقدوا أهميتهم وتحويلهم كجوائز تستخدمها الإدارة الأمريكية وقت اللزوم، ولم لا.. فمكاتب «القاعدة» تدير عملياتها من ضواحي طهران الشرقية.
السعودية بالتأكيد كانت في مرمى الهدف الإيراني، ووجدت طهران في شخصية «الملا أوباما»، الملاذ الآمن لتحقيق مصالحها، ومكنها من ذلك نضج اللوبي الإيراني وتغوله في الإعلام الأمريكي ووزارة الخارجية على وجه الخصوص.
في العاصمة واشنطن استثمرت طهران عشرات الآلاف من أبناء الجالية الإيرانية الغنية والمتنفذة، خاصة الجيلين الثاني والثالث منها، واستطاعت إقناعهم بخدمة الأمة الإيرانية وترك خلافهم السياسي مع طهران جانبا، فكونت جيلا تخلص من عقدة الآباء المطاردين من ذئاب الباسيج.
الجالية حولت جهودها باتجاه إيران الوطن، وتحقيق مصالحه العظمى، هي معادلة استوعبها الشباب الإيراني، وأخفق فيها شباب العرب، فتحولت الدوائر الأمريكية، إلى محركات كبرى تخدم السياسة الإيرانية وتسعى لتدمير أعدائها.