كبير مفتيي دبي: اتبعت الأمة شذاذ الآفاق.. فتفرقت

أكد في حوار مع «عكاظ» أن متهمي المملكة بالإرهاب أعماهم الحقد عن الإنصاف

كبير مفتيي دبي: اتبعت الأمة شذاذ الآفاق.. فتفرقت

عبدالله الداني (جدة)

أكد كبير المفتين مدير إدارة الإفتاء عضو هيئة كبار العلماء بدائرة الشؤون الإسلامية في إمارة دبي الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحداد أن إلصاق التهم بالمملكة بدعمها الإرهاب دعاوى لا تأتي إلا من حاقد حاسد جاهل بالحقائق أعماه حقده عن الإنصاف والعدل في محاربة الفكر الخارجي. وعزا اتهام المملكة، في حوار مع «عكاظ»، إلى كراهية المنتقدين لمنهج السعودية الريادي في كل مجال، «فهم يتعامون عن هذه الحقائق ظنا منهم أنهم قادرون على تغطيتها، بيد أن الافتراءات لا تضيرها». وقال إن أبرز التحديات التي تواجه الأمة تحدي مفهوم الإسلام، مشيراً إلى أن المفهوم أصابه الغبش بفعل الجهال والدخلاء، «فقد علق به الإرهاب والتزمت والإقصاء وكل ذلك ينافي صفاءه ونقاءه»، وأن الدين الإسلامي دين السلام. وعزا تشتت المسلمين إلى اتباعهم شذاذ الآفاق والجهلة على حساب العلماء الربانيين، فإلى نص الحوار:

• سماحة الشيخ، سنبدأ بالتحديات التي تواجهها الأمة الآن في كافة الأصعدة، بالنسبة للشيخ الحداد ما أبرز هذه التحديات؟
•• التحديات التي تمر بها الأمة الإسلامية كثيرة وأبرزها تحدي مفهوم الإسلام الذي أصابه الغبش بفعل الجهال والدخلاء، فقد علق به الإرهاب والتزمت والإقصاء وكل ذلك ينافي صفاءه ونقاءه، فالإسلام الحنيف الذي هو ملة إبراهيم ويعقوب ويوسف وإسماعيل وموسى وعيسى وسائر النبيين وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو دين السلام والاستسلام لله رب العالمين الذي أمر عباده أن يدخلوا فيه كافة، ولا يدخلون فيه إلا بمثل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الرحمة والرأفة بخلق الله تعالى وبالمحبة لعباد الله تعالى وبالكلمة الحسنة والقول اللين والعطف على الخلق كما كان ذلك مع الأمم المتكاثرة في شرق آسيا والهند وغيرها. ولما اشتد عود الإسلام وانتشر في الأرض بحيث لم يبق بلد إلا ودخله وكثر تابعوه والداخلون فيه صُنع له من الخلايا التي تقمصته لتسيء التصرف باسمه حتى ينفر الناس منه ويتهم أهله بما ليسوا فيه، حتى يساء إليهم ويؤذون في دينهم والله المستعان، والواجب أن يعاد بيان مفهومه للناس من أن حقيقة المسلم المستسلم لله رب العالمين أن يسلم الناس من لسانه ويده وأن يحب لغيره ما يحبه لنفسه وأنه دين تراحم وتعارف وتعاون وإيثار ووفاء، وأن من لم يتمثل هذه المعاني فإنه لا يمثل الإسلام، بل لا يمثل إلا سلوكا شيطانيا مريدا، وأن على المسلمين أن يحذروا تغريره فإنه يمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم.
• لماذا أصبح حال المسلمين هكذا، يوجد شتات وتفرق ومصائب ابتليت الأمة بها؟
•• السبب واضح وهو أن الأمة تركت علماءها المعتبرين الربانيين الذين يهدون إلى الحق وإلى طريق مستقيم واتبعوا شذاذ الآفاق والجهلة غير المتخصصين، وذلك بسبب جهل الناس فسمعوا مسمى الدين فاتبعوهم.
• ما أسباب حوادث التفجير والأعمال الإرهابية، ومن يبوء بوزرها، ومن هو الوقود الحقيقي وضحاياها الحقيقيون؟
•• أسبابها انحراف الفكر لدى هؤلاء، إذ عبئوا تعبئة خاطئة بشأن المخالفين في العقائد بأنهم أعداء الإسلام (...)، حتى أوغروا صدورهم فسهل عليهم أن يسترخصوا أرواحهم ويستحلوا دماء الآخرين، وهذا الأمر يعتبر حالقة للدين فإن من استحل دم أخيه المسلم الناطق بالشهادتين فقد أوبق نفسه، فإن المسلم لا يزال في فسحة من دينه. ما لم يصب دما حراما.
• ولكن على العلماء مسؤولية كبيرة؟
•• حقيقة، العلماء لم يقصروا في بيان ما يجب على الأمة من اتباع الحق والابتعاد عن أصحاب الفكر المنحرف، فما زالوا يحذرون في محاضراتهم وكتاباتهم وبرامجهم وكل مناسبة تتاح لهم، إلا أن تأثير المفسدين أسرع، وكما قالوا: ولو ألف بان خلفه هادم واحد كفى، فكيف ببان خلفه ألف هادم.

قضايا الشباب
• توجد فجوة بين العلماء والشباب، وصراحة هناك من يحمل العلماء المسؤولية الكاملة، فيقول إن الفجوة أحدثت جميع ما يقع الآن، ما تعليقكم؟
•• العلماء لا يحملون وزر هؤلاء فإنهم قد أدوا واجبهم ونصحوا لله ورسوله والمؤمنين، (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وهؤلاء لم يعودوا يسمعون النصح ولا يهتدون السبيل، وذلك من إضلال الله لهم (ومن يضلل الله فلا هادي له) فلا يجوز أن يتحمل العلماء الربانيون الصادقون جناية غيرهم، فإن هذا من الظلم لهم، وقد قال الله تعالى (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرمي به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا).

الفضائيات الهابطة
• يرى البعض في الفضائيات التي تعرض برامج يعتبرونها «منحرفة أحيانا وتدعو للتفسخ والخروج عن القيم»، حجة في طيش شباب وخروجهم عن الجادة ولجوء آخرين إلى اعتناق الفكر التكفيري بحجة الغيرة على دين الله، كيف تنظر لهذا الرأي؟
•• الفضائيات الهابطة عامل من عوامل هدم الأخلاق، ولكنها لا تغذي العدوانية وليس ذلك من أهدافها، والواجب أن تكون عامل بناء للقيم الإسلامية والتربية الإيجابية حتى تكوّن المواطن الصالح لدينه ودنياه، والجهات الراعية للإعلام مسؤولة عن هذا التسيب الإعلامي.

إلصاق التهم
• توجد محاولات لإلصاق تهم بالمملكة، فتارة بدعم الإرهاب وأخرى بالتقاعس عن نصرة المسلمين، كيف ترد على هذه المزاعم؟
•• هذه الدعاوى لا تأتي إلا من حاقد حاسد جاهل بالحقائق أعماه حقده عن الشهادة للسعودية بالإنصاف والعدل في محاربة الفكر الخارجي الذي يتمثله تنظيم داعش والقاعدة وإخوانهم من خوارج العصر، وسبب ذلك كرههم لمنهج السعودية الريادي في كل مجال، فهم يتعامون عن هذه الحقائق ظنا منهم أنهم قادرون على تغطيتها، وهيهات فما هم إلا كما قال الشاعر:
لا يضر البحر أمسى زاخرا أن رمى فيه غلام بحجر
المملكة لا تضيرها مثل هذه الافتراءات إذا كانت الحقائق ناصعة بيانا من أنها من أول الدول التي اكتوت بنار الإرهاب، ومازالت تتعرض لهجماتهم، فهل يجهل من كان له مِسكة من عقل أن تهادنهم فضلا عن أن تدعمهم حتى يحاربوها ويزدادوا عتوا ونفورا؟!
إن الشاهد الحق أنها والإمارات العربية المتحدة من تدتصديان لمحاربة الدواعش والقواعد (يعني تنظيم القاعدة الإرهابي) في كل مجال، ويكفي السعودية شهادة الأمم المتحدة أنها تحاربهما بكل قوة ودون هوادة، فلا يضر بعد ذلك مثل هذه الترهات، فهي نفثات مصدور، لا تحقق لهم غرضا، وسيظلون ينفثون ويحرقون أنفسهم بغيظهم، وهي شهادة للسعودية بكمالها، كما يقول المتنبي:
(وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل)
هذه سنة كونية مع من ينجح أنه يجد من يعاديه، فهؤلاء كمل الرجال من الأنبياء ومن بعدهم المصلحون والناجحون وجدوا من يقول فيهم ما لا يقبله عقل، فذهب الغائظون وبقي الناجحون والمصلحون، ونصيحتنا لهؤلاء أن يرفقوا بأنفسهم فإنهم معرَّون أمام الحقائق التي لا يجهلها العقلاء كما قال الشاعر:
يا ناطح الجبل العالي بهامته أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
ونصيحتنا للمملكة والإمارات وكل الدول الحية أن تواصل محاربة الإرهاب وأفكاره حتى يعود الأمن والاطمئنان للناس ومعهم معية الله التي تؤيد المنتصرين للحق والدين القويم (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون).