الأهلي يُخرج العصافير من أقفاصها!

علي مكي

سألتني صديقة: ما الذي يضيفه فوز الأهلي ونجاحه إلى «علي مكي»؟ قلت لها: مثلما الحياة تمحو الموت!
أحب الأهلي نعم، لأن الأهلي هو نعمة المتعة المضافة إلى كرة القدم، وأجمل ما قرأته في «تويتر» بعد كأس السوبر هو ما قاله الشاعر والروائي والمثقف البديع «عبدالله ثابت» إن «الأهلي هو درس العام.. إذا عدتَ فلتعد على طريقته». أبو بثينة صادق في وصيته لأن الأهلي هو الدرس حقيقة لكل المنكسرين والمتعثرين ليس في كرة القدم وحدها بل في كل الحياة. ولنأخذ تجربة الأمير خالد بن عبدالله من خلال الأهلي. هذا الرجل تحمل لوحده كل أخطاء السنوات السابقة وكل الانتكاسات الماضية لفرقة الرعب، كان رجلا يمتلئ حكمة وصبرا لأنه يؤمن أن النجاح لا يمكن أن يتحقق بين يوم وليلة. النجاح طويل المدى، ولهذا كان «أبو فيصل» هو سر الأهلي، رجل عانى كثيرا في رسم خطة الأهلي وعودته الكبيرة حتى ابتسمت له الأقدار وكتبت أن يعود الأهلي إلى الفن، المتعة، ودهشة الرعب القديم الذي يلقي الفزع والهلع في قلوب المنافسين وفي نفس الوقت يحصد الكؤوس والبطولات والمجد. كل ذلك معا!
كنت كتبت ليلة الثلاثاء الماضي أن الأهلي يذهب بعيدا يتوسد الجبال، ينشر الخضرة في الأرض، ويطوي البحار تحت جناحيه ثم يرتقي الفضاءات الأعلى، أقصد منصات الذهب والبطولة.
هذه العودة المهمة والمتصاعدة للنادي الأهلي طيّرت العصافير، أي منحتها حرية الطيران التحليق وأخرجتها من الأقفاص بعد أن أعاد الراقي ترتيب البيت الرياضي الكروي المحلي بإصلاح السلالم المكسورة في سلم قيمه أولا ثم بتنسيق البيت وتهذيبه وتلميعه جيدا بعد نفضه للغبار الذي تراكم في السنوات الأخيرة بفعل الدخلاء!
من غير الأهلي يستحق أن يكون نجم العام وبطل الأبطال، ومن يستحق غير الأهلي الجلوس على عرش الملوك؟.. إنه الأهلي ملك الكرة الجميلة في بلادي وملك الأناقة والحضارة والثقافة في الوسط الرياضي العليل!، وليس غريبا ولا عجيبا أن يكون الأهلي كذلك لأن من يقوده، قبل أن يكون ابن ملك، هو رجل (جنتلمان) تجمعت فيه، ما شاء الله تبارك الله، كل القيم النبيلة من حكمة وخير وجمال وفروسية وأدب وأخلاق.
اليوم لا أكتب عن الأهلي وحسب بل أكتب عن (كواكبه الأحد عشر وبدلائهم أيضا) أضاءت الدنيا كلها، أرضها وسماءها وبحرها وجهاتها، وما يزال نور الأهلي يغمر الزمان والمكان والناس والأشياء ويضيء هذه الأوراق والسطور والكلمات والحروف التي تتشكل الآن من منجم شارع التحلية. نعم، ما أجمل الكتابة عن (الأهلي) وجياده الأصيلة التي سرعان ما تجاوزت كل كبوات السنوات الماضية، لتنهض من جديد، بكبرياء الثقة العالية، وتواصل أمتع الركض (الفتيِّ) وأبسله، فالسرب الأخضر يتمكن في نهاية الأمر وفي كل مرّة من صبّ العسل في أوردة الشبكة طازجا وشهيا. ليست البطولة جديدة ولا غريبة على (الأهلي)؛ فالأهلي والبطولة عاشقان قديمان حميمان، كما أنني لا أحتفي اليوم (بالأهلي) من هذا الجانب؛ إنما لأن الجمال البهي تعافى وعاد إلى الساحة بخضرته الصافية البهيّة وفنّه الذي ينتزعنا من كل شيء ويجرّنا من أهدابنا بطواعية، إلى الميدان كي نوقن أن (الأخضر) دائما هو سيّد الألوان واللائق بالتربع على عرشها، فهو أكثرها فتنة وسحرا وجاذبية، ولتنظروا إلى الطبيعة وخضرتها الهائلة، والتي تمتد من الأشجار إلى الأرض والنباتات والحقول والبساتين والملاعب وكل الخيرات خضراء، وحده (الأهلي) يفعلها. أهلي الأرض، أهلي الوطن، اختزالٌ مذهلٌ للفن والفنانين ومصدر إلهام للشعراء والناثرين. الأهلي منجمٌ للجمال ومنبع للجماليات. لذا كان انتصاره الأخير انتصارا للجمال العظيم أولا. أيضا كان انتصارا للكرة الراقية المتحضرة والفكر الرياضي المتقدم والقلب الصافي الخالي من التشويش و(البلبال).
يا لهذه اللغة الخضراء. إنها لغة عالية مثل الأهلي وعالية بعلو كعبه ورقي لغة الحوار التي تجري بينه وبين المستطيل الأخضر، فيتحد الأخضران وتكتب فرقة الرعب، في كل مرة، صياغة جديدة وأمينة لمفاهيم المجد والبطولة والأبطال.. هذا الأهلي السعودي الرفيع، عاد لعشاقه بمزاجه هو وقدم لهم، ولكل محبي الفن، أقماره الجديدة المكتملة ناضجة الضوء وباهية المحيّا. ليس الأهلي السعودي سوى قمر سيحيا، من الآن فصاعدا إن شاء الله، ديمومة الاكتمال.