... في ميزان العلاقات البحرينية الأمريكية!

السفير حمد أحمد عبدالعزيز العامر

نشرت صحيفة الوسط البحرينية بتاريخ (29 يونيو 2016م) تغريدة لمندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن على حسابها في (تويتر) من باب حرية الرأي والتعبير الذي كان الهدف منه أبعد من ذلك بكثير ويتضمَّن رسائل واضحة يمكن قراءتها من بين السطور.
وما يثير الاستغراب حقاً هو سماح الدبلوماسية المحنكة والخبيرة في الشؤون الدولية لنفسها بأن تغرد بتلك التغريدة التي تؤكد مدى التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية البحرينية منذ الأحداث المؤسفة في (فبراير 2011م)، وهو أمر لا يتفق بتاتاً وعلاقات الصداقة التاريخية بين البلدين ومع مبادئ النظام الأساسي لمنظمة الأمم المتحدة الذي يحرِّم كافة أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والتي تعدّ أمريكا أهم الدول الموقعة عليه وهي الراعية والضامنة له.
فالتصريحات الأمريكية المتكررة على لسان مندوبها الدائم في الأمم المتحدة ودفاعها المستميت وقلقها على محاكمة أحد المواطنين بقضايا تتعلَّق باستغلاله لمكانته الدينية في جمع أموال دون ترخيص، تبيّن حجم التدخل الأمريكي في الشأن البحريني، رغم أنها -أمريكا- على دراية باستغلال المذكور لأمواله في تمويل أعمال العنف والإرهاب، خصوصاً بعد فتواه المشهورة (اسحقوهم)، كما تدرك أن جزءًا كبيراً من تلك الأموال تم تحويله لمنظمات تموّل عمليات إرهابية في العراق وسوريا ولبنان تحت غطاء ديني، وهو أمر لا يتفق والحملة الأمريكية لمحاربة الإرهاب والقضاء على (داعش) بالتعاون مع حلفائها في المنطقة ومنهم مملكة البحرين، كما أنها وبريطانيا على علم بأن الكثير من (أموال الخُمس) يتم تحويله إلى حسابات المعارضة في لندن التي تحتضن مجموعات إرهابية يتم منحهم حق اللجوء السياسي بسرعة كبيرة مثيرة للاستغراب، كما هو مستغرب أمر تمويلهم لمصاريف بقائهم وإقامتهم في أغلى مدن العالم، وتمويل أنشطتهم وأجهزتهم الإعلامية!.
إن الدعم الأمريكي السياسي والمالي والإعلامي واللوجستي اللا محدود لتحقيق التغيير المطلوب في منطقة الشرق الأوسط، الذي يشمل البحرين كنقطة انطلاقة إلى بقية دول مجلس التعاون، يمكن تفسيره في الإطار الآتي:
أولاً: حسمت أمريكا أمرها بعد أحداث (سبتمبر 2001م) وإعداد خطة لتشكيل (الشرق الأوسط الجديد) عبر تغيير الأنظمة القائمة إلى أنظمة تعددية تحت شعارات حماية حقوق الإنسان والإصلاح السياسي والاقتصادي.
ثانياً: رأت أمريكا ضرورة إعادة النظر في تحالفاتها القديمة، ووجدت في إيران ركيزة الأمن الأساسية في المنطقة، رغم تجربتها القاسية مع الثورة الإيرانية ونظامها الذي يعتبر أكثر الأنظمة المستبدة في العالم، وهو الذي يقف وراء العديد من أعمال العنف والإرهاب التي تعرَّضت إليها المصالح الأمريكية.
ثالثاً: (المصالح الذاتية) هي بوصلة أمريكا في علاقاتها وتحركاتها وتحالفاتها، ولا يوجد في قاموسها أدنى التفات لمصالح غيرها من الدول؛ لذلك ليس من المفاجئ تخليها بسهولة شديدة عن أصدقائها عند تعرضهم لظروف ومتغيرات خطيرة لا تمسّ مصالحها الاستراتيجية. لذلك تمر العلاقات الخليجية الأمريكية بحالة من التوتر في الفترة الماضية لأسباب عدة؛ منها التوقيع على الاتفاق النووي في (يوليو 2015م)، والذي دعا الرئيس الأمريكي دول مجلس التعاون وباستخدام دبلوماسية الضغط إلى مباركته بذريعة ضرورته للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة.
إلا أن واقع الأحداث ينطق بغير ذلك، فبعد التوقيع على الاتفاق الكارثي، تفاقمت حدة أعمال العنف بالوكالة والتهديدات والتصريحات الإيرانية المستفزة وغير المسبوقة ضد دول مجلس التعاون وقياداتها على كافة المستويات؛ بهدف تثبيت دورها الإقليمي والاعتراف به كأمر واقع بموجب ذلك الاتفاق.
وتبقى التساؤلات الأهم؛ كيف ستتعامل دول المنطقة مع السياسة الأمريكية الجديدة؟ وكيف ستتخلَّص من الارتباط الأمريكي المتمكّن منها في هذه المرحلة الحساسة؟
أستطيع إيجاز الإجابة في أمرين إن تحققا فإن الأمور ستتغير لا محالة لصالح دول المجلس وشعوبها، وهما:
1ــ مزيد من الإصلاحات واستكمال خطوات التغيير الهادفة.
2ــ إيجاد صيغة توافقية بين دول مجلس التعاون المستعدة لإقامة (الاتحاد الخليجي) خصوصاً بعد إقرار (رؤية الملك سلمان بن عبدالعزيز) في قمة الرياض في (ديسمبر 2015م).
وخلاصة القول، إن البقاء في حالة التشرذم الحالية، وبُعد دول مجلس التعاون عمَّا يجري من تطورات، وعدم اكتراثها بالأحداث الجسام المؤثرة على واقعها ومستقبلها، سوف يصل بالمنطقة العربية في نهاية الأمر إلى أسوأ مما يمكن تصوره.