تل أبيــب
الأربعاء / 20 / ذو الحجة / 1437 هـ الأربعاء 21 سبتمبر 2016 21:12
طارق على فدعق
خلال هذا الأسبوع تم نشر صورة لخريطة فلسطين الشقيقة في عام 1947 قبل استيلاء الكيان الصهيوني على أراضيها. وأثار وجود موقع مدينة «تل أبيب» على تلك الخريطة استغراب وسخط الكثيرين فكيف وجدت قبل احتلال فلسطين. وأعتقد أن الموضوع يحتاج إلى الإيضاح: لو بحثت في تاريخ تلك المدينة الصهيونية ستجد أنها تأسست عام 1909 كقرية صغيرة على أيدي مجموعة من اليهود المهاجرين. وبدأت كمستوطنة لليهود فقط، ولكنها مرتبطة جغرافيا بمدينة «يافا» التاريخية على الساحل الفلسطيني. ونمت لعدة أسباب ومنها الاستفادة من خيرات يافا، وكونها بديلا عن المستوطنات الصهيونية الزراعية المعروفة باسم «الكيوبيتز» و«الموشاف» وكلاهما كانا، ولا يزالان، يلتزمان بأساليب الحياة الشيوعية العجيبة. ونشأة تل أبيب تبرهن على روائع الحضارة الفلسطينية المتسامحة لتأسيس تلك القرية الصغيرة التي أنشئت باسم «الت نيو لاند» Altneuland ومعناها «الأرض القديمة الجديدة» باللغة الألمانية. والتعليل لهذا هو أن هذا الوصف كان عنوان قصة كتبها «تيودور هرتزل» أحد مؤسسي الحركة الصهيونية العالمية عام 1902. ولم يتخيل أحد في تلك الأيام مدى الأطماع التي ستتبلور خلال 40 سنة قادمة من قبل الصهاينة لتغتصب الأرض. وتم تغير اسمها إلى تل أبيب عام 1910 ومعناها «تل الربيع» باللغة العبرية. وكانت القرية الصغيرة ملاصقة لميناء يافا العربية، ولكنها لم تستقطب السكان العرب.
ومن الناحية العمرانية كانت هناك مجموعة تطورات جديرة بالذكر ومنها أن أثناء فترة الانتداب البريطاني تم طلب مجموعة من اليهود أن يتم وضع أول مخطط لتل أبيب.. وبهذا خرجت من كونها مجرد قرية لتصبح ضاحية.. ثم لتصبح مدينة صغيرة. ولكنها كانت شاذة في كونها معزولة عن الطابع العمراني الفلسطيني. ويتنافى هذا مع التوجه العالمي لتكن المدن جزءا من النسيج الحضاري التي تنشأ فيه. وفي عام 1925 تم طلب إعداد المخطط العمراني الأول من المفكر العمراني الشهير «باتريك جيديز».. ولنتوقف لحظة لذكر أن هذا الأسكتلندي كان من نجوم العمران في تلك الفترة.. يعني مثل «رونالدو» في عالم كرة القدم اليوم.. وتم وضع مخطط «المدن الحدائق» وهو النموذج الإنجليزي الذي يجعل المدن محاطة بفراغات خضراء تكون المتنفس للكثافات العمرانية العالية. طبعا لم ينفذ هذا المخطط بتفاصيله لعدة أسباب ومن أهمها أن معدلات الهجرة المهولة بسبب هجرة يهود أوربا والاتحاد السوفيتي إلى الأراضي الفلسطينية. وبعد وضع المخطط العمراني من العالم المرموق، قام مسؤولو المدينة بخطوة جريئة وهي دعوة مجموعة من المعماريين الألمان المرموقين لتصميم مجموعات من المجاورات السكنية. وتحديدا كانت هناك مدرسة فكرية معمارية شهيرة جدا اسمها «الباو هاوس» وكانت تتميز ببساطة التصاميم وعدم التكلف في استخدام مواد البناء. وضعت هذه المدرسة بصمة معمارية مهمة جدا على تل أبيب في منتصف الثلاثينات الميلادية. وبنيت آلاف الوحدات على هذا الطراز المعماري.
واليوم يقدر عدد سكان تل أبيب بنحو 450 ألف نسمة، وتعتبر العاصمة التجارية للكيان الصهيوني، وهي ثاني أكبر مدينة في فلسطين المحتلة، ولكنها الأولى في النشاط الاقتصادي، وهي أيضا أغلى مدينة في الشرق الأوسط بأكمله.
أمنيــــة
المدن هي إحدى أهم مفاتيح معرفة ماهية الحضارات. وتمثل تركيبة تل أبيب التاريخية والعمرانية إحدى أهم ركائز فهم الفكر الصهيوني الاستيطاني بدءا من اسمها، واختيار موقعها، ووظائفها، وتركيبتها العمرانية والسكانية. وبالرغم من الاستثمارات العمرانية الهائلة فيها عبر القرن الماضي، فهي من المدن الفاشلة، وذلك لأن العمران لا بد أن يبنى على أسس إنسانية سليمة لأن وظيفته الأولى هي خدمة الإنسان قبل المكان، فأفضل المخططات وأجمل المساكن تفشل عندما يتم عزل فئات من البشر، وعندما يتفشى الظلم بأبعاد مختلفة كما هو الحال في تل أبيب وأمثالها من المدن المحتلة. أتمنى أن ندرك هذا، والله المستعان وهو من وراء القصد.
ومن الناحية العمرانية كانت هناك مجموعة تطورات جديرة بالذكر ومنها أن أثناء فترة الانتداب البريطاني تم طلب مجموعة من اليهود أن يتم وضع أول مخطط لتل أبيب.. وبهذا خرجت من كونها مجرد قرية لتصبح ضاحية.. ثم لتصبح مدينة صغيرة. ولكنها كانت شاذة في كونها معزولة عن الطابع العمراني الفلسطيني. ويتنافى هذا مع التوجه العالمي لتكن المدن جزءا من النسيج الحضاري التي تنشأ فيه. وفي عام 1925 تم طلب إعداد المخطط العمراني الأول من المفكر العمراني الشهير «باتريك جيديز».. ولنتوقف لحظة لذكر أن هذا الأسكتلندي كان من نجوم العمران في تلك الفترة.. يعني مثل «رونالدو» في عالم كرة القدم اليوم.. وتم وضع مخطط «المدن الحدائق» وهو النموذج الإنجليزي الذي يجعل المدن محاطة بفراغات خضراء تكون المتنفس للكثافات العمرانية العالية. طبعا لم ينفذ هذا المخطط بتفاصيله لعدة أسباب ومن أهمها أن معدلات الهجرة المهولة بسبب هجرة يهود أوربا والاتحاد السوفيتي إلى الأراضي الفلسطينية. وبعد وضع المخطط العمراني من العالم المرموق، قام مسؤولو المدينة بخطوة جريئة وهي دعوة مجموعة من المعماريين الألمان المرموقين لتصميم مجموعات من المجاورات السكنية. وتحديدا كانت هناك مدرسة فكرية معمارية شهيرة جدا اسمها «الباو هاوس» وكانت تتميز ببساطة التصاميم وعدم التكلف في استخدام مواد البناء. وضعت هذه المدرسة بصمة معمارية مهمة جدا على تل أبيب في منتصف الثلاثينات الميلادية. وبنيت آلاف الوحدات على هذا الطراز المعماري.
واليوم يقدر عدد سكان تل أبيب بنحو 450 ألف نسمة، وتعتبر العاصمة التجارية للكيان الصهيوني، وهي ثاني أكبر مدينة في فلسطين المحتلة، ولكنها الأولى في النشاط الاقتصادي، وهي أيضا أغلى مدينة في الشرق الأوسط بأكمله.
أمنيــــة
المدن هي إحدى أهم مفاتيح معرفة ماهية الحضارات. وتمثل تركيبة تل أبيب التاريخية والعمرانية إحدى أهم ركائز فهم الفكر الصهيوني الاستيطاني بدءا من اسمها، واختيار موقعها، ووظائفها، وتركيبتها العمرانية والسكانية. وبالرغم من الاستثمارات العمرانية الهائلة فيها عبر القرن الماضي، فهي من المدن الفاشلة، وذلك لأن العمران لا بد أن يبنى على أسس إنسانية سليمة لأن وظيفته الأولى هي خدمة الإنسان قبل المكان، فأفضل المخططات وأجمل المساكن تفشل عندما يتم عزل فئات من البشر، وعندما يتفشى الظلم بأبعاد مختلفة كما هو الحال في تل أبيب وأمثالها من المدن المحتلة. أتمنى أن ندرك هذا، والله المستعان وهو من وراء القصد.