التقشف.. والأولويات!؟
الاثنين / 02 / محرم / 1438 هـ الاثنين 03 أكتوبر 2016 21:25
صدرت الأسبوع الماضي عن مجلس الوزراء قرارات، بموجب أوامر ملكية، لإعادة هيكلة نظام الأجور، في الجهاز الحكومي، سرعان ما ستنتقل عدواها لقطاع الأعمال، الذي تتيح له قوانين العمل الجديدة اتخاذ إجراءات أكثر قساوةً، بُدئ بها فعلياً.
مبدئياً: من الصعب الجدل ضد إجراءات الإصلاح الاقتصادي، في أي مجتمع.. كما أنه لا يمكن إنكار حقيقة: أن الأجور، في القطاع الحكومي، لا يمكن إخضاعها لمعيار الإنتاجية (المادية)؛ نظراً لطبيعة العمل في القطاع الحكومي، الذي تحكمه اعتبارات سياسية واجتماعية، وليس اقتصادية، بالضرورة. في جميع المجتمعات، وليس فقط عندنا، العمل الحكومي قطاع خدمي، في الأساس، تحكمه وظيفة الدولة الاجتماعية، وليست قوى السوق، كما هو حال قطاع الأعمال الإنتاجي بحكم وظيفته، الذي يشكل متغير الربح الحافز الأول لحركته.
لذا: لا يمكن تقييم العمل الحكومي، بمعيار تكلفته المادية فقط، دعك من انتظار عائد ربحي (مادي) مباشر من وراء حركته، كما هو الحال في قطاع الأعمال الإنتاجي. ميزانيات الحكومات تختلف تماماً، في حساب مواردها وترتيب بنودها وأوجه صرفها وعائد إنجازها، عن تلك التي تحكم نشاطات الشركات الخاصة. إنجاز القطاعات الحكومية لا يُقّيم بالأرقام الجافة، بقدر ما يُقّيم بمقاييس النمو المعيارية. على سبيل المثال: يُقّيم الجهاز الخدمي في الدولة، بعدد المتخرجين في مراحل التعليم المختلفة، ومستوى تحصيلهم.. وبعدد من تلقى الخدمة الصحية، وبمستوى توفرها وجودتها.. وبأطوال ومواصفات الشوارع والطرق السريعة، التي شقت.. وبعدد السدود وسعتها، التي أقيمت.. وباتساع الرقعة الزراعية، التي أضيفت.. وبعدد الوحدات السكنية، التي شُغلت... إلخ. كل ذلك يقابل بموارد الدولة، فيحدث العجز أو الفائض في الميزانية. أما في قطاع الأعمال، فالمساهمون ينظرون فقط لعائد استثماراتهم، في مقابل مادي (نقدي)، يتحكم في مستقبل قرارات وخيارات نشاطهم الاستثماري، بأولويات الظروف الزمانية والمكانية.
كما أن العمل، في القطاع الحكومي بصورة عامة، مهما بلغ الزعم، في ضآلة الحاجة إليه والجدل بتضخمه، إلا أنه لا يكفي، في كثير من الأحيان سد الحاجات الضرورية، لعدد كبير من الأسر، دعك من الزعم بإمكانية التوفير منه، لمواجهة حالات طارئة، مثل حالات المرض والوفاة والعجز، مهما بلغت عائدات التأمين ضد ذلك.. ومهما توفرت القوانين اللازمة لمواجهة تلك الحالات الطارئة.. ومهما بلغ شأن نظام الرعاية الاجتماعية المعمول به.. ولا مواجهة ظروف متوقعة بعيدة المدى، مثل: مواصلة تعليم الأبناء وزواجهم والحلم بامتلاك مسكن، أو حتى تغطية تكلفة الحياة حين التقاعد، التي لا تكفي لتغطيتها معاشات التقاعد المتناقصة، بتآكلها مع الوقت بسبب التضخم، إذ ينخفض معاش التقاعد بصورة حادة، فور إحالة الموظف العام للتقاعد، عن تلك التي كان يتلقاها، عندما كان على رأس عمله.
إذن: فكرة الإنتاجية، بتقييمها وفق معايير مادية بحتة، لا تستقيم ومصلحة الموظف الحكومي، تقديراً منصفاً، لقيمة ما يقوم به من عمل.. ثم إذا كانت فكرة البدلات والعلاوات والترقيات والحوافز، هي أساساً تُعَد إقرارا بتدني دخول وأجور الموظف العام، في مقابل ما يقوم به من عمل، مقارنة بتكلفة المعيشة المتزايدة بفعل التضخم، فإن الاقتراب منها معناه زيادة تكلفة المعيشة الحقيقية للموظف العام، الذي يشكل الجانب الأكبر من القوة العاملة في المجتمع، مما ينعكس سلباً على الطلب الكلي على السلع والخدمات، وبالتالي: على الناتج الكلي العام، ومن ثَمّ على مؤشر مستوى المعيشة في المجتمع، ككل. هذا، ينعكس، بدوره سلبياً، على أداء الموظف العام، مما يخفض من معدلات النمو الحقيقية، بصورة كبيرة.
ثم إن الإقدام على تخفيض رواتب الوزراء ومن في حكمهم، لم يقترب من دخول الموظفين، باعتبار أن تلك التخفيضات طالت العلاوات والامتيازات والبدلات فقط، لم تقترب من المرتب الأساسي للموظف العام، مقارنة بما جرى تطبيقه وطال رواتب الوزراء ومن في حكمهم. بالتأكيد لن يتأثر الوزراء ومن في حكمهم بالتخفيض على رواتبهم، إطلاقاً. الوزراء ومن في حكمهم، لا يعانون من مشكلة سكن.. ولا يتأثرون بمستويات التضخم المتصاعدة.. ولا تشغلهم مشكلات تعليم وزواج أبنائهم.. ولا يعانون من مشكلات في المواصلات والاتصالات.. ثم أكيد لا يعانون من أية ضائقة مالية، وليست عليهم قروض بنكية، تستقطع ما يقرب من ثلث دخولهم، كما هو حال الكثير من موظفي الدولة، وحتى من العاملين في قطاع الأعمال الخاص، من صغار ومتوسطي العاملين.
لذلك فإن الأولى الاتجاه نحو زيادة كفاءة القطاع الحكومي، بتقليص مستوى الهدر في أدائه، من خلال التركيز على الانضباط في العمل.. والاتجاه إلى التدريب والتوجيه الفاعل.. والاستفادة القصوى من الإمكانات الحقيقية والمحتملة للموظف الحكومي، في بيئة تنافسية إيجابية.. وتطبيق نظم إدارية متقدمة لزيادة كفاءة وفاعلية القطاع الحكومي.. مع التركيز على متغير رضاء الموظف العام عن عمله، وربطه واقعياً ووجدانياً بمهمات عمله ومسئولياته.
إن الإصلاح الاقتصادي أمرٌ لا غنى عنه ومطلوب، بل هو ضروري، وإن يحمل في كثير من الأحوال، إجراءات قاسية، بشرط أن تطال الجميع. بالتالي: إذا كان الأمر يقتضي مواجهة ظروف اقتصادية صعبة.. أو إحداث نقلة نوعية في التعاطي مع المشكلة الاقتصادية في المجتمع وضمان معدلات نمو حقيقية، تعكس تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة، فطريق الاقتراب من بند الأجور، لا يفي بالغرض، إن لم قد تكن له تداعيات، تنال بدايةً من كفاءة وفاعلية الجهاز الحكومي، وتدني مستوى منتجاته الخدمية. هناك مجالات كثيرة للهدر، تتمثل في تضخم الاقتصاد الموازي في المجتمع، كان الأجدر البدء بها، من أجل تفعيل إصلاح اقتصادي كفؤ وفعال.
مبدئياً: من الصعب الجدل ضد إجراءات الإصلاح الاقتصادي، في أي مجتمع.. كما أنه لا يمكن إنكار حقيقة: أن الأجور، في القطاع الحكومي، لا يمكن إخضاعها لمعيار الإنتاجية (المادية)؛ نظراً لطبيعة العمل في القطاع الحكومي، الذي تحكمه اعتبارات سياسية واجتماعية، وليس اقتصادية، بالضرورة. في جميع المجتمعات، وليس فقط عندنا، العمل الحكومي قطاع خدمي، في الأساس، تحكمه وظيفة الدولة الاجتماعية، وليست قوى السوق، كما هو حال قطاع الأعمال الإنتاجي بحكم وظيفته، الذي يشكل متغير الربح الحافز الأول لحركته.
لذا: لا يمكن تقييم العمل الحكومي، بمعيار تكلفته المادية فقط، دعك من انتظار عائد ربحي (مادي) مباشر من وراء حركته، كما هو الحال في قطاع الأعمال الإنتاجي. ميزانيات الحكومات تختلف تماماً، في حساب مواردها وترتيب بنودها وأوجه صرفها وعائد إنجازها، عن تلك التي تحكم نشاطات الشركات الخاصة. إنجاز القطاعات الحكومية لا يُقّيم بالأرقام الجافة، بقدر ما يُقّيم بمقاييس النمو المعيارية. على سبيل المثال: يُقّيم الجهاز الخدمي في الدولة، بعدد المتخرجين في مراحل التعليم المختلفة، ومستوى تحصيلهم.. وبعدد من تلقى الخدمة الصحية، وبمستوى توفرها وجودتها.. وبأطوال ومواصفات الشوارع والطرق السريعة، التي شقت.. وبعدد السدود وسعتها، التي أقيمت.. وباتساع الرقعة الزراعية، التي أضيفت.. وبعدد الوحدات السكنية، التي شُغلت... إلخ. كل ذلك يقابل بموارد الدولة، فيحدث العجز أو الفائض في الميزانية. أما في قطاع الأعمال، فالمساهمون ينظرون فقط لعائد استثماراتهم، في مقابل مادي (نقدي)، يتحكم في مستقبل قرارات وخيارات نشاطهم الاستثماري، بأولويات الظروف الزمانية والمكانية.
كما أن العمل، في القطاع الحكومي بصورة عامة، مهما بلغ الزعم، في ضآلة الحاجة إليه والجدل بتضخمه، إلا أنه لا يكفي، في كثير من الأحيان سد الحاجات الضرورية، لعدد كبير من الأسر، دعك من الزعم بإمكانية التوفير منه، لمواجهة حالات طارئة، مثل حالات المرض والوفاة والعجز، مهما بلغت عائدات التأمين ضد ذلك.. ومهما توفرت القوانين اللازمة لمواجهة تلك الحالات الطارئة.. ومهما بلغ شأن نظام الرعاية الاجتماعية المعمول به.. ولا مواجهة ظروف متوقعة بعيدة المدى، مثل: مواصلة تعليم الأبناء وزواجهم والحلم بامتلاك مسكن، أو حتى تغطية تكلفة الحياة حين التقاعد، التي لا تكفي لتغطيتها معاشات التقاعد المتناقصة، بتآكلها مع الوقت بسبب التضخم، إذ ينخفض معاش التقاعد بصورة حادة، فور إحالة الموظف العام للتقاعد، عن تلك التي كان يتلقاها، عندما كان على رأس عمله.
إذن: فكرة الإنتاجية، بتقييمها وفق معايير مادية بحتة، لا تستقيم ومصلحة الموظف الحكومي، تقديراً منصفاً، لقيمة ما يقوم به من عمل.. ثم إذا كانت فكرة البدلات والعلاوات والترقيات والحوافز، هي أساساً تُعَد إقرارا بتدني دخول وأجور الموظف العام، في مقابل ما يقوم به من عمل، مقارنة بتكلفة المعيشة المتزايدة بفعل التضخم، فإن الاقتراب منها معناه زيادة تكلفة المعيشة الحقيقية للموظف العام، الذي يشكل الجانب الأكبر من القوة العاملة في المجتمع، مما ينعكس سلباً على الطلب الكلي على السلع والخدمات، وبالتالي: على الناتج الكلي العام، ومن ثَمّ على مؤشر مستوى المعيشة في المجتمع، ككل. هذا، ينعكس، بدوره سلبياً، على أداء الموظف العام، مما يخفض من معدلات النمو الحقيقية، بصورة كبيرة.
ثم إن الإقدام على تخفيض رواتب الوزراء ومن في حكمهم، لم يقترب من دخول الموظفين، باعتبار أن تلك التخفيضات طالت العلاوات والامتيازات والبدلات فقط، لم تقترب من المرتب الأساسي للموظف العام، مقارنة بما جرى تطبيقه وطال رواتب الوزراء ومن في حكمهم. بالتأكيد لن يتأثر الوزراء ومن في حكمهم بالتخفيض على رواتبهم، إطلاقاً. الوزراء ومن في حكمهم، لا يعانون من مشكلة سكن.. ولا يتأثرون بمستويات التضخم المتصاعدة.. ولا تشغلهم مشكلات تعليم وزواج أبنائهم.. ولا يعانون من مشكلات في المواصلات والاتصالات.. ثم أكيد لا يعانون من أية ضائقة مالية، وليست عليهم قروض بنكية، تستقطع ما يقرب من ثلث دخولهم، كما هو حال الكثير من موظفي الدولة، وحتى من العاملين في قطاع الأعمال الخاص، من صغار ومتوسطي العاملين.
لذلك فإن الأولى الاتجاه نحو زيادة كفاءة القطاع الحكومي، بتقليص مستوى الهدر في أدائه، من خلال التركيز على الانضباط في العمل.. والاتجاه إلى التدريب والتوجيه الفاعل.. والاستفادة القصوى من الإمكانات الحقيقية والمحتملة للموظف الحكومي، في بيئة تنافسية إيجابية.. وتطبيق نظم إدارية متقدمة لزيادة كفاءة وفاعلية القطاع الحكومي.. مع التركيز على متغير رضاء الموظف العام عن عمله، وربطه واقعياً ووجدانياً بمهمات عمله ومسئولياته.
إن الإصلاح الاقتصادي أمرٌ لا غنى عنه ومطلوب، بل هو ضروري، وإن يحمل في كثير من الأحوال، إجراءات قاسية، بشرط أن تطال الجميع. بالتالي: إذا كان الأمر يقتضي مواجهة ظروف اقتصادية صعبة.. أو إحداث نقلة نوعية في التعاطي مع المشكلة الاقتصادية في المجتمع وضمان معدلات نمو حقيقية، تعكس تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة، فطريق الاقتراب من بند الأجور، لا يفي بالغرض، إن لم قد تكن له تداعيات، تنال بدايةً من كفاءة وفاعلية الجهاز الحكومي، وتدني مستوى منتجاته الخدمية. هناك مجالات كثيرة للهدر، تتمثل في تضخم الاقتصاد الموازي في المجتمع، كان الأجدر البدء بها، من أجل تفعيل إصلاح اقتصادي كفؤ وفعال.