ظلام «آخر»... على «نهر بارد»

حمد عائل فقيهي

(1)
ارتبط لبنان في المخيلة العربية على المستويين السياسي والثقافي بكونه يعطي «النموذج» للدولة التي يتعدى اسمها، ودورها وأهميتها محيطها الإقليمي والدولي ويظل حضورها في المخيلة وفي الواقع المعاش الأبرز والأكثر تميزاً، والأكثر إبهاراً وانبهاراً في تأثيرها الأدبي والفني، فهذا الوطن الصغير الذي أنجب فيروز والكبار من أدباء العربية بدءاً من جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة وعبدالله العلايلي، وشكيب أرسلان والشعراء الياس أبي شبكة والأخطل الصغير وأمين نخلة وسعيد عقل وخليل حاوي وأنسي الحاج ثم تلك الأدوار الكبيرة التي تم عبرها ومن خلالها خدمة اللغة العربية والتي قام بها آل اليازجي وآل البستاني، والذين قدموا معاجم اللغة التي تشكل إحدى أهم الانجازات في حقل اللغة.
هكذا يأتينا لبنان عبر مفردات الإبداع والجمال.. الإبداع الذي صنعه وصاغه اللبنانيون عبر كل طوائفهم، من السنة والشيعة مروراً بالدور التاريخي للمسيحيين الذين هم أحد أهم تشكلات الهوية اللبنانية، وانتهاء بالطوائف الأخرى، الصغيرة حجماً والكبيرة أهمية يأتي ذلك في دورها وتأثيرها، كالدروز والأرمن..
(2)
لبنان هو «غرب في الشرق» وتلك النافذة المطلة على الغرب، ولكن بنكهة عربية وإسلامية وشرق أوسطية وطن ماروني بامتياز ومسلم بامتياز أيضاً.. وطن حضاري، وعشائري وعائلي أيضاً.. يتقدم فيه الانتماء للعائلة والطائفة على الانتماء للدولة ويتوازى «الحزب» في كثير من الأحيان مع الدولة.
فمنذ الاستقلال كان دائماً وأبداً وطناً واحداً ومذاهب شتى.. دولة واحدة ومشارب غير متحدة.. ومع كل أزمة ينهض هذا الوطن كطائر الفينيق من تحت الرماد ومع كل «فتنة» يخرج خائراً مكسوراً منهاراً بين ركام الجثث ورائحة الموت والدخان أكثر عافية، وطن كان قدره أن يكون كذلك جغرافية صغيرة محاصرة بين العدو الحقيقي المتمثل في إسرائيل والخصم القريب الداخل في الجغرافيا.
(3)
ها هو لبنان ينتقل من الحروب المفتعلة مع ما يسمى بفتح الإسلام في مدينة طرابلس المحافظة وفق الخصوصية اللبنانية لمعنى المحافظة والتي يتمترس فيها في نهر البارد هؤلاء الذين يمثلون شكلاً آخر من أشكال الظلامية، ووجها آخر من وجوه التخلف عبر لبنان الذي يعطي المثال للدولة العربية الفائضة بالديمقراطية، والزائدة عن الحد والمرتبطة عضوياً بما يسمى بالدولة الحديثة. فتح الإسلام منظمة إرهابية تندس بين المخيمات الفلسطينية ربما تكون مدعومة من دول إقليمية ومن دول على مقربة من الحدود المحصورة والمحاصرة. أصولية إرهابية أخرى تطل من لبنان يعني هذا أن هذه الأصوليات جديرة بالتأمل والدراسة والنظر إليها بعقل الدارس والراصد وأنها تعطي مؤشراً إلى دخول العرب إلى حقبة الأصوليات التي تحمل السلاح بحثاً عن بناء مشروعها السياسي.. من أين يأتي هؤلاء.. وأين يتربى هؤلاء.. من يدعمهم.. هذا هو السؤال..!
a_faqehi@hotmail.com