التعريف بحقوق التوقيف

عبدالله بن فخري الأنصاري

ورد بلاغ إلى أحد مراكز الشرطة يتضمن معلومات عن اختباء أحد المشتبه بهم في عملية سرقة ونهب لمنزل وسط المدينة. وبعد الحصول على إذن التفتيش من السلطة المختصة تم الانتقال للمنزل المحدد، حيث تم القبض على المشتبه به وضبط كل ما يتعلق بالجريمة. وأثناء القيام بعملية القبض قام أحد رجال الضبط الجنائي بإبلاغ المقبوض عليه وبعبارات واضحة، لا لبس فيها، بأسباب إيقافه، ومكان التوقيف، ومدته، وبحقه في الاتصال بمن يرى إبلاغه بتوقيفه، وحقه في المعاملة الكريمة، وحقه في طلب الرعاية الطبية والفحص الطبي في حال اقتضاء ذلك، وحقه في الاستعانة بوكيل في مرحلة التحقيق، وحقه في الاستماع إلى أقواله فورا، وحقه فى الاستعانة بمترجم (إن كان لا يجيد اللغة العربية)، وحقه، وفي أي وقت، في التظلم أو تقديم الشكاوى للسلطة المختصة في أي أمر يتعلق بإجراءات التوقيف ومدته وحقوق الموقوف، وحقه في المطالبة بأي حق آخر استنادا لأحكام الشريعة الإسلامية وأنظمة المملكة المرعية.
وربما يرى البعض أن هذا المثال وهذا النوع من الطرح غريب أو مبالغ فيه لكنه ليس كذلك. فهو يمثل تصورا واضحا لما تضمنه النظام الأساسي للحكم، وبعض الأنظمة المنبثقة عنه، كنظام الإجراءات الجزائية في ما يخص حقوق المقبوض عليه. فقد وضعت السلطة التنظيمية في المملكة الأسس لتوعية الموقوف بحقوقه التي ضمنها النظام. حيث أوجبت المادة الخامسة والثلاثون على جهات الضبط الجنائي «إخبار» الموقوف «بأسباب إيقافه»، وضمن نظام الإجراءات الجزائية للموقوف حقوقاً أخرى في مراحل التحقيق المختلفة. إلا أنها لم تلزم رجال الضبط الجنائي بإبلاغ الموقوف بكل هذه الحقوق. والدعوة هنا هي الى توسيع دائرة هذا الإخبار ليشمل الحقوق الأساسية السابقة الذكر والثابتة وفق النظام، وإلزام رجل الضبط الجنائي بإبلاغ المقبوض عليه بوضوح (لفظا أو كتابة) بهذه الحقوق وتأكده من فهمه لها.
والغرابة ليست في هذا النوع من الطرح وإنما في الجهل وقلة الإدراك ونقص المعرفة والوعي بأبسط الحقوق الإنسانية مما أدى إلى عدم المطالبة أو انتهاك تلك الحقوق. فكثير من الناس لا يدركون حقوقهم، وبعض رجال الضبط الجنائي قد لا يلمون إلماماً كاملاً بالحقوق الأساسية للمقبوض عليه. وتشير الدراسات الدولية إلى أن أكثر الانتهاكات لحقوق المتهم في كثير من دول العالم تحدث في الساعات والأيام الأولى من التوقيف حيث يظهر الخلل والثغرات في تطبيق نص النظام، حتى استدل بعض رجال الضبط الجنائي على صحة الإجراءات وموافقتها للأنظمة والتعليمات بتطبيق بعض هذه الحقوق (كالحصول على إذن للتفتيش) وغفلوا عن ماعداها.
وفي الوقت الذي يكثر الحديث عن تجاوزات فردية لبعض رجال الضبط الجنائي لحقوق المقبوض عليه، تتعالى الأصوات لإيجاد المزيد من الضمانات الكفيلة بمراعاة واحترام هذه الحقوق. وليس في ذلك كله دعوة إلى تدليل المجرم وعدم معاملته بحزم. وإنما هي دعوة إلى تطبيق الثوابت التي نص عليها النظام الأساسي للحكم والأنظمة المنبثقة عنه استنادا إلى قاعدة «الأصل في الإنسان البراءة» والتي أقرتها الشريعة الإسلامية لضمان احترام كرامة الإنسان، وحماية حقوقه، ومنعا للتعسف في استعمال السلطة.
وتعزيز هذه الضمانات بإلزام رجل الضبط الجنائي إبلاغ المقبوض عليه بحقوقه يحقق توازنا لصالح الموقوف في الحصول على تلك الحقوق حيث يصبح مدركا لها، يقوم بممارستها، ويدافع عنها، ويقاوم التعدي عليها. كما يساعد هذا الإجراء على نشر ثقافة حقوق الانسان بين أفراد المجتمع، وتمكينهم من حقوقهم، وتنبيه وتذكير رجل الضبط الجنائي بمسؤولياته وواجباته تجاههم، وتحميله للمسؤولية في حال تفريطه أو تقصيره أو تعديه على هذه الحقوق.
afansary@yahoo.com