ماذا بعد..!؟

د. طلال صالح بنان

للكل الحق في أن يتساءل، بعد الأحداث المأساوية التي عصفت بالفلسطينيين وقضيتهم في الأيام الماضية، ماذا بعد كل ذلك. هل الجغرافيا، مع السياسة، سيؤسسان لأمر واقع جديد بين الفلسطينيين، فيكون هناك شعبان بحكومتين بإقليمين منفصلين ينهي حلم الدولة المتصلة القابلة للحياة، التي التزم المجتمع الدولي بتمكين الفلسطينيين منها؟. أم أن الأمر سوف ينتهي بالقضاء المبرم على حلم الفلسطينيين وقضيتهم، فلن تكون هناك دولة فلسطينية أو دولتان، ولا حكومة فلسطينية، أو حكومتان، لتستولي إسرائيل على كامل فلسطين بأهلها وأرضها وشعبها، ليعيش الفلسطينيون، كأقلية ناقصة الحقوق مسلوبة الإرادة محرومة الحريات، مثل مملكة بوتساوانا في جنوب أفريقيا، أيام سيطرة البيض على البلاد وتطبيق سياسة الفصل العنصري ( الأبارتايد ). أم سوف يتم إجلاء الفلسطينيين، في نزوح كبير عن أرضهم، لتحقيق حلم الدولة اليهودية، التي قال عنها الرئيس بوش، عندما اقترح حل الدولتين، في العقبة 2003.
هذه الأيام هناك توجه دولي، وعربي أيضاً، بالاعتراف بحكومة الطوارئ الذي شكلها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الضفة الغربية، بالرغم من الصعوبات، التي تعترض، هذه الحكومة. في المقابل هناك تبن، إقليمي ( عربي ) ودولي، بنزع أي غطاء دستوري أو قانوني لبقاء حركة حماس في السلطة، واعتبار ما فعلته في قطاع غزة، على أنه انقلاب على الشرعية. هذا الموقف الدولي والإقليمي تجاه ما حدث في الأراضي الفلسطينية، الأيام الماضية، ستدعمه إجراءات دولية وعربية لتأكيد شرعية حكومة الطوارئ ، برفع الحصار الاقتصادي عنها.. واستمرار دعمها مادياً وسياسياً، في مقابل توجه مضاد تجاه ما يحدث في قطاع غزة... الأمر، الذي يفتح المجال أمام إسرائيل بالتكفل بالأوضاع في قطاع غزة، عسكرياً.. صحيفة “التايمز”، أوردت أمس خبر استعداد إسرائيل لشن هجوم كاسح على غزة لاستئصال حماس من الإقليم.. وأنها حشدت أكثر من 20 ألف جندي لعملية الاجتياح، مدعومة بأسراب من طائرات الـ ( إف 16 )، وألوية ميكانيكية مدرعة.
نظرياً: يمكن تصور الأسوأ يحدث في غزة، خصوصا أن إسرائيل كما تقول مصادرها، مستعدة لدفع تكلفة باهظة مقابل اجتياح غزة، ولكنها ليست مستعدة لأن يتكرر سيناريو القتال على الجبهة اللبنانية الصيف الماضي. الإسرائيليون تحدوهم ثقة في كسب معركة غزة القادمة، بعد تولي ايهود باراك العسكري المتمرس وزارة الدفاع، بعدما كسب معركة الزعامة على حزب العمل، وخروج وزير الدفاع السابق عمير بيرتس من الحكومة.
ذلك ما تتوقعه سيناريوهات التعامل مع سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، بعدما تجردت الحركة من أي غطاء قانوني أو سياسي.. وذهب كامل الدعم السياسي والمادي الإقليمي والدولي لحكومة الطوارئ للرئيس الفلسطيني، التي شكلها سلام فياض، المعروف بأنه مستقل، والمقرب من الدوائر الغربية. ولكن المشكلة أن يقع الجميع في خطيئة الخطأ في الحسابات، كما حدث في حرب إسرائيل الصيف الماضي، على لبنان. المشكلة هنا سياسية وأخلاقية، معاً، على الأقل من الجانب الفلسطيني والعربي. قد يكون هناك اعتقاد بتكامل الموقف العربي والفلسطيني ( فتح )، من ناحية، والموقف الإسرائيلي. مهما كانت الدوافع السياسية لحل مشكلة حماس في قطاع غزة، فإن أي هجوم إسرائيلي على القطاع، لن يلقى ترحيباً فلسطينياً، من قبل الرئاسة وفتح، كما أنه من الصعب تأييده من قبل النظام العربي، حتى بالسكوت عليه. ثم من يضمن أن تتمكن إسرائيل من الحسم العسكري، في فترة قصيرة، تريح الجميع من عبء العجز بل وحتى شبهة التواطؤ مع الإجراء الإسرائيلي العنيف، باجتياح غزة.
كل السيناريوهات التي تتوقع الأسوأ للتعامل مع “الفتق” السياسي والعسكري والجغرافي، الذي أصاب الجسد الفلسطيني الواحد، مما يستحيل معه أي محاولة لـ “ رتقه “، محتمل أن تتفاعل، بصورة أكثر عنفاً. ليس من السهل، سياسياً أو عسكرياً، حسم واقع سيطرة حماس على قطاع غزة. وليس منطقياً تصور، حتى في حالة حل مسألة حماس في غزة، أن يرتد ذلك إيجاباً على وضع الرئاسة الفلسطينية ومنظمة فتح، في ما يخص العلاقة مع إسرائيل. هناك احتمال كبير، بعد أن يفرغ الإسرائيليون من قطاع غزة، أن يرتدوا إلى الضفة الغربية، لإنهاء وضع فتح ومنظمة التحرير العسكري والسياسي، ليتجرد -تماماً - المتغير الفلسطيني، من كل عوامل الردع السياسي والعسكري، وحتى الأخلاقي.
الأمور، ليست مبشرة، إطلاقاً. والأسوأ لم يقع، بعد.