أحوال المسلمين والخيول العربية في أول مباحثات رسمية بين المملكة وبولندا
«عكاظ» تنشر حوار المؤسس مع أول وفد بولندي زار المملكة حاملا اعتراف بلاده بها
الأحد / 09 / جمادى الآخرة / 1428 هـ الاحد 24 يونيو 2007 21:06
كتب: فهد بن عبدالله السماري
اتسمت علاقات الملك عبدالعزيز الدبلوماسية بقيامها على مبادئ محددة وواضحة تتفق مع مصالح المملكة واستقلالية قراراتها ومواقفها، ولقد علق أحد الباحثين الانجليز عند دراسته لعلاقات الملك عبدالعزيز الخارجية خلال الأعوام 1936-1939م، بأنها تميزت باستقلاليتها وقوتها وتحديها للظروف المحيطة بذكاء ومهارة فائقة وتجاوزت عقبات بعض الدول المحيطة ذات النفوذ الواسع في المنطقة آنذاك ومنها بريطانيا، وفي خضم تلك التحديات السياسية والاقليمية استطاع الملك عبدالعزيز –رحمه الله- ان يتجاوز بالدولة السعودية الناشئة مخاطر تلك المرحلة وان يكون موقفها مستقلا فيما يتعلق بمصالحها وعلاقاتها الخارجية التي شملت دولا عديدة ومختلفة. من تلك الدول التي كانت لها علاقات مبكرة مع المملكة في عهد الملك عبدالعزيز هي بولندا. والعلاقات السعودية- البولندية تحتاج الى دراسة وافية ترصد جوانبها ونتائجها وخاصة أساليب السياسة. اعتراف ومسلمون وخيول
وبداية العلاقات السعودية- البولندية تعود في الأساس الى تلك الخطوات التي قامت بها مديرية الشؤون الخارجية (فيما بعد وزارة الخارجية) برئاسة فؤاد حمزة في عام 1348هـ بمخاطبة عدد من الدول الاوروبية وغيرها للاعتراف بالدولة السعودية وتأسيس علاقات سياسية معها، وتضمنت المذكرة التي أرسلها فؤاد حمزة الى وزير الخارجية البولندي في وارسو معلومات عن الدولة السعودية واقتصادها وثقافتها وحكومتها وغير ذلك من البيانات الأساسية المتعارف عليها، وقام بتسليم تلك الرسالة والمذكرة خالد الحكيم اثناء زيارته لبولندا في أوائل عام 1348هـ.
وفي شوال 1348هـ (مارس 1930م) كتب فوزان السابق، معتمد ووكيل الملك عبدالعزيز في مصر، الى الملك عبدالعزيز يرفع اليه طلب قنصل بولندا في مصر رغبة بولندا في ارسال وفد رسمي بولندي الى جدة، ووصل الوفد في شهر ذي الحجة وقابل الملك عبدالعزيز وقدم له اعتراف بولندا بمملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، وتعد زيارة الوفد البولندي هذه المنطلق الأساس للعلاقات السعودية البولندية، وكان الوفد البولندي يتكون من السيد ادوارد راشنسكي، رئيس ادارة القسم الشرقي بوزارة الخارجية البولندية، والشيخ يعقوب شينكيفتش، مفتي مسلمي بولندا، ولقد اهتم الملك عبدالعزيز بضيافة الوفد حسب المعتاد ووجه الأمير فيصل بن عبدالعزيز بمتابعة ترتيبات استقبالهم وتحديد الموعد المناسب لمقابلتهم.
ولقد تبين من خلال مقابلة الوفد البولندي للملك عبدالعزيز حرص جلالته رحمه الله على أحوال المسلمين في بولندا والارتباط بعلاقات مستقلة وعادلة مع الدول الاخرى تخدم مصالح البلاد، ولننظر الى جزء من ذلك الحوار الذي دار بين الملك وراشنسكي في جدة: “راشنسكي: أحب ان أعرض على انظار جلالة الملك ان حكومة بولونيا ليس لها أي مصالح ذاتية أو سياسية في جميع انحاء العالم وعلى الأخص في جزيرة العرب، فهي لا تريد الا ان تكون صديقة لهذه الحكومة التي يرأسها جلالة الملك الذي تنظر اليه حكومتي بعين التقدير والاعجاب”.
الملك عبدالعزيز: “لا شك في حسن نوايا حكومة بولونيا وإنا نحبها وعلى الأخص حينما سمعت من مفتيها ومنكم ان المسلمين هناك يعاملون معاملة حسنة فهذا ما يجعل حبي يزداد لحكومة بولونيا وللشعب البولوني”.
وتطرق ذلك الحديث ايضا الى رغبة بولندا شراء بعض الخيول من المملكة ورحب جلالته بذلك وأكد للوفد البولندي استعداد بلاده لاستقبال أي بعثة من بولندا لغرض شراء الخيول وتيسير أمرها، وقال الملك عبدالعزيز ردا على سؤال راشنسكي حول أماكن الخيول في المملكة: “ان أكثر الخيول الجيدة موجودة عندنا وعند البدو وأكثر البدو هاجروا الى المهجر وسوف نسأل عن الخيول الطيبة اذا جاءت البعثة ونخبرهم بها”.
رسالة المؤسس للرئيس
وعندما عاد راشنسكي الى بولندا حمل معه رسالة من الملك عبدالعزيز موجهة الى السيد ايكنس موشيكي رئيس الجمهورية البولندية بتاريخ 5 ذي الحجة 1348هـ جاء فيها: “ان مندوبكم الكريم الكونت ادوارد راشنسكي الذي حمل كتاب فخامتكم قد سرنا جدا بعلاقاته لأنه كان يحمل عواطف سامية ولأنه قد أبان لنا ما تحملونه فخامتكم ويحمله الشعب البولوني من العواطف النبيلة نحونا ونحو أمتنا واننا باسمنا واسم شعبنا نتمنى لفخامتكم ولشعبكم كل رفاه وسعادة وهناء، ولقد تزايد سرورنا بملاقاة المندوب الثاني المحترم الدكتور يعقوب شينكيفتش المفتي العام لمسلمي بولونيا وسرنا ما أخبرنا به عن حالة المسلمين الذين نتمنى لهم كل نجاح ورفاه”.
واثناء استقبال الملك عبدالعزيز الوفد قام السيد راشنسكي بالقاء كلمته الرسمية التي اثنى فيها على الملك عبدالعزيز وجهوده قائلا: “أقدم هذا التقدير وهذه الممنونية التي تحفظها الأمة البولونية نحو الأمة العربية الكريمة ونحو جلالتكم الذي جمعتم هذه الأمة العربية وكونتم مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها العظيمة على يدكم المنصورة بسعيكم النادر وحكمتكم النافذة وشجاعتكم الشخصية هي أكبر ما تقدرها الأمة البولونية”.
واوضح راشنسكي في كلمته تلك: “انني لا أشك من ان وفدنا الذي أتشرف ان أكون رئيسه ليستطيع ان يضع الأساس الأول لارتباط الأمتين الكريمتين الأمة العربية والأمة البولونية برباط الصداقة القلبية المتينة لمنفعة هاتين الأمتين اللتين يمكنهما ان تنتفعا من بعضهما انتفاعا عظيما، وتظهر هذه المنفعة جليا في ميدان الاقتصاد لأن بلادنا محشودة بثروات طبيعية وصناعات تتقدم بسرعة مدهشة فيمكن ان تستفيد هاتان الدولتان البعيدتان عن بعضهما فائدة عظيمة بسبب تبادل محصولاتهما الطبيعية والصناعية”.
هذا هو أساس العلاقة مع بولندا في عهد الملك عبدالعزيز الذي يعكس لنا وبكل جلاء حرص جلالته على توثيق عرى التعاون مع الدول الاخرى من منظور مستقل وبما يخدم مصالح البلاد من جهة، والاهتمام بأمور المسلمين في الدول الاخرى والاطمئنان على أوضاعهم وأحوالهم واسداء الشكر والامتنان لتلك الدول التي هي عادلة في تعاملها مع الأقليات المسلمة ومنها بولندا.
ولا تزال هناك الكثير من خيوط قصة هذه العلاقات السياسية التي تربط بولندا بالمملكة التي تدعو الى اجراء مزيد من الدراسات والبحوث في مجالات العلاقات والكتابات البولندية القديمة عن الجزيرة العربية والاتصالات السعودية البولندية المبكرة، فمن خلال هذه المصادر المشتركة سوف تتكشف لنا الكثير من المحطات التي تعيننا على التواصل الحضاري مع المجتمعات المتعددة عبر التاريخ والتراث والثقافة.
من البدايات الى فصل التوأمتين
ولقد اثنى فخامة رئيس الجمهورية البولندية الكسندر كفاشينفسكفي بالمواقف الانسانية التي يبادر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (حفظه الله) ويواصل على دعمها ورعايتها متجاوزا بها حدود بلاده التي لم تتوقف عند ديانة أو جنسية أو حتى لغة بل حرص على خدمة الانسان أينما كان بحاجة تضمن له العيش في الحياة من أبرزها تكفله بنفقات عملية فصل التوأمتين السياميتين البولنديتين (داريا والغا) التي تمت بنجاح بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية بالحرس الوطني بالرياض في يوم 22/11/1425هـ الموافق 3/1/2005م معربا عن عظيم شكره باسمه ونيابة عن حكومته وأبناء شعبه.
جاء ذلك خلال لقائه بالدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الربيعة المدير العام التنفيذي للشؤون الصحية بالحرس الوطني الذي زار جمهورية بولندا مطلع الأسبوع الماضي.
وأكد الرئيس الكسندر خلال اللقاء على عمق العلاقة التي تربط بين البلدين التي أخذت مكانة أفضل عقب موقف المملكة النبيل تجاه الطفلتين (داريا والغا) حيث اختصرت سنوات عديدة حتى تصل الى ما وصلت اليه الآن مؤكدا على أهمية التواصل والتقارب بين الشعبين وخاصة في المجال الطبي وتبادل الخبرات في هذا الاطار.
ونقل الدكتور عبدالله الربيعة رسالة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز نقل خلالها تحياته -حفظه الله- وامنياته للحكومة البولندية وشعبها بدوام العافية والسؤدد معرباً عن عظيم شكره وتقديره على الحفاوة والتكريم التي حظي بها اثناء الزيارة.
وفي ختام الزيارة قدم فخامة الرئيس الكسندر هدية تذكارية للدكتور الربيعة كما تسلم الرئيس البولندي هدية مماثلة من الدكتور عبدالله الربيعة عبارة عن درع تذكاري يرمز ويعبر عن قرب ومتانة الصداقة بين البلدين وهدية اخرى عبارة عن لوحة تذكارية لعملية التوأمتين السياميتين البولنديتين «داريا والغا» وحملت صورة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
من جهة اخرى تسلم الدكتور عبدالله الربيعة الجائزة الممنوحة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من رئيس المؤسسة الصحفية (جازيتا فيبورتشا) كما تسلم معاليه جائزة (فيليكس) وذلك في حفل حضره آلاف من الشعب البولندي واقيم في ساحة الحرية بمدينة (بيدغوتش) وهاتان الجائزتان تمنح سنوياً للشخصيات البارزة التي تقوم بخدمة «الانسانية» في جميع بقاع العالم.
وعبر الحضور في هتافات ملأت الساحة عن عظيم شكرهم وتقديرهم لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومواقفه الانسانية مع اطفال بولندا.
والقى الدكتور الربيعة خلال الاحتفال كلمة بهذه المناسبة وتوقف كثيراً عقب كل جملة يرد بها الملك عبدالله حيث يقابله الجمهور الذي ملأ ساحة الحرية بعاصفة من التصفيق والهتافات المعبرة عن حبهم الشديد لخادم «الانسانية». وقال الدكتور الربيعة: انني في هذه المناسبة الهامة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- الذي قام بتوجيهي لأنقل لكم اطيب التحيات والتبريكات من اعماق قلبه وانني احمل معي كلمات الحب والصداقة والامتنان من جميع ابناء الشعب السعودي.
واضاف: ان السعودية وبولندا لم تكونا على مر تاريخهما قريبتين لبعضهما كما هو الآن شكراً لداريا والغا الطفلتين التوأمتين البولنديتين اللتين جعلتا بولندا معروفة في كل بيت سعودي والسعودية معروفة في كل بيت بولندي انه من خلال فصلهما اصبحت بولندا والسعودية اقرب ونأمل ان نرى البلدين يوحدا جهودهما في سبيل توطيد التعاون بينهما واننا نعتبر «داريا والغا» هما السفيرتان الحقيقيتان للصداقة والسلام.
ونوه الدكتور الربيعة في ختام كلمته بردود الفعل الدافئة من قبل حكومة وشعب ووسائل الاعلام البولندي تجاه السعودية اعقاب نجاح العملية مشيراً الى ان هذه الوقفة ستبقى في ذاكرة السعوديين الذين اظهروا طبيعة وحقيقة الشعب السعودي الاصيل في حب ورعاية الانسانية ومعبراً عن عظيم شكره وتقديره للسيد يوزف هيرولد واللجنة المانحة لجائزة «فيليكس» التي عكس مشاعر وعمق وقيم الشعب البولندي العظيم.
واختتم الدكتور الربيعة زيارته الى بولندا بزيارة الى مدينة «ينكوفوا» وهي المدينة التي تنحدر منها التوأمتان البولنديتان «داريا والغا» حيث قام معاليه بجولة على المدينة والالتقاء برئيسها وبأهلها وبوالدة التوأمتين كما قام معاليه بزيارة للمدرسة التي تحتضن الطفلتين حيث استقبل بحفاوة كبيرة وألقت احدى طالبات المدرسة الابتدائية كلمة اكدوا خلالها تأثرهم الشديد بطبيعة وسخاء الملك عبدالله بن عبدالعزيز ولفتته الكريمة تجاه الطفلتين الصغيرتين من بولندا. واضافت بقولها: نحن طلاب المدرسة الابتدائية في مدينة يانيكوفو التي ستذهب اليها الاختان داريا والغا بعد بضعة اعوام لقد كنا نتابع باهتمام كبير الحالة الصحية للطفلتين وسماع خبر نجاح العملية المعقدة بمهارة الفريق السعودي حيث حصلت البولنديتان الصغيرتان على حياة جديدة بعد ان كانتا ستبقيان معاقتين طوال حياتهما. وقالت: كنا فخورين وسعداء حين علمنا بقرار اللجنة الدولية المانحة لوسام «الابتسامة» التي بناء على الطلب الموجه من قبلنا منحت الملك عبدالله بن عبدالعزيز هذا الوسام الفريد من نوعه في العالم الذي يمنح للصغار والكبار ونظراً لأن وسام «الابتسامة» يمكن ان يمنح فقط للكبار الذين يحملون الفرحة والبهجة للاطفال فإننا نرغب وبشدة ان يحصل على هذا التميز ايضاً رئيس الفريق الطبي والجراحي البروفيسور عبدالله الربيعة الذي قام بفصل الاختين التوأمتين السياميتين من مدينة يانيكوفو ان مهارة معاليكم العالية ورعايتكم وعنايتكم الفائقة بالطفلتين وتفانيكم تسبب في ان داريا والغا ولدتا ثانية واننا نقدر ونثمن مهارة وتفاني جميع اعضاء الفريق الطبي والجراحي السعودي الذي أظهر للعالم أجمع ان هناك أناسا ذوي نوايا حسنة وطيبة يساعدون الآخرين بصرف النظر عن الجنسية أو الاصل أو العمر أو الدين.. شكرا على القلب الذي أبديتموه للطفلتين (داريا والغا).
وبداية العلاقات السعودية- البولندية تعود في الأساس الى تلك الخطوات التي قامت بها مديرية الشؤون الخارجية (فيما بعد وزارة الخارجية) برئاسة فؤاد حمزة في عام 1348هـ بمخاطبة عدد من الدول الاوروبية وغيرها للاعتراف بالدولة السعودية وتأسيس علاقات سياسية معها، وتضمنت المذكرة التي أرسلها فؤاد حمزة الى وزير الخارجية البولندي في وارسو معلومات عن الدولة السعودية واقتصادها وثقافتها وحكومتها وغير ذلك من البيانات الأساسية المتعارف عليها، وقام بتسليم تلك الرسالة والمذكرة خالد الحكيم اثناء زيارته لبولندا في أوائل عام 1348هـ.
وفي شوال 1348هـ (مارس 1930م) كتب فوزان السابق، معتمد ووكيل الملك عبدالعزيز في مصر، الى الملك عبدالعزيز يرفع اليه طلب قنصل بولندا في مصر رغبة بولندا في ارسال وفد رسمي بولندي الى جدة، ووصل الوفد في شهر ذي الحجة وقابل الملك عبدالعزيز وقدم له اعتراف بولندا بمملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، وتعد زيارة الوفد البولندي هذه المنطلق الأساس للعلاقات السعودية البولندية، وكان الوفد البولندي يتكون من السيد ادوارد راشنسكي، رئيس ادارة القسم الشرقي بوزارة الخارجية البولندية، والشيخ يعقوب شينكيفتش، مفتي مسلمي بولندا، ولقد اهتم الملك عبدالعزيز بضيافة الوفد حسب المعتاد ووجه الأمير فيصل بن عبدالعزيز بمتابعة ترتيبات استقبالهم وتحديد الموعد المناسب لمقابلتهم.
ولقد تبين من خلال مقابلة الوفد البولندي للملك عبدالعزيز حرص جلالته رحمه الله على أحوال المسلمين في بولندا والارتباط بعلاقات مستقلة وعادلة مع الدول الاخرى تخدم مصالح البلاد، ولننظر الى جزء من ذلك الحوار الذي دار بين الملك وراشنسكي في جدة: “راشنسكي: أحب ان أعرض على انظار جلالة الملك ان حكومة بولونيا ليس لها أي مصالح ذاتية أو سياسية في جميع انحاء العالم وعلى الأخص في جزيرة العرب، فهي لا تريد الا ان تكون صديقة لهذه الحكومة التي يرأسها جلالة الملك الذي تنظر اليه حكومتي بعين التقدير والاعجاب”.
الملك عبدالعزيز: “لا شك في حسن نوايا حكومة بولونيا وإنا نحبها وعلى الأخص حينما سمعت من مفتيها ومنكم ان المسلمين هناك يعاملون معاملة حسنة فهذا ما يجعل حبي يزداد لحكومة بولونيا وللشعب البولوني”.
وتطرق ذلك الحديث ايضا الى رغبة بولندا شراء بعض الخيول من المملكة ورحب جلالته بذلك وأكد للوفد البولندي استعداد بلاده لاستقبال أي بعثة من بولندا لغرض شراء الخيول وتيسير أمرها، وقال الملك عبدالعزيز ردا على سؤال راشنسكي حول أماكن الخيول في المملكة: “ان أكثر الخيول الجيدة موجودة عندنا وعند البدو وأكثر البدو هاجروا الى المهجر وسوف نسأل عن الخيول الطيبة اذا جاءت البعثة ونخبرهم بها”.
رسالة المؤسس للرئيس
وعندما عاد راشنسكي الى بولندا حمل معه رسالة من الملك عبدالعزيز موجهة الى السيد ايكنس موشيكي رئيس الجمهورية البولندية بتاريخ 5 ذي الحجة 1348هـ جاء فيها: “ان مندوبكم الكريم الكونت ادوارد راشنسكي الذي حمل كتاب فخامتكم قد سرنا جدا بعلاقاته لأنه كان يحمل عواطف سامية ولأنه قد أبان لنا ما تحملونه فخامتكم ويحمله الشعب البولوني من العواطف النبيلة نحونا ونحو أمتنا واننا باسمنا واسم شعبنا نتمنى لفخامتكم ولشعبكم كل رفاه وسعادة وهناء، ولقد تزايد سرورنا بملاقاة المندوب الثاني المحترم الدكتور يعقوب شينكيفتش المفتي العام لمسلمي بولونيا وسرنا ما أخبرنا به عن حالة المسلمين الذين نتمنى لهم كل نجاح ورفاه”.
واثناء استقبال الملك عبدالعزيز الوفد قام السيد راشنسكي بالقاء كلمته الرسمية التي اثنى فيها على الملك عبدالعزيز وجهوده قائلا: “أقدم هذا التقدير وهذه الممنونية التي تحفظها الأمة البولونية نحو الأمة العربية الكريمة ونحو جلالتكم الذي جمعتم هذه الأمة العربية وكونتم مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها العظيمة على يدكم المنصورة بسعيكم النادر وحكمتكم النافذة وشجاعتكم الشخصية هي أكبر ما تقدرها الأمة البولونية”.
واوضح راشنسكي في كلمته تلك: “انني لا أشك من ان وفدنا الذي أتشرف ان أكون رئيسه ليستطيع ان يضع الأساس الأول لارتباط الأمتين الكريمتين الأمة العربية والأمة البولونية برباط الصداقة القلبية المتينة لمنفعة هاتين الأمتين اللتين يمكنهما ان تنتفعا من بعضهما انتفاعا عظيما، وتظهر هذه المنفعة جليا في ميدان الاقتصاد لأن بلادنا محشودة بثروات طبيعية وصناعات تتقدم بسرعة مدهشة فيمكن ان تستفيد هاتان الدولتان البعيدتان عن بعضهما فائدة عظيمة بسبب تبادل محصولاتهما الطبيعية والصناعية”.
هذا هو أساس العلاقة مع بولندا في عهد الملك عبدالعزيز الذي يعكس لنا وبكل جلاء حرص جلالته على توثيق عرى التعاون مع الدول الاخرى من منظور مستقل وبما يخدم مصالح البلاد من جهة، والاهتمام بأمور المسلمين في الدول الاخرى والاطمئنان على أوضاعهم وأحوالهم واسداء الشكر والامتنان لتلك الدول التي هي عادلة في تعاملها مع الأقليات المسلمة ومنها بولندا.
ولا تزال هناك الكثير من خيوط قصة هذه العلاقات السياسية التي تربط بولندا بالمملكة التي تدعو الى اجراء مزيد من الدراسات والبحوث في مجالات العلاقات والكتابات البولندية القديمة عن الجزيرة العربية والاتصالات السعودية البولندية المبكرة، فمن خلال هذه المصادر المشتركة سوف تتكشف لنا الكثير من المحطات التي تعيننا على التواصل الحضاري مع المجتمعات المتعددة عبر التاريخ والتراث والثقافة.
من البدايات الى فصل التوأمتين
ولقد اثنى فخامة رئيس الجمهورية البولندية الكسندر كفاشينفسكفي بالمواقف الانسانية التي يبادر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (حفظه الله) ويواصل على دعمها ورعايتها متجاوزا بها حدود بلاده التي لم تتوقف عند ديانة أو جنسية أو حتى لغة بل حرص على خدمة الانسان أينما كان بحاجة تضمن له العيش في الحياة من أبرزها تكفله بنفقات عملية فصل التوأمتين السياميتين البولنديتين (داريا والغا) التي تمت بنجاح بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية بالحرس الوطني بالرياض في يوم 22/11/1425هـ الموافق 3/1/2005م معربا عن عظيم شكره باسمه ونيابة عن حكومته وأبناء شعبه.
جاء ذلك خلال لقائه بالدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الربيعة المدير العام التنفيذي للشؤون الصحية بالحرس الوطني الذي زار جمهورية بولندا مطلع الأسبوع الماضي.
وأكد الرئيس الكسندر خلال اللقاء على عمق العلاقة التي تربط بين البلدين التي أخذت مكانة أفضل عقب موقف المملكة النبيل تجاه الطفلتين (داريا والغا) حيث اختصرت سنوات عديدة حتى تصل الى ما وصلت اليه الآن مؤكدا على أهمية التواصل والتقارب بين الشعبين وخاصة في المجال الطبي وتبادل الخبرات في هذا الاطار.
ونقل الدكتور عبدالله الربيعة رسالة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز نقل خلالها تحياته -حفظه الله- وامنياته للحكومة البولندية وشعبها بدوام العافية والسؤدد معرباً عن عظيم شكره وتقديره على الحفاوة والتكريم التي حظي بها اثناء الزيارة.
وفي ختام الزيارة قدم فخامة الرئيس الكسندر هدية تذكارية للدكتور الربيعة كما تسلم الرئيس البولندي هدية مماثلة من الدكتور عبدالله الربيعة عبارة عن درع تذكاري يرمز ويعبر عن قرب ومتانة الصداقة بين البلدين وهدية اخرى عبارة عن لوحة تذكارية لعملية التوأمتين السياميتين البولنديتين «داريا والغا» وحملت صورة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
من جهة اخرى تسلم الدكتور عبدالله الربيعة الجائزة الممنوحة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من رئيس المؤسسة الصحفية (جازيتا فيبورتشا) كما تسلم معاليه جائزة (فيليكس) وذلك في حفل حضره آلاف من الشعب البولندي واقيم في ساحة الحرية بمدينة (بيدغوتش) وهاتان الجائزتان تمنح سنوياً للشخصيات البارزة التي تقوم بخدمة «الانسانية» في جميع بقاع العالم.
وعبر الحضور في هتافات ملأت الساحة عن عظيم شكرهم وتقديرهم لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومواقفه الانسانية مع اطفال بولندا.
والقى الدكتور الربيعة خلال الاحتفال كلمة بهذه المناسبة وتوقف كثيراً عقب كل جملة يرد بها الملك عبدالله حيث يقابله الجمهور الذي ملأ ساحة الحرية بعاصفة من التصفيق والهتافات المعبرة عن حبهم الشديد لخادم «الانسانية». وقال الدكتور الربيعة: انني في هذه المناسبة الهامة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- الذي قام بتوجيهي لأنقل لكم اطيب التحيات والتبريكات من اعماق قلبه وانني احمل معي كلمات الحب والصداقة والامتنان من جميع ابناء الشعب السعودي.
واضاف: ان السعودية وبولندا لم تكونا على مر تاريخهما قريبتين لبعضهما كما هو الآن شكراً لداريا والغا الطفلتين التوأمتين البولنديتين اللتين جعلتا بولندا معروفة في كل بيت سعودي والسعودية معروفة في كل بيت بولندي انه من خلال فصلهما اصبحت بولندا والسعودية اقرب ونأمل ان نرى البلدين يوحدا جهودهما في سبيل توطيد التعاون بينهما واننا نعتبر «داريا والغا» هما السفيرتان الحقيقيتان للصداقة والسلام.
ونوه الدكتور الربيعة في ختام كلمته بردود الفعل الدافئة من قبل حكومة وشعب ووسائل الاعلام البولندي تجاه السعودية اعقاب نجاح العملية مشيراً الى ان هذه الوقفة ستبقى في ذاكرة السعوديين الذين اظهروا طبيعة وحقيقة الشعب السعودي الاصيل في حب ورعاية الانسانية ومعبراً عن عظيم شكره وتقديره للسيد يوزف هيرولد واللجنة المانحة لجائزة «فيليكس» التي عكس مشاعر وعمق وقيم الشعب البولندي العظيم.
واختتم الدكتور الربيعة زيارته الى بولندا بزيارة الى مدينة «ينكوفوا» وهي المدينة التي تنحدر منها التوأمتان البولنديتان «داريا والغا» حيث قام معاليه بجولة على المدينة والالتقاء برئيسها وبأهلها وبوالدة التوأمتين كما قام معاليه بزيارة للمدرسة التي تحتضن الطفلتين حيث استقبل بحفاوة كبيرة وألقت احدى طالبات المدرسة الابتدائية كلمة اكدوا خلالها تأثرهم الشديد بطبيعة وسخاء الملك عبدالله بن عبدالعزيز ولفتته الكريمة تجاه الطفلتين الصغيرتين من بولندا. واضافت بقولها: نحن طلاب المدرسة الابتدائية في مدينة يانيكوفو التي ستذهب اليها الاختان داريا والغا بعد بضعة اعوام لقد كنا نتابع باهتمام كبير الحالة الصحية للطفلتين وسماع خبر نجاح العملية المعقدة بمهارة الفريق السعودي حيث حصلت البولنديتان الصغيرتان على حياة جديدة بعد ان كانتا ستبقيان معاقتين طوال حياتهما. وقالت: كنا فخورين وسعداء حين علمنا بقرار اللجنة الدولية المانحة لوسام «الابتسامة» التي بناء على الطلب الموجه من قبلنا منحت الملك عبدالله بن عبدالعزيز هذا الوسام الفريد من نوعه في العالم الذي يمنح للصغار والكبار ونظراً لأن وسام «الابتسامة» يمكن ان يمنح فقط للكبار الذين يحملون الفرحة والبهجة للاطفال فإننا نرغب وبشدة ان يحصل على هذا التميز ايضاً رئيس الفريق الطبي والجراحي البروفيسور عبدالله الربيعة الذي قام بفصل الاختين التوأمتين السياميتين من مدينة يانيكوفو ان مهارة معاليكم العالية ورعايتكم وعنايتكم الفائقة بالطفلتين وتفانيكم تسبب في ان داريا والغا ولدتا ثانية واننا نقدر ونثمن مهارة وتفاني جميع اعضاء الفريق الطبي والجراحي السعودي الذي أظهر للعالم أجمع ان هناك أناسا ذوي نوايا حسنة وطيبة يساعدون الآخرين بصرف النظر عن الجنسية أو الاصل أو العمر أو الدين.. شكرا على القلب الذي أبديتموه للطفلتين (داريا والغا).