«الربع الخالي» خرافة نسجها القدماء
الحاج «عبدالله فيلبي» يصر على اسم آخر للصحراءالعظيمة
الاثنين / 10 / جمادى الآخرة / 1428 هـ الاثنين 25 يونيو 2007 20:56
عاشها: د. محمد الحربيتصوير: غازي عسيري
«الربع الخالي».. هل هناك سند علمي أو تاريخي موثق لتسمية الصحراء العظيمة جنوب شرق شبه جزيرة العرب بهذا الاسم؟ ما هو سبب التسمية؟ هل أطلقه عليها العرب القدماء؟ أم الرحالة والمستشرقون الغربيون الذين عبروها خلال رحلاتهم الاستكشافية مطلع ثلاثينات القرن الماضي؟ عن سبب تسمية «الربع الخالي» بهذا الاسم يقول الشيخ سرور بن مرسل بن سرور بن رابعة الصيعري شيخ شمل قبيلة آل غشيمة الصيعر: يعتقد البعض بأن هذه الصحراء خالية من البشر، ويعتقد آخرون بأن التسمية أطلقها بعض المستشرقين الغربيين وغيرهم من الباحثين والرحالة الذين عبروا صحراء الربع الخالي.و «الربع» لأنها تحتل ربع شبه الجزيرة العربية و «الخالي» لأنها خالية من البشر.ويضيف: ولكن على العكس فالربع الخالي كان منذ عشرات بل مئات السنين الماضية موطناً للبادية، ومقصداً لرعاة الإبل، ونقطة مجتمع شتوي، يقضي أبناء البادية معظم فصول الشتاء فيه. ويقصدونه مع كل موسم امطار.
كثيـــر من أبناء البــــادية الذين قـــــابلــنــاهـــم يعـــتــقــــدون أن اســـم الـــربــع الخالي أطـــلــق على هذه الصحراء لنفـــس الســبب الذي ذكره الشـــيخ سرور، ولكــــن لتســـمــيــة الصحراء بهذا الاسم أبعاد أكـــثر عمــقــــــاً من ذلك، خاصــــة وأنه قـــبل ان تبدأ الرحلات الاستكــــــشـافـــيـــة لهذه الصحراء، كــــان الكــــثيرون الـــذين يعـــتـــقــــدون أنها خاليـــة من البـــشر ليس عن علم حـــــقـــيــقـي، ولكن لأنــهــا كانت تعـتـبـر أكـــــبـــر بقعـــــة مجــهــولــة في العـــالـــم بعد القـــطـــبين المتجـــمدين الشـــمالي والجنـــوبي، وأكبر حـــوض رملي متصل في العالم.
البراري الغامضة
أما جون فيلبي «الحاج عبدالله فيلبي» فيقول عن سبب التسمية: لم يساورني شك في أن العرب يستخدمون بصفة عامة مصطلح «الربع الخالي» للإشارة إلى تلك البراري الفسيحة والغامضة والمجهولة التي تمتد بين يبرين وحضرموت من جهة وبين عمان ونجران من جهة أخرى، وان سكان المنطقة الأساسيين -القبائل البدوية- يألفون تماماً ذلك المصطلح ويستخدمونه بمعنيين كل معنى أكثر شمولاً وغموضاً من الثاني، وكل واحد منهما له معنى يحمل مضموناً جغرافياً واحداً وبمعنى يتناقض مع مفهوم مصطلحات وصفية مثل المظمأ (أرض العطش) ومحمل «إقليم مجدب»، وتستخدم هذه المصطلحات التي تطلق على الربع الخالي وما شابهه غالباً في صفة الجمع مثل مظامي ومحامل، ولكن الاستثناءات عديدة، والمصطلح الأخير يستخدم جغرافيا وهو المحمل (منطقة الوسط بنجد)، وحمل (جزء من الجافورة) والمحاميل (صحراء بين وادي الدواسر وبيشة)..
ويضيف فيلبي: وإذا استثنينا حقيقة أن للبدو تطبيقاً محدوداً للمصطلح ولدلالاته العامة والأوسع، فإنني أرى أن ما ذهبت إليه هنا متفق مع القبول التقليدي لاسم الربع الخالي داخل الجزيرة العربية وخارجها، وكذلك مع ما كان سائداً منذ أقل من عقد من الزمن. وربما كانت الدهشة ستصيب د. هوجارت -أحد أعظم أعلام استكشاف جغرافية الجزيرة العربية- تجاه أي اقتراح مغاير للتفسير الذي ذكرته.
كما أخبرني الدكتور بيرسي كوكس -الذي قضى أكثر من ثلاثين سنة من الخدمة المميزة في مسقط وأماكن أخرى في الخليج العربي، ودرس مشروع اختراق الربع الخالي شخصياً- بأنه يرى أن العرب يفهمون تماماً معنى المصطلح، وأنه ينطبق على كل الصحراء الجنوبية العظيمة. ويضيف فيلبي: وبهذا الدعم الذي يسنده تقليد ضارب في التاريخ والمؤيد أيضاً بما تداوله الأدباء والكتاب الكلاسيكيون لقرون طويلة، لا أرى ثمة داعيا لمواصلة الحديث حول هذا الموضوع، ولكن كان كل من الرائد تشيزمان وبرترام توماس قد اقترحا على التوالي -خلال السنوات الماضية- بأن المصطلح المشرّف (الربع الخالي) ليس أكثر من خرافة نسجها الكتاب القدماء والكتب الدراسية الجغرافية وهذان رأيان جديران بالحسبان والدراسة.
يتناول تشيزمان في كتابه «في الجزيرة العربية المجهولة» هذا الموضوع بإيجاز وبشكل حازم، ويشير في فقرة من كتابه «العربية السعيدة» إلى صحراء الجزيرة العربية الجنوبية العظيمة، التي يشار إليها في الخرائط باسم «الربع الخالي» أو بالأصح الجزء الجنوبي منه باسم «الأحقاف» والجزء الشمالي باسم «الرمال». ويذكر في مكان آخر أن «الصحراء الجنوبية العظيمة، الرمال أو الربع الخالي كما أشار إليه الكتاب القدماء» ثم يرد من الهامش قوله: «في الإحساء يشار إلى الجزء الشمالي من الصحراء الجنوبية العظيمة باسم «الرمال» وإلى الجزء الجنوبي باسم «الأحقاف» أما اسم الربع الخالي فلا أحد يفهمه هناك».
الرمال العظيمة
أما السيد توماس فيقول في «العربية السعيدة» في فصل كامل خصص لموضوع «مذكرة جغرافية حول الربع الخالي» ما يأتي: «ان كل منطقة جنوب شرقي الجزيرة العربية يشار إليها في خرائطنا باسم (الربع الخالي) فالمعنى حرفي إلى الحد الذي يسلبه من أي معنى تطبيقي، وان المصطلح تقتصر معرفته فقط على المتعلمين الذين درسوا الجغرافيا من الكتب الدراسية، أما القبائل التي تعيش هنا فلا تستخدم هذا المصطلح ولا تفهمه بمعناه الجغرافي».
وهو لا يذكر اسم «الأحقاف» ولا يناقش مفهوم مصطلح «الرمال» مع أنه يستخدمه مشيراً بذلك إلى كل الرمال العظيمة التي مر بها في طريقه إلى بنيان وتلك الصحراء القاحلة التي تقع إلى الغرب من طريقه. وكما فعل الرائد تشيزمان فإن توماس يستخدمه بجرأة وإصرار كبديل لمصطلح (الربع الخالي) الذي شطب أو حذف من خريطة الجزيرة العربية بطريقة غير مقنعة. ومع ذلك تراه يستخدم المصطلح الأخير بدون قيود وبما يناسبه كما يستخدمه كعنوان لخريطته. ويضيف فيلبي: وهكذا تقف أدلة الادعاء. فلا أحد يتوقع أن يكون البدوي دقيقاً فيما يستخدمه من مصطلحات جغرافية، ولكنهم يعرفون تماماً عن ماذا يتحدثون، ولا يعنيهم كثيراً ما إذا كان مصطلح ما يتخطى أو يتطابق جزئياً مع مصطلح آخر عند الكتابة، وخاصة عندما يخضعان سوياً لاستخدامات غير ضرورية، كما يعرفون أن المعالم التي تمثلها مثل هذه المصطلحات تتداخل وتمتزج في الواقع.
ويقول: فيلبي: عندما ذهبت إلى وادي الدواسر عام 1918م (1337هـ) ملتفاً حول الطرف الشمالي من الربع الخالي كنت كثيراً ما أناقش محتواه وخصائصه، وكان رفاقي يستخدمون مصطلح «الربع الخالي» دون قيود وبطريقة تدل على الذكاء، وقد استخدم الملك عبدالعزيز ووزراؤه نفس المصطلح أثناء الإعداد لحملتي هذه، كما استخدمه ابن جلوي، وارتعش سعدان لمجرد سماعه باسم «الربع الخالي».
وقد ظن القصيبي وبعض أصدقائي بأن بي مسا من الجنون عندما علموا بنيتي في اختراق منطقة ذات اسم بغيض ومنفر.
وفي موضع آخر يقول فيلبي: كانت المصطلحات مثل «الرمل» و «الرملة» و «الرمال» كثيرة الورود في محادثاتهم. ولاحظت أن أشخاصاً يستخدمون هذه المصطلحات كإقليم ألفوه ولا يثير فيهم خوفاً ورهبة. ومع ذلك فقد كان شائعاً منذ بداية مسيرنا أن برنامجنا يشمل رحلة تبدأ من شنَّه أو حضرموت إلى السليل، وكان مصطلح «الربع الخالي» يتردد على شفاههم تماماً كما يتردد مصطلح «الرملة» الذي كان يستخدم أكثر من مصطلح «الرمال» إما بعمومية تشمل كل منطقة «الرمل» كما يفهمونها أو بإضافة اسم محلي لتحديد منطقة رملية معينة مثل: رملة مقينمة، رملة شنَّة.. الخ.
إذا ما هو الشيء الذي يميز بين «الرمل» و «الربع الخالي» في نظرهم مع الأخذ في الحسبان بأن كل المنطقة المعنية عبارة عن مجر من الرمال.
ويجيب فيلبي على السؤال بنفسه: لقد كان التمييز بين مظهرين محددين: المراعي من ناحية والماء من ناحية أخرى. وسرعان ما اتضحت حقيقة أن المناطق الرعوية المختلفة تحمل أسماء الآبار التي كان البدو يخيمون عندها وتحمل أسماء مثل: رملة كذا ورملة كذا، باستثناء سنام مع أنها منطقة رعوية وبها آبار. وثمة استثناءات أخرى موجودة ولكن القاعدة العامة السائدة هي أن يقال: بئر حزام الحاذ أو حزام الخلة أو أي حزام من نوع آخر.
آلاف الآبار
استطرد جون فيلبي كثيراً في تشريح حقيقة تسمية الربع الخالي ولكنه وصل إلى نتيجة حتمية وقاطعة عندما قال: «أنا لا أتردد البتة في أن أعيد إلى الصحراء الجنوبية العظيمة الاسم الذي عرفها به العرب منذ أن روت شهرزاد إلى الملك شهريار قصة معروف الإسكافي الذي نقل بواسطة الجن إلى وسط «الربع الخراب»، ويعد بورتون هذا الاسم مماثلاً للاسم الربع الخالي وذلك هو الصحيح».
وخلص فيلبي إلى نتيجة نهائية بأن كل الصحراء الجنوبية العظيمة هي بالفعل الربع الخالي المغايرة للعالم المسكون، وأن جزءاً كبيراً منها -التي عادة ما يرتادها البدو الرحل وتحتوي على آلاف الآبار- معروف لدى هؤلاء الرعاة وجيرانهم باسم «الرملة» أو «الرمال» بينما يندرج جزء من الأخير، الذي يحتوي فقط على آبار مالحة، تحت اسم الخيران، وجزءاً آخر يحتوي على مياه قابلة للشرب هو السنام، وآخر هو الطويل وهكذا، وما يتبقى بعد طرح مناطق المياه هذه هو الربع الخالي الأصلي -الصحراء المجدبة- الخالي بحساب وتقدير البدو. أما الاسم «الأحقاف» الذي يرد كثيراً في الأدبيات، فلم أسمعه أبداً إلا على لسان المتحذلقين والمعلمين، وقد يكون هذا الاسم معروفاً لدي، ومستخدماً من قبل عرب حضرموت الذين لا خبرة لي بهم.
كثيـــر من أبناء البــــادية الذين قـــــابلــنــاهـــم يعـــتــقــــدون أن اســـم الـــربــع الخالي أطـــلــق على هذه الصحراء لنفـــس الســبب الذي ذكره الشـــيخ سرور، ولكــــن لتســـمــيــة الصحراء بهذا الاسم أبعاد أكـــثر عمــقــــــاً من ذلك، خاصــــة وأنه قـــبل ان تبدأ الرحلات الاستكــــــشـافـــيـــة لهذه الصحراء، كــــان الكــــثيرون الـــذين يعـــتـــقــــدون أنها خاليـــة من البـــشر ليس عن علم حـــــقـــيــقـي، ولكن لأنــهــا كانت تعـتـبـر أكـــــبـــر بقعـــــة مجــهــولــة في العـــالـــم بعد القـــطـــبين المتجـــمدين الشـــمالي والجنـــوبي، وأكبر حـــوض رملي متصل في العالم.
البراري الغامضة
أما جون فيلبي «الحاج عبدالله فيلبي» فيقول عن سبب التسمية: لم يساورني شك في أن العرب يستخدمون بصفة عامة مصطلح «الربع الخالي» للإشارة إلى تلك البراري الفسيحة والغامضة والمجهولة التي تمتد بين يبرين وحضرموت من جهة وبين عمان ونجران من جهة أخرى، وان سكان المنطقة الأساسيين -القبائل البدوية- يألفون تماماً ذلك المصطلح ويستخدمونه بمعنيين كل معنى أكثر شمولاً وغموضاً من الثاني، وكل واحد منهما له معنى يحمل مضموناً جغرافياً واحداً وبمعنى يتناقض مع مفهوم مصطلحات وصفية مثل المظمأ (أرض العطش) ومحمل «إقليم مجدب»، وتستخدم هذه المصطلحات التي تطلق على الربع الخالي وما شابهه غالباً في صفة الجمع مثل مظامي ومحامل، ولكن الاستثناءات عديدة، والمصطلح الأخير يستخدم جغرافيا وهو المحمل (منطقة الوسط بنجد)، وحمل (جزء من الجافورة) والمحاميل (صحراء بين وادي الدواسر وبيشة)..
ويضيف فيلبي: وإذا استثنينا حقيقة أن للبدو تطبيقاً محدوداً للمصطلح ولدلالاته العامة والأوسع، فإنني أرى أن ما ذهبت إليه هنا متفق مع القبول التقليدي لاسم الربع الخالي داخل الجزيرة العربية وخارجها، وكذلك مع ما كان سائداً منذ أقل من عقد من الزمن. وربما كانت الدهشة ستصيب د. هوجارت -أحد أعظم أعلام استكشاف جغرافية الجزيرة العربية- تجاه أي اقتراح مغاير للتفسير الذي ذكرته.
كما أخبرني الدكتور بيرسي كوكس -الذي قضى أكثر من ثلاثين سنة من الخدمة المميزة في مسقط وأماكن أخرى في الخليج العربي، ودرس مشروع اختراق الربع الخالي شخصياً- بأنه يرى أن العرب يفهمون تماماً معنى المصطلح، وأنه ينطبق على كل الصحراء الجنوبية العظيمة. ويضيف فيلبي: وبهذا الدعم الذي يسنده تقليد ضارب في التاريخ والمؤيد أيضاً بما تداوله الأدباء والكتاب الكلاسيكيون لقرون طويلة، لا أرى ثمة داعيا لمواصلة الحديث حول هذا الموضوع، ولكن كان كل من الرائد تشيزمان وبرترام توماس قد اقترحا على التوالي -خلال السنوات الماضية- بأن المصطلح المشرّف (الربع الخالي) ليس أكثر من خرافة نسجها الكتاب القدماء والكتب الدراسية الجغرافية وهذان رأيان جديران بالحسبان والدراسة.
يتناول تشيزمان في كتابه «في الجزيرة العربية المجهولة» هذا الموضوع بإيجاز وبشكل حازم، ويشير في فقرة من كتابه «العربية السعيدة» إلى صحراء الجزيرة العربية الجنوبية العظيمة، التي يشار إليها في الخرائط باسم «الربع الخالي» أو بالأصح الجزء الجنوبي منه باسم «الأحقاف» والجزء الشمالي باسم «الرمال». ويذكر في مكان آخر أن «الصحراء الجنوبية العظيمة، الرمال أو الربع الخالي كما أشار إليه الكتاب القدماء» ثم يرد من الهامش قوله: «في الإحساء يشار إلى الجزء الشمالي من الصحراء الجنوبية العظيمة باسم «الرمال» وإلى الجزء الجنوبي باسم «الأحقاف» أما اسم الربع الخالي فلا أحد يفهمه هناك».
الرمال العظيمة
أما السيد توماس فيقول في «العربية السعيدة» في فصل كامل خصص لموضوع «مذكرة جغرافية حول الربع الخالي» ما يأتي: «ان كل منطقة جنوب شرقي الجزيرة العربية يشار إليها في خرائطنا باسم (الربع الخالي) فالمعنى حرفي إلى الحد الذي يسلبه من أي معنى تطبيقي، وان المصطلح تقتصر معرفته فقط على المتعلمين الذين درسوا الجغرافيا من الكتب الدراسية، أما القبائل التي تعيش هنا فلا تستخدم هذا المصطلح ولا تفهمه بمعناه الجغرافي».
وهو لا يذكر اسم «الأحقاف» ولا يناقش مفهوم مصطلح «الرمال» مع أنه يستخدمه مشيراً بذلك إلى كل الرمال العظيمة التي مر بها في طريقه إلى بنيان وتلك الصحراء القاحلة التي تقع إلى الغرب من طريقه. وكما فعل الرائد تشيزمان فإن توماس يستخدمه بجرأة وإصرار كبديل لمصطلح (الربع الخالي) الذي شطب أو حذف من خريطة الجزيرة العربية بطريقة غير مقنعة. ومع ذلك تراه يستخدم المصطلح الأخير بدون قيود وبما يناسبه كما يستخدمه كعنوان لخريطته. ويضيف فيلبي: وهكذا تقف أدلة الادعاء. فلا أحد يتوقع أن يكون البدوي دقيقاً فيما يستخدمه من مصطلحات جغرافية، ولكنهم يعرفون تماماً عن ماذا يتحدثون، ولا يعنيهم كثيراً ما إذا كان مصطلح ما يتخطى أو يتطابق جزئياً مع مصطلح آخر عند الكتابة، وخاصة عندما يخضعان سوياً لاستخدامات غير ضرورية، كما يعرفون أن المعالم التي تمثلها مثل هذه المصطلحات تتداخل وتمتزج في الواقع.
ويقول: فيلبي: عندما ذهبت إلى وادي الدواسر عام 1918م (1337هـ) ملتفاً حول الطرف الشمالي من الربع الخالي كنت كثيراً ما أناقش محتواه وخصائصه، وكان رفاقي يستخدمون مصطلح «الربع الخالي» دون قيود وبطريقة تدل على الذكاء، وقد استخدم الملك عبدالعزيز ووزراؤه نفس المصطلح أثناء الإعداد لحملتي هذه، كما استخدمه ابن جلوي، وارتعش سعدان لمجرد سماعه باسم «الربع الخالي».
وقد ظن القصيبي وبعض أصدقائي بأن بي مسا من الجنون عندما علموا بنيتي في اختراق منطقة ذات اسم بغيض ومنفر.
وفي موضع آخر يقول فيلبي: كانت المصطلحات مثل «الرمل» و «الرملة» و «الرمال» كثيرة الورود في محادثاتهم. ولاحظت أن أشخاصاً يستخدمون هذه المصطلحات كإقليم ألفوه ولا يثير فيهم خوفاً ورهبة. ومع ذلك فقد كان شائعاً منذ بداية مسيرنا أن برنامجنا يشمل رحلة تبدأ من شنَّه أو حضرموت إلى السليل، وكان مصطلح «الربع الخالي» يتردد على شفاههم تماماً كما يتردد مصطلح «الرملة» الذي كان يستخدم أكثر من مصطلح «الرمال» إما بعمومية تشمل كل منطقة «الرمل» كما يفهمونها أو بإضافة اسم محلي لتحديد منطقة رملية معينة مثل: رملة مقينمة، رملة شنَّة.. الخ.
إذا ما هو الشيء الذي يميز بين «الرمل» و «الربع الخالي» في نظرهم مع الأخذ في الحسبان بأن كل المنطقة المعنية عبارة عن مجر من الرمال.
ويجيب فيلبي على السؤال بنفسه: لقد كان التمييز بين مظهرين محددين: المراعي من ناحية والماء من ناحية أخرى. وسرعان ما اتضحت حقيقة أن المناطق الرعوية المختلفة تحمل أسماء الآبار التي كان البدو يخيمون عندها وتحمل أسماء مثل: رملة كذا ورملة كذا، باستثناء سنام مع أنها منطقة رعوية وبها آبار. وثمة استثناءات أخرى موجودة ولكن القاعدة العامة السائدة هي أن يقال: بئر حزام الحاذ أو حزام الخلة أو أي حزام من نوع آخر.
آلاف الآبار
استطرد جون فيلبي كثيراً في تشريح حقيقة تسمية الربع الخالي ولكنه وصل إلى نتيجة حتمية وقاطعة عندما قال: «أنا لا أتردد البتة في أن أعيد إلى الصحراء الجنوبية العظيمة الاسم الذي عرفها به العرب منذ أن روت شهرزاد إلى الملك شهريار قصة معروف الإسكافي الذي نقل بواسطة الجن إلى وسط «الربع الخراب»، ويعد بورتون هذا الاسم مماثلاً للاسم الربع الخالي وذلك هو الصحيح».
وخلص فيلبي إلى نتيجة نهائية بأن كل الصحراء الجنوبية العظيمة هي بالفعل الربع الخالي المغايرة للعالم المسكون، وأن جزءاً كبيراً منها -التي عادة ما يرتادها البدو الرحل وتحتوي على آلاف الآبار- معروف لدى هؤلاء الرعاة وجيرانهم باسم «الرملة» أو «الرمال» بينما يندرج جزء من الأخير، الذي يحتوي فقط على آبار مالحة، تحت اسم الخيران، وجزءاً آخر يحتوي على مياه قابلة للشرب هو السنام، وآخر هو الطويل وهكذا، وما يتبقى بعد طرح مناطق المياه هذه هو الربع الخالي الأصلي -الصحراء المجدبة- الخالي بحساب وتقدير البدو. أما الاسم «الأحقاف» الذي يرد كثيراً في الأدبيات، فلم أسمعه أبداً إلا على لسان المتحذلقين والمعلمين، وقد يكون هذا الاسم معروفاً لدي، ومستخدماً من قبل عرب حضرموت الذين لا خبرة لي بهم.