الأمن القومي العربي.. عودة للأصول

د. طلال صالح بنان

من أهم مشاكل النظام العربي، حالياً، خروج مشاكله المعلقة عن مؤسسات النظام العربي وفعالياته، خاصة الرئيسية منها. ذهب الوقت الذي كانت أي مشكلة تواجه النظام العربي ذات صلة بعلاقة أعضائه وفعالياته غير الرسمية، كفيل أن تسوى من قبل مؤسسة القمة العربية، وإلى حدٍ ما الجامعة العربية. في سبتمبر 1970 تدخلت القمة العربية، مستخدمةً آليات الجامعة العربية، في وقف الاقتتال بين الفلسطينيين والأردنيين، في ما عُرف بأيلول الأسود. قرارات قمة الخرطوم أغسطس سبتمبر 1967، عقب هزيمة حرب الأيام الستة، كانت كافية لإدارة دفة الصراع مع إسرائيل، عربياً، حتى حرب أكتوبر 1973. قبل ذلك كان للنظام العربي دور في إفشال استراتيجية الأحلاف الدولية.. وفي أحداث لبنان عام 1958، بإفشال الإنزال الأمريكي هناك. اليوم يبدو صعباً على النظام العربي، أن يتعامل مع مشاكل لبنان الداخلية.. ومع الصراع المحتدم بين الفلسطينيين في الأراضي العربية المحتلة... دعك في إمكانية احتواء ما يحدث في الصومال.. وما يحدث في العراق، وفي السودان.. وما يتفاعل في منطقة الخليج العربي. هناك قوىً إقليمية ودولية في مواجهة النظام العربي ومؤسساته وفعالياته، في كلٍ من تلك البؤر الساخنة على مساحة النظام العربي الواسعة، من المحيط إلى الخليج.
هناك كلام، هذه الأيام، عن استعادة الجامعة العربية واللجنة الخماسية العربية لجهودها في رأب الصدع بين اللبنانيين. ويتردد أن هناك تحركا تجاه تفعيل لجنة تقصي الحقائق العربي تجاه الجبهة الفلسطينية. ولكن المشكلة أن هذه الجهود العربية لرأب صدع ذات البين بين الأخوة العرب، تتجاوزها تلك القوى الإقليمية والدولية التي تصب الزيت على النار المشتعلة فيها، في لبنان تعثرت جهود الجامعة العربية واللجنة الخماسية العربية في تقريب وجهات النظر بين الأخوة “الأعداء” هناك، بسبب هذه المتغيرات الدولية والإقليمية، التي تزاحم أي جهد عربي في لبنان تحتدم خصومة حادة بين الحكومة والمعارضة، خارج مؤسسات الشرعية اللبنانية، حتى أنها تؤثر في عملها. قرارات دولية تتوالى على لبنان، تعمق الهوة بين المعارضة والحكومة، حتى تطور الأمر في الصيف الماضي بتدخل إسرائيل على الخط، لتشن عدواناً هو الأطول في تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية. يتطور بصورة مباشرة، بعيداً عن الأمم المتحدة، نفوذ أمريكي فرنسي إيراني متنامٍ في لبنان، يجعل الفرقاء اللبنانيين أبعد عن حل بينهم... ويستعصي عن أي تدخل عربي للحفاظ على وحدة واستقلال. في الأراضي الفلسطينية، أيضاً، يطغى المتغيران الدولي والإقليمي، على جهود النظام العربي لرأب الصدع بين الفلسطينيين. هناك أزمة شرعية في الأراضي المحتلة، حتى وقع اقتتال حتى الموت بين “الأخوة” الفلسطينيين.. وإسرائيل تمارس إبادة منظمة للجميع.. وهناك حديث عن نشر قوات دولية في غزة... كل ذلك يجعل “الأخوة” الفلسطينيين يتشددون في مواقفهم ضد بعضهم البعض، حتى تُصفى القضية تماماً.. ويأخذون الجميع، كما قال الأمير سعود الفيصل، إلى الهاوية.
صحيح أن الأوضاع الإقليمية والدولية تغيرت، عن تلك التي كانت في الخمسينات، وحتى الثمانينات، من القرن الماضي، عندما كان النظام العربي أكثر كفاءة في التعامل مع بؤر عدم الاستقرار في داخله... ولكن، الصحيح أيضاً، أن مقومات الأمن القومي العربي تظل كما هي، بل وتزداد خطورتها بازدياد تحديات المرحلة، مع الوقت. لا يكفي النظام العربي أن يكون فاعلاً بين فاعلين.. ولكن، عليه أن يكون الفاعل الرئيس، حتى مع وجود فاعلين آخرين. عندها سوف نلحظ تغيراً حقيقياً في أداء وكفاءة مؤسسات النظام العربي وفاعليتها في التعامل مع التحديات التي تواجه أمن العرب القومي.