رهانات على مستقبل المنطقة

دينيس روس

هناك الآن حكومتان فلسطينيتان إحداهما تقودها حماس في غزة، والأخرى يقودها أبومازن في الضفة، فهل يستطيع عباس أن يقدم تنازلاً رئيسياً مثل التخلّي عن حق العودة في مقابل الوضع النهائي الملائم لقيام الدولة الفلسطينية؟ وهل سيساعد ذلك في تدعيم قدرته على منافسة حماس؟ وعلى الطرف الآخر، في ظل رئيس حكومة ضعيف الآن مثل ايهود أولمرت، هل سيكون ممكناً له أن يقدم تنازلات بشأن وضع القدس؟ وهل سيكون الجمهور الإسرائيلي على استعداد للتفكير في تنازل أساسي مثل القدس، في وقت ما عاد فيه شيء مؤكداً على الجانب الفلسطيني؟ وإذا لم يكن الإسرائيليون ولا الفلسطينيون جاهزين الآن لتنازلات مهمة متبادلة، فمن سيكون جاهزاً في المنطقة للتنازل في مسألة اللاجئين أو الدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح أو القدس؛ وهذه كلها أمور بارزة ستكون جزءاً في أي أفق سياسي جدي؟ إن هذا هو الوقت الذي سيكون فيه على الولايات المتحدة أن تعيد تحديد أهدافها. فهوية الشعب الفلسطيني بالذات هي على المحك. هل سيُتبنى جدول أعمال وطني وعلماني، أو جدول أعمال إسلامي؟ فالنزاعات القومية على صعوبتها، يمكن التفكير في حلها، أما النزاعات الدينية فلا حل لها. إن على الولايات المتحدة الآن التركيز على إعطاء فتح الفرصة للكسب في التنافس الجاري. وهذا لا يعني أن الأمريكيين أو أي طرف آخر يستطيع بالنيابة عن فتح القيام بما عليها أن تقوم به. على فتح أن تعيد إنتاج نفسها. عليها أن تصحّح الصورة السائدة عنها أنها مجموعة فاسدة لا يهمها إلا مصالح المنضوين فيها. والأحاديث عن الإصلاح ينبغي أن تتحول إلى أعمال. لقد اجتمعت مع نحو الثلاثين من كوادر فتح أخيراً ومن بينهم «شبيبة فتح»، ووجدت أن ما حدث في غزة كان بمثابة جرس إنذار للشباب على الأقل. ذلك أن كثيراً منهم أدركوا أخيراً أنهم ما لم يصلحوا أنفسهم وينافسوا حماساً على الأرض؛ فإنها قد تتمكن من أخذ الضفة الغربية أيضاً. وإذا وضعنا ذلك في أذهاننا، فيمكن العمل مع رئيس الوزراء الجديد سلام فياض على برنامج للإنقاذ والدعم لا يعني فقط التمكن من دفع المرتبات؛ بل يعني أيضاً تقوية الفعالية والتنظيم، ورفع مستوى الخدمات في المجتمع المحلي. فالمفتاح لذلك بناء حوافز لإصلاح حقيقي ضمن فتح نفسها؛ بربط المساعدة بالتغيير الضروري (وهذا الأمر في الواقع سيُقوّي سلام فياض الذي يُنتظر أن تلقى بعض إجراءات الشفافية التي يعتزم القيام بها مقاومة من جهات عدة). والأمر الثاني الذي أفكر فيه: التنسيق مع الإسرائيليين لجعل الحياة أسهل على عناصر فتح التي تحاول التصحيح والتغيير. وهذا لا يعني فقط النظر في إطلاق المعتقلين؛ بل التفكير في كيفية التوفيق بين الاهتمامات الأمنية الإسرائيلية، وقدرة الناس على الحركة والتجارة في الضفة الغربية، فإذا كان تسهيل التحرك سيعني عودة القنابل للانفجار في إسرائيل فإن هذه المقاربة لن تكون ممكنة ولا دائمة، إن ذلك يتطلب التنسيق مع قوى فتح العاملة في الضفة الغربية وعلى المعابر، وربما التنسيق أيضاً مع السلطة الأردنية، لفتح المجال في المواطن التي يُثبت فيها الفلسطينيون قدرة على الضبط أو ينبغي مساعدتهم لضمان الأمن وحرية الحركة في الوقت نفسه. والأمر الثالث أنه لابد من بذل جهود كبيرة لمنع تدفق السلاح الى قطاع غزة، وتستطيع مصر أن تبذل جهوداً أكثر بكثير لإقفال المعابر والأنفاق أمام السلاح المهرّب. ذلك أنه إذا وصلت صواريخ بعيدة المدى إلى غزة وأُطلقت على البلدات والمدن الإسرائيلية، ستضطر إسرائيل إلى أن تفعل شيئاً إزاء ذلك. وإذا صارت الحياة أصعب في غزة؛ فإن حماساً سيكون بوسعها لفت الانتباه عن فشلها، وحشد الناس من ورائها لمكافحة إسرائيل، ولا ينبغي أن نُهمل احتمال توسّع النزاع. فقد أُطلقت صواريخ من جنوب لبنان على إسرائيل.
والأمر الرابع أن إسرائيل والمجتمع الدولي يستطيعان فرض التزامات على حماس لأنها تملك السلطة بغزة، لا ينبغي إيقاف المساعدات الإنسانية أو عرقلتها؛ لكن حماس تتحمل الآن المسؤولية، فهل تستطيع الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل من أجل الاستمرار في إمداد غزة بالكهرباء إذا كانت الصواريخ ستظل تُطلق من غزة على القرى الإسرائيلية؟ إن على الولايات المتحدة أن تعمل على بناء إجماع دولي بشأن ما يمكن تقديمه وما لا يمكن تقديمه لغزة إذا كانت حماس ترفض الالتزام بشيء، ولا تغيّر سلوكها. ثم إن على الولايات المتحدة أن تقف على أرضية إجماع مع القادة العرب، خصوصاً المملكة العربية السعودية، لابد أن تصبح الضفة الغربية نموذجاً للنجاح بحيث يرى الفلسطينيون والآخرون أن الاعتدال يجلب النجاح. الرهانات عالية جداً. وهي لا تؤثر على مستقبل الإسرائيليين والفلسطينيين فقط، بل وعلى مستقبل المنطقة كلها.
* عن «وول ستريت جورنال»