أغبياء يقودهم مجانين

تشارلي ريز

حركة تطور الأعذار والتبريرات للاندفاع إلى الحرب العراقية، ثم إلى الاستمرار فيها، بدأت تتحوّل إلى مسرحية هزلية. العذر الأول كان أسلحة الدمار الشامل، فهل تتذكرون الكلام المتواصل عن أسلحة الدمار الشامل، «أسوأ الأسلحة بين يدي أسوأ دكتاتور»؟ وهل تذكرون ما قاله الرئيس بوش عن السبب الوحيد لهذه الحرب، كان لنزع سلاح صدام حسين؟ وهل تتذكرون الحديث عن قرب التوصل إلى اكتشاف السلاح النووي في العراق؟ وكيف تم تصوير العراق أنه يشكل خطراً داهماً على العالم؟ بيد أنه لم يعثر على أي سلاح للدمار الشامل في ذلك البلد. في ما بعد راح مسؤولون أمريكيون يروجون لرواية جديدة هي أن صدام كان يريد أن يظن الناس أنه يمتلك أسلحة دمار شامل. ثم برز العذر الثاني، هو أن بوش يعتزم نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط، انطلاقاً من العراق، لكن هذا الزعم لم يتجاوز حدود إجراء انتخابات، كان الجميع متأكدين من أنها سوف تُسفر عن انتخاب أغلبية شيعية مع أقليتين ضعيفتين من الأكراد والسنة، ونجم عن ذلك قيام حكومة أثبتت أنها مشلولة أو غير فعالة، كما أنها ساهمت في تفاقم النفوذ الإيراني إلى حد كبير، ولم تفعل شيئاً لمنع انطلاق شرارة الحرب الأهلية في العراق. في الآونة الأخيرة ألمح الرئيس بوش إلى أن إيمانه بالديمقراطية بدأ يضعف، وبأنه يقبل بوجود سلطة معقولة. لكن المشكلة هي أن الولايات المتحدة لا تستطيع حتى العثور على «دكتاتور» يكون راغباً في استلام هذه المهمة نظراً للأوضاع الراهنة.
الآن بعد أن تحول الأمر إلى كيفية اعادة أمريكيين من حرب طالت أكثر من الحرب العالمية الثاينة، أصبح العذر الأخير، والأشد غموضاً وهو أنه يجب الحفاظ على «الاستقرار»، أي: إذا غادرنا العراق، ستحصل موجة من عدم الاستقرار، وهذا العذر لا يمكن لأي صاحب عقل أن يُصدّقه، فالعراق غير مستقر أصلاً، وهو في قلب حرب أهلية، مع أكثر من مليون لاجئ وأكثر من مليون مُهجّر في الداخل، بالإضافة إلى مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمصابين، في ظل اقتصاد منهار وبنى تحتية محطمة. ومن السخرية أن آخر فترة شهد فيها العراق حالاً من الاستقرار كانت في ظل صدام حسين، والعراق اليوم غير مستقر لأننا نحن جعلناه كذلك، ونحن دمّرنا البنى التحتية العراقية، كما دمرنا اقتصاده وحكومته، وأكبر كذبة تعمل إدارة بوش على ترويجها هي محاولة توجيه اللوم في ذلك إلى صدام، لأنه لم يحرص على تحسين البنى التحتية للعراق، وهذه الإدارة تتناسى أننا نحن دمرنا تلك البنى التحتية في الحروب وأعمال القصف والعقوبات الاقتصادية. والأعجوبة كانت أن صدام بالرغم من كل ما كنا نقوم به كان قادراً على إنتاج كميات أكبر من الكهرباء والنفط مما نحن قادرون عليه في فترة احتلالنا اليوم. أخيراً كيف يمكن للولايات المتحدة أن تزعم بعد مضي أربع سنوات، أنه لا يوجد بعد العدد الكافي من قوات الجيش والشرطة المدربة لاستلام مسؤولية الشؤون الأمنية؟ ولماذا تقوم أمريكا ببناء أكبر سفارة لها في العالم في دولة من دول العالم الثالث وتشهد حالة من الفوضى العارمة؟ إن ما فعله بوش هو تدمير مصداقية الولايات المتحدة، وتلطيخ سمعتها لدرجة لم نعد قادرين معها على تنظيفها. وهذا دليل على ضعف قيادتنا وهشاشة جيشنا، بالإضافة إلى أنه السبب الذي يجعل الكثيرين مقتنعين بأننا أمة شريرة من الأغبياء الذين يقودهم مجانين.
* كاتب أمريكي - ترجمة: جوزيف حرب