اليهود ارتكبوا اقدم «هولكست» في التاريخ
مدير آثار نجران يروي القصة الكاملة لحريق «أصحاب الأخدود»
الثلاثاء / 03 / رجب / 1428 هـ الثلاثاء 17 يوليو 2007 19:44
عاشها: د. محمد الحربي -تصوير: غازي عسيري
كانت الاخدود في الزمن البعيد حاضرة نجران ومقراً للقوافل التجارية وتعاقبت عليها عدة دول آخرها الدولة المحمدية التي انتهت فترة حكمها في عهد الملك ذونواس الذي ارتكب مجزرة الاخدود عندما أراد ان يردع أهل رقمان كما كانت تسمى عند اتباع الديانة الجديدة، بعد أن امنوا بالله واعتنقوا النصرانية وأراد أن يعيدهم إلى الديانة اليهودية، التي كان يدين بها، وعندما رفضوا ترك دينهم غضب الملك وأمر بحفر الأخاديد، وقتل وعذب عشرات الآلاف منهم وأحرقهم فيها، ومازالت آثار ذلك الحريق الكبير موجودة وشاهدة على هول ما حدث في منتصف الألف الأول الميلادي تقريبا.. وكأنما هذه الحادثة أقدم «هولوكوست» في التاريخ الإنساني ارتكبه ملك يهودي لإبادة النصارى الذين رفضوا العودة عن دينهم. صالح بن محمد آل مريح مدير ادارة الآثار بنجران حدثنا عن القصة الحقيقية لأصحاب الاخدود وليس كما هي في أذهان الكثيرين، وعن انتشار الديانة النصرانية، وعن مذبحة الاخدود الشهيرة قائلا: كانت نجران في الغالب تمثل جزءاً من الصراع الدائر بين ممالك جنوب الجزيرة العربية وخلال القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد تأثرت بالسيطرة المعينية على طرق التجارة في الجزيرة العربية حتى البحر الأبيض المتوسط ويعتقد بعض المستشرقين أن نجران انضوت بالكامل تحت حكم دولة معين خلال هذه الفترة وخلال القرن الثاني والثالث الميلاديين.
وأضاف آل مريح بأن نجران تأثرت أيضا بالصراعات التي وقعت بين الأسر السبئية الحاكمة في بداية القرن الثالث الميلادي. كان عصر التجارة البرية قد بدأ في الاضمحلال نتيجة للصراعات الدائرة إلى جانب كساد في التجارة. وفي حوالى سنة 250م تمكنت دولة حمير بزعامة الملك «شمر يهرعش» الشهير من السيطرة على أراضي السبئيين السابقة وأصبح الحميريون بذلك حكام جنوب الجزيرة العربية بدون منازع وخلال هذه الفترة يبدو ان نجران كانت عضوا في تحالف يضم إلى جانبها الأحباش وكنده تتزعمه الدولة الحميرية.
ويضيف آل مريح: من ناحية أخرى لعبت الإمبراطورية البيزنطية دورا كبيرا في نشر الديانة المسيحية داخل وخارج مناطق نفوذها، وذلك بعد أن قام الإمبراطور الروماني (قسطنطين) بنقل الحكم من روما إلى بيزنطة، واعتنق الديانة المسيحية ومن ثم عمل جاهدا على نشرها داخل وخارج الجزيرة العربية، فكانت نجران واحدة من المدن التي اعتنق أهلها الديانة المسيحية، وذلك على الأرجح خلال القرن الخامس الميلادي.
انتشار الديانة المسيحية في نجران أثار حفيظة الملك (يوسف إسار)، الذي عرف بذي نواس، وهو آخر ملوك حمير، وكان آنذاك يعتنق الديانة اليهودية ويحرص على نشرها داخل مناطق نفوذ دولته. فما كان منه إلا أن قام بغزو المدينة (الأخدود) وظفر بها بعد حصار استمر ستة أشهر من سنتي 524-525م، ثم خير أهلها بين العدول عن المسيحية إلى اليهودية أو القتل.
اختاروا القتل فحفر لهم الأخدود (الخندق) وأوقد فيه النار، فأحرق بالنار وقتل بالسيف ومثل بهم، حتى قتل منهم ما يقارب الـ 20 ألف ويقال 90 ألف نسمة. وكانت هذه الحادثة سببا في قيام الحبشة بإيعاز من الدولة البيزنطية بغزو جنوب الجزيرة والقضاء على الملك ذي نواس ودولته.
مشاهدات داخل الاخدود
كاميرا «عكاظ» رصدت خلال جولتنا داخل مدينة الاخدود الاثرية برفقة مدير ادارة الآثار والمتاحف عدداً من المشاهدات، حيث يوجد على مدخل المدينة لوحة كبيرة تشرح القصة الكاملة لأصحاب الاخدود: هناك بقايا العظام البشرية منتشرة في كل مكان، في الممرات وعلى الجدران الترابية، وتعود بقايا العظام هذه لأكثر من 90 ألف رجل وامرأة وطفل وشيخ، قضوا نحبهم حرقا في ذلك الحريق الضخم، وذلك وفق ما أكده لنا مدير الآثار، كما أن آثار الحريق سواء لعظام أو الرماد مازالت واضحة على جدران وحجارة الاخدود وكأنها حدثت قريبا.
وتنتشر في ممرات الاخدود الكثير من القطع الأثرية منها الفخاريات المحطمة، والقطع الحجرية، والكتابات والرسوم الصخرية على جدران المدينة الأثرية، التي تشير إلى اللغة الحميرية التي كانت مستخدمة آنذاك. والبوابة سياج حديدي متواضع يفضي بك إلى سلم حديدي متواضع أيضا، وما هي إلا بضع خطوات وتجد نفسك في قلب مدينة الاخدود الأثرية، تتجول بين أخاديدها الحجرية، ونقوشها التاريخية المكتوبة بلغة قديمة لا تفهمها إلا بشرح مختص يقوم بالترجمة، وبين آثار الحريق الهائل، وبين بقايا العظام البشرية المنتشرة في كل مكان، في مشهد مهيب. وتنتشر أشجار الأراك في كل أنحاء المدينة الأثرية بتوزيع طبيعي عشوائي دون تدخل الإنسان فيها بزراعتها أو تهذيبها. وقريبا من المدخل توجد قلعة كبيرة مهدمة أجزاؤها وعلى جدرانها نقوش ورسوم حيوانية وكتابات، بعدها مكان مرتفع يمكن مشاهدة كافة المدينة أثناء الوقوف عليه، وأثناء التنقل في المدينة توجد بعض أماكن التنقيب والحفريات الحديثة التي تجري لاكتشاف بقية آثار المدينة وآثار العظام المتفحمة والهشة وآثار الرماد تنتشر في كل مكان. ورحى الأخدود، أو الرحى الكبيرة التي كانت تستخدم لطحن الحبوب وحجمها كبير جدا وكان من الصعب العمل عليها إلا بواسطة البغال لتدويرها لكبر حجمها، ويوجد داخل مدينة الاخدود ثلاث رحايات قديمة. والمسجد الذي تم اكتشافه في عام 1417هـ يعود تاريخه إلى القرن الأول الهجري (السابع/الثامن الميلادي)، ونظراً لأهمية هذا الموقع من الناحية التاريخية الأثرية فقد قامت وكالة الآثار والمتاحف خلال أربعة مواسم بتنقيب كان الأول في عام 1402هـ بإجراء حفرية داخل القلعة أسفرت عن نتائج ايجابية ساهمت في إعطاء معلومات تاريخية وحضارية عن المواقع، تم الاعتماد عليها في العرض المتحفي بمتحف نجران، وكان الموسم الثاني في عام 1417هـ حيث أسفرت عن اكتشاف مسجد شمال شرق القلعة، ويعتبر أقدم مسجد في المنطقة حتى الآن ويعود تاريخه إلى القرن الأول الهجري (السابع/الثامن الميلادي).
والقلعة عبارة عن مدينة متكاملة مستطيلة الشكل يحيط بها سور بطول 235م يمثل نظام تحصين كان معمولاً به في مدن جنوب الجزيرة العربية الذي يحتوي على نتوءات وتجاويف عشوائية وغير منتظمة بمساحات متفاوتة ويتميز هذا النظام بأن المباني الواقعة على السور تندمج في السور لتشكل جدرانها الخارجية جزءاً من المحيط الدفاعي الخارجي للسور على أن هذه المباني في الغالب تكون جدرانها اعرض وتصل إلى 150سم بينما العرض السائد للمباني الداخلية يتراوح بين 80-110سم.
وداخل السور تنتشر مجموعة كبيرة من المباني التي تتفاوت حالاتها من حيث درجة تأثير عوامل التعرية والزمن عليها بنيت الأجزاء السفلية لها من كتل حجرية منحوتة على شكل واجهات مستطيلة أو مربعة باحجام متفاوتة يبلغ طول واجهات بعضها حوالى 350سم على أن الاجزاء العلوية من هذه المباني على الارجح كانت مبنية من الطين اللين أو الطوب اللبن وتمثل عدة ادوار وتحولت حاليا إلى كميات من الرديم يغطي أجزاء كبيرة من جدران العديد من المباني .
وأضاف آل مريح بأن نجران تأثرت أيضا بالصراعات التي وقعت بين الأسر السبئية الحاكمة في بداية القرن الثالث الميلادي. كان عصر التجارة البرية قد بدأ في الاضمحلال نتيجة للصراعات الدائرة إلى جانب كساد في التجارة. وفي حوالى سنة 250م تمكنت دولة حمير بزعامة الملك «شمر يهرعش» الشهير من السيطرة على أراضي السبئيين السابقة وأصبح الحميريون بذلك حكام جنوب الجزيرة العربية بدون منازع وخلال هذه الفترة يبدو ان نجران كانت عضوا في تحالف يضم إلى جانبها الأحباش وكنده تتزعمه الدولة الحميرية.
ويضيف آل مريح: من ناحية أخرى لعبت الإمبراطورية البيزنطية دورا كبيرا في نشر الديانة المسيحية داخل وخارج مناطق نفوذها، وذلك بعد أن قام الإمبراطور الروماني (قسطنطين) بنقل الحكم من روما إلى بيزنطة، واعتنق الديانة المسيحية ومن ثم عمل جاهدا على نشرها داخل وخارج الجزيرة العربية، فكانت نجران واحدة من المدن التي اعتنق أهلها الديانة المسيحية، وذلك على الأرجح خلال القرن الخامس الميلادي.
انتشار الديانة المسيحية في نجران أثار حفيظة الملك (يوسف إسار)، الذي عرف بذي نواس، وهو آخر ملوك حمير، وكان آنذاك يعتنق الديانة اليهودية ويحرص على نشرها داخل مناطق نفوذ دولته. فما كان منه إلا أن قام بغزو المدينة (الأخدود) وظفر بها بعد حصار استمر ستة أشهر من سنتي 524-525م، ثم خير أهلها بين العدول عن المسيحية إلى اليهودية أو القتل.
اختاروا القتل فحفر لهم الأخدود (الخندق) وأوقد فيه النار، فأحرق بالنار وقتل بالسيف ومثل بهم، حتى قتل منهم ما يقارب الـ 20 ألف ويقال 90 ألف نسمة. وكانت هذه الحادثة سببا في قيام الحبشة بإيعاز من الدولة البيزنطية بغزو جنوب الجزيرة والقضاء على الملك ذي نواس ودولته.
مشاهدات داخل الاخدود
كاميرا «عكاظ» رصدت خلال جولتنا داخل مدينة الاخدود الاثرية برفقة مدير ادارة الآثار والمتاحف عدداً من المشاهدات، حيث يوجد على مدخل المدينة لوحة كبيرة تشرح القصة الكاملة لأصحاب الاخدود: هناك بقايا العظام البشرية منتشرة في كل مكان، في الممرات وعلى الجدران الترابية، وتعود بقايا العظام هذه لأكثر من 90 ألف رجل وامرأة وطفل وشيخ، قضوا نحبهم حرقا في ذلك الحريق الضخم، وذلك وفق ما أكده لنا مدير الآثار، كما أن آثار الحريق سواء لعظام أو الرماد مازالت واضحة على جدران وحجارة الاخدود وكأنها حدثت قريبا.
وتنتشر في ممرات الاخدود الكثير من القطع الأثرية منها الفخاريات المحطمة، والقطع الحجرية، والكتابات والرسوم الصخرية على جدران المدينة الأثرية، التي تشير إلى اللغة الحميرية التي كانت مستخدمة آنذاك. والبوابة سياج حديدي متواضع يفضي بك إلى سلم حديدي متواضع أيضا، وما هي إلا بضع خطوات وتجد نفسك في قلب مدينة الاخدود الأثرية، تتجول بين أخاديدها الحجرية، ونقوشها التاريخية المكتوبة بلغة قديمة لا تفهمها إلا بشرح مختص يقوم بالترجمة، وبين آثار الحريق الهائل، وبين بقايا العظام البشرية المنتشرة في كل مكان، في مشهد مهيب. وتنتشر أشجار الأراك في كل أنحاء المدينة الأثرية بتوزيع طبيعي عشوائي دون تدخل الإنسان فيها بزراعتها أو تهذيبها. وقريبا من المدخل توجد قلعة كبيرة مهدمة أجزاؤها وعلى جدرانها نقوش ورسوم حيوانية وكتابات، بعدها مكان مرتفع يمكن مشاهدة كافة المدينة أثناء الوقوف عليه، وأثناء التنقل في المدينة توجد بعض أماكن التنقيب والحفريات الحديثة التي تجري لاكتشاف بقية آثار المدينة وآثار العظام المتفحمة والهشة وآثار الرماد تنتشر في كل مكان. ورحى الأخدود، أو الرحى الكبيرة التي كانت تستخدم لطحن الحبوب وحجمها كبير جدا وكان من الصعب العمل عليها إلا بواسطة البغال لتدويرها لكبر حجمها، ويوجد داخل مدينة الاخدود ثلاث رحايات قديمة. والمسجد الذي تم اكتشافه في عام 1417هـ يعود تاريخه إلى القرن الأول الهجري (السابع/الثامن الميلادي)، ونظراً لأهمية هذا الموقع من الناحية التاريخية الأثرية فقد قامت وكالة الآثار والمتاحف خلال أربعة مواسم بتنقيب كان الأول في عام 1402هـ بإجراء حفرية داخل القلعة أسفرت عن نتائج ايجابية ساهمت في إعطاء معلومات تاريخية وحضارية عن المواقع، تم الاعتماد عليها في العرض المتحفي بمتحف نجران، وكان الموسم الثاني في عام 1417هـ حيث أسفرت عن اكتشاف مسجد شمال شرق القلعة، ويعتبر أقدم مسجد في المنطقة حتى الآن ويعود تاريخه إلى القرن الأول الهجري (السابع/الثامن الميلادي).
والقلعة عبارة عن مدينة متكاملة مستطيلة الشكل يحيط بها سور بطول 235م يمثل نظام تحصين كان معمولاً به في مدن جنوب الجزيرة العربية الذي يحتوي على نتوءات وتجاويف عشوائية وغير منتظمة بمساحات متفاوتة ويتميز هذا النظام بأن المباني الواقعة على السور تندمج في السور لتشكل جدرانها الخارجية جزءاً من المحيط الدفاعي الخارجي للسور على أن هذه المباني في الغالب تكون جدرانها اعرض وتصل إلى 150سم بينما العرض السائد للمباني الداخلية يتراوح بين 80-110سم.
وداخل السور تنتشر مجموعة كبيرة من المباني التي تتفاوت حالاتها من حيث درجة تأثير عوامل التعرية والزمن عليها بنيت الأجزاء السفلية لها من كتل حجرية منحوتة على شكل واجهات مستطيلة أو مربعة باحجام متفاوتة يبلغ طول واجهات بعضها حوالى 350سم على أن الاجزاء العلوية من هذه المباني على الارجح كانت مبنية من الطين اللين أو الطوب اللبن وتمثل عدة ادوار وتحولت حاليا إلى كميات من الرديم يغطي أجزاء كبيرة من جدران العديد من المباني .