أفلام العروض المرئية بين التجريب والتخريب

خالد ربيع السيّد

الأفلام السعودية التسعة عشر المشاركة في الدورة الثانية لمهرجان العروض المرئية، والتي ضمتها مسابقته الاولى لمخرجين ومخرجات سعوديين وسعوديات تأرجحت كما هو متوقع، بين التجريب الابتدائي بكل حماسته وفرحته وتحقيق لغة بصرية لا بأس بها وبين سقوط بعضها، في اخطاء تقنية وفنية تؤدي الى انطباع الإلغاء الكامل للمحاولة، واعتبارها محاولات لا ترتقي لمستوى العرض الجماهيري، وبداية نقف على دينامية شبه شمولية تفضي الى ان جميع تلك الاعمال، عدا واحدا منها فقط،تم اعداد السيناريو لها بواسطة المخرج، بمعنى ان المؤلف هو السيناريست و المخرج في آن واحد. الأمر الذي درجت عليه الاعمال المشاركة كظاهرة تحتم الانتباه لها منذ البدايات تحسباً للسقوط في مأزق الفشل.
غير ان السينمائيين المشاركين يدركون، كما يبدو، ان السينما تعتمد في صناعتها على العمل الجماعي، انطلاقاً من كتابة ملخص فكرة الفيلم او قصته - ان كانت هناك قصة - ثم تطويرها الى سيناريو متكامل التفاصيل التقنية والحوارية والتصويرية ورسم مخططات الديكور، الملابس، المؤثرات الصوتية والحركية والضوئية .. الخ. فكل ذلك التشابك العملي يؤكد يقيناً بعدم جدوائية العمل الذاتي الذي يحاول الجمع بين جملة الوظائف السينمائية، حتى وان تحقق في عمل او عملين فإنه سيقع في الثالث في اشكالات يمكن التنبؤ بها سلفاً، وفي الاستعراض السريع التالي مداخلة تذوقية عن اهم الافلام المشاركة.
اطار في الصدارة
بداية يجسد الفيلم الروائي القصير «إطار» آلية عرض الممثل الوحيد (on man show)، حيث يبدو المخرج عبدالله العياف رغم قيامه بعدد من المهام: الاخراج وكتابة السيناريو والتصوير والمونتاج وهندسة الصوت ولم يبق سوى دور البطولة الذي اداه طارق الخواجي بتمكن تام، الا انه استطاع تحقيق لغة سينمائية واعية خلقت منذ لحظات الفيلم الاولى افق تشويق علي درجة من الحساسية الفنية، ورسم من خلال تلك اللغة صورة شاب في حالة وجودية ونفسية مثيرة للتساؤلات تعززها موسيقى صوت القمر لبيتهوفن، لاسيما وهيئته - ثوبه ولحيته - الموحيةبتفسيرات يمكن ان تبلغ الى مدى يراه المشاهد، دونما فرض تأويل بعينه فالبطل يعاني من ذكريات مؤرقة اوهواجس تختلجه غير مفصح عنها، بل يستعيض عنها بإشارات خفية تومض في بعض اللقطات لتكشف ولا تكشف عن سر تأزم هذا الشاب، ويبقى اطار صورة (مجرد اطار) يرمز الى دلالات عميقة يمكن ان يستدل بها على ذروة الصراع النفسي الذي يعاني منه .. وان احتوى الفيلم على لقطتين مفرطتين في منهما السردي مما اخل بإيقاعه، الا ان الفيلم برمته لافت ومبشر بمخرج موهوب، خصوصا وان «إطار» يأتي بعد تجربة العياف الاولى الوثائقية المتميزة «السينما 500 كم» والذي لفت اليه الانظار في مهرجان العروض المرئية 2006، ونال جائزة خاصة في مسابقة الإمارات السينمائية.
طريقة صعبة
ويعد فيلم «طريقة صعبة» من الافلام المتقدمة تقنياً وهذا يعود الى التمكن الحرفي الذي يميز سمير عارف مخرج العمل، وشريكه على الأمير - صاحب طفلة السماء - في ان لهما تجارب سينمائية توصلهما الى مرحلة النضج السينمائي، ويتحقق في العمل عنصر الكتابة لطارق الخواجي ويشارك في تمثيله عبدالله الدعفس وطارق الحسيني، وفيه يسترض سمير عارف الحالة النفسية لرجل يعيش وقائع موت عائلته مرة اخرى من خلال مروره بموقف مشابه. والسيناريو الذي هو في الأساس الفصل الاول من رواية طويلة، كتب خصيصا ومباشرة للفيلم، وفي هذا تعاون يساعد من تطور السينما السعودية، خصوصاً ان استمر السينمائيون في اقتباس روايات سعودية وتحويلها الى اعمال سينمائية، تتفوق فيه الصورة على الكلمة في احيان كثيرة، لكنه في النهاية فيلم يعكس حالة ترغمه على اتخاذ قرار صعب بطريقة صعبة.
تجارب واعدة
الشابة السعودية العنود العيدي (17 سنة) درست بشكل عابر في امريكا (دورة صيفية) وهي بطبيعة الحال لا تؤهل الى الاضطلاع بتنفيذ فيلم تسجيلي له اعتباره، الا انها قدمت عملاً جيداً في فكرته بعنوان «في النهاية لا احد يفوز» تتناول فيه حرب حزب الله واسرائيل في صيف 2006 .. وان كان يواجه العمل صعوبة في وصفه بـ(فيلم تسجيلي) فهو في جملته عمل تركيبي الكتروني يجمع عددا من الصور الثابتة التي تقرب في (زوم إن) متكرر،وتسجيلات من نشرات الاخبار التلفزيونية ولقطات تسجيلية اخرى تظهر فيها المخرجة وصديقةلها بما يذكر على نحو سافر بتسجيلات الهواة في برنامج (الفيديو المنزلي) .. ورغم تناول معدة العمل زاوية ازهاق ارواح الطفولة في رؤية ادانة تتخذ من الصورة الثابتة ومن العصف الذهني الذي يبدو غير متكلف عنصريها الاساسيين في التأثير على المشاهد، ثم بالاعتماد على أغنيات لا تمت لروح العمل بصلة (أغنية مصرية ذات إيقاع «الراب» الراقص وكلمات عاطفية، وأغنية خليجية عاطفية في إيقاع هادئ وحزين) ورغم ذلك يراد لها أن تقرأ على أنها أغاني مقاومة أو مناهضة سياسية، وهي المفارقة التي لن يستطيع المشاهد التماهي معها إلا إذا كان ذلك المشاهد من فئة الطلاب الشباب الامريكيين غير المسيسين وهي الفئة التي تم توجيه العمل لها أصلاً.
لغة سينمائية تخاتلها الفلسفة
كان من الممكن للطفلة «سلمى نبيل» أن تكتمل دائرة ادائها بشكل جيد في فيلم «طفلة السماء» للمخرج علي الامير وهي تؤدي شخصية طفلة ضحية عنف عائلي، فتروي مذكراتها حول مخاوفها وأحداث حياتها الاليمة، ولو لا أن هذه الطفلة تتحدث بلغة فوقية حد المبالغة، وللدرجة التي تجعل المشاهد يبدو محتاراً في ان يسخر من هذه البروفيسورة الصغيرة أو يعجب بقدرتها على ترديد تلك العبارات الضخمة التي لا يحسن قولها سوى نخبة المجتمع، ثم ذلك الديالوج المتعالي والحوار الذي يمكن تشبيهه بأنه حوار بين سيدتين ناضجتين غارقتين في لغة المصطلحات الاكاديمية.. هذا ما يكرس لدى المشاهد ويجعله لا يرى جمالية الصورة ورهافة الزوايا التي اتخذتها الكاميرا عند التقاط الصور، التي يبدي فيها علي الأمير قدرة فنية متناغمة حد الإبداع.
مجرد يوم للتمرد
ولم يختلف فيلم «مجرد يوم» بدقائقه التسع عن آلية عرض الممثل الوحيد، حيث يتناول يوماً في حياة عادية لشاب يقدمها اخراجاً وكتابة وتمثيلا الشاب «نواف المهنا» في تجربة أولى له مع الكاميرا. تتكشف محاور الفراغ والعطالة، في سرد سينمائي يتقصد احداث الشعور بعدمية قيمة الوقت ورتابته من خلال ما يمكن تسميته بـ «السينما الفقيرة»، التي اشتغل عليها المهنا بأدواته البسيطة في الصورة والمؤثر الصوتي مع الاستغناء التام عن الحوار، وبلورة ذلك في اضاءة قاتمة أضفت على الفيلم بعدا دراميا فاعلاً.. الفيلم في جملته يعد تجربة ناجحة إذا ما شعر المشاهد بإرتباك إيقاعه السردي في لقطات قليلة لا تضير العمل أو الفكرة.التمرد الذي أحدثه عبدالعزيز النجيم على التقنيات السردية الكلاسيكية في فيلمه «تمرد» من خلال تطعيمه بموسيقى تصويرية مصاحبة لمشاهد الفيلم، وبالاستغناء عن التعليق الصوتي وإحلال الكتابة التقريرية لمتابعة الفيلم. هذه العناصر التي أراد لها مخرج العمل أن تكون متمردة على السائد، أطاحت بالفيلم من خلال تشتيت انتباه المشاهد ما بين الصورة التي كانت معبرة وما بين الكتابة التي لا تضيف بقدر ما تكسر الإيهام الدرامي، وغير ذلك من مشاهد كانت طويلة للغاية. لكن تبقى تلك الصور التي تثبت أن هناك مخرجاً يملك حساً تعبيرياً متمرداً في إطار من الموهبة التي ستثبتها الأيام.
كرتون ناقص وتسجيل تلفزيوني
ضمن المهرجان شاركت أفلام للرسوم المتحركة منها فيلم لفرح عارف عنوانه (عودة الماضي) الذي يدور حول قصة فتاة تتوظف في شركة سبق لوالدها المتوفى ان عمل بها لتبدأ رحلة البحث عن طبيعة عمل والدها والسر الغامض وراء وفاته، ويشارك خالد الدخيل بفيلمه الكرتوني الثاني (فوائد القطط) الذي يتحدث عما يمكن ان تفعله هذه القطط لمقتنيها، الفيلم الكرتوني (فارس الأندلس طارق بن زياد) للمخرج أيمن فودة ويتحدث الفيلم عن القائد طارق بن زياد في افتتاح الأندلس وذلك في قالب مشوق وجذاب. والتجارب ينقصها الكثير من عناصر الفانتزي الكوميدي والتشويق اللحظي المعتمد على طرافة الرسوم وحركة الشخوص الكرتونية.كما يشارك فيصل شديد العتيبي بفيلم تسجيلي (عروس الآثار والجبال) يتحدث من خلاله عن منطقة العلا الواقعة شمال غربي المملكة الغنية بآثارها التاريخية كمدائن صالح، وهو لا يبتعد كثيراً عن فيلم (الجريمة المركبة) في اعتماده المبدأ التلفزيوني وابتعاده عن روح السينما. للمخرج الشاب (فيصل شديد العتيبي) صاحب شركة إنتاج متخصصة في صنع الأفلام الوثائقية للقنوات التلفزيونية. الفيلم يختار عنواناً فضفاضاً هو (مدينة العلا وآثارها الثمينة) ثم يغوص في رحلة استكشافية لهذه المدينة، حيث هنا يبدو أثر الخلفية التلفزيونية للمخرج واضحاً في بناء الفيلم واعتماده المطلق على صوت الراوي في إيصال الفكرة، الأمر الذي يجعلنا أمام تقرير تلفزيوني أكثر من كونه فيلماً تسجيلياً سينمائياً.لكن ظاهرة المؤلف المخرج أو فريق العمل المحدود، راحت تتكرس بشكل يقلص أهمية العمل الجماعي، وغدت الصناعة السينمائية تفرز الفعل الاقصائي للمختصين، وإن كانت في واقعنا الحالي لاتزال طفلا لم تتحدد ملامحه، ولم يتحقق لها تراكم مهني يبرر الانخراط في أعمال تحقق أهمية.