الخلايا النائمة.. و«السبات» المخادع

تركي العسيري

* أما وأن الحديث عن (الخلايا النائمة) لا أيقظ لها سباتاً! فلا بأس أن أذكر طرفة حكاها لي أحد الأشقاء السودانيين، مفادها أن «الشيخ أسامة بن لادن» بلغة المهرج «عبدالباري عطوان» حينما طُرد من أفغانستان، ولجأ إلى السودان بدعوة «كريمة» من الشيخ المثير للجدل (حسن الترابي)، أراد أن يُجند بعض الشباب السوداني للالتحاق بـ«القاعدة»؛ ولأن السوداني بطبعه إنسان مسالم، يركن إلى الدعة والهدوء، حتى أُتهم بالكسل عند البعض، وهي فرية تنفيها حيوية والتزام الإخوة السودانيين في الأعمال الموكلة إليهم. المهم هنا، أن بعض الشبان السودانيين.. أردوا أن يفوزوا بعطايا زعيم «القاعدة» دون عناء أو مشقة.. فما كان منهم إلا أن قالوا له: - احنا حاضرين يا شيخ.. «بس دايرين» تسجلنا كـ(خلايا نائمة)!!
أعود للجد، هذه «الخلايا النائمة» والتي لا نكاد نسمع لها ركزا.. إلا حينما تستيقظ، وتسفك دماء الأبرياء، وتستبيح أموال وممتلكات الناس والدول.. هل هي نائمة فعلاً؟ أم أن نومها كـ(نوم) الذئاب المخاتلة، والتي وصف نومها أحد الشعراء القدامى.. حين قال: ينام بإحدى مقلتيه ويتقي/ بأخرى المنايا فهو «يقظان نائم»!
أشعر كمواطن بالألم، وأنا أرى بعض شبابنا، والذين كانوا مثالاً للتسامح والمحبة والتدين الوسطي وقد تحولوا ذئاباً شرسة تبحث عن فريسة تحت دعوى الجهاد نتيجة للشحن النفسي والديني الذي يقوم به مشايخ التكفير والغلو، وتطويع النصوص المقدسة كأدلة تدفع بهؤلاء الشباب الغرّ إلى الموت والانتحار والقتل.
«الخلايا النائمة»، ليست نائمة حقيقة.. بل تتحين الفرصة، وتنتظر الأمر للظهور من خلال العمل الإجرامي الموكل إليها من قادتها ومنظريها.. عبر «الإنترنت» أو الخطب «الملغمة» والتي تبثها بعض الفضائيات، كقناة (الرأي والرأي الآخر) التي طالما بثت خطباً لقادة هذا التنظيم أو ذاك تصل إلى حد التواطؤ مع القتلة والإرهابيين!
الذي يؤلمني حقاً.. أن يتحول الشاب السعودي الوديع والمسالم -دون غيره- إلى مشروع انتحاري أممي لا يتورع عن تحويل جثته الغضة إلى أشلاء متناثرة جراء عمل تفجيري يساهم في قتل مئات الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ كل ذنبهم أنهم جاؤوا ليبحثوا عن رغيف خبز، أو فرصة عمل في الزمان والمكان الخطأ. ناهيك عن تدمير المباني والبنى التحتية التي كلفت الملايين بدعوى «الجهاد»، وقتال «الكفرة» الذين هم نحن وغيرنا من المسلمين الحقيقيين!
إنني أعتقد أن أولئك الشباب الذين يدفع بهم من لا يخاف الله ولا يتقيه هم ضحايا فكر إجرامي موغل في دمويته، لا يُقيم وزناً للنفس البشرية التي حرم الله قتلها أو الاعتداء عليها دون مبرر شرعي يُجمع عليه علماء الأمة. هؤلاء الشباب هم ضحية قيادات «إسلاموية» متوحشة تنفث سمومها وأحقادها في عقولهم.. ليتحولوا إلى أدوات لحصد الأرواح والممتلكات من خلال السيارات المفخخة، والأحزمة الناسفة.
والملفت أن أيا من القيادات «الإسلاموية» لم تقدم أحد أبنائها ليكون في مقدمة الانتحاريين، وهذه مسألة عجيبة.. مع أن أغلبهم مقترن بأكثر من امرأة ولديه «دزينة» من الأولاد، وهذا في رأيي منتهى «التغرير» بالمتحمسين والباحثين عن «حور العين» عبر دماء الأبرياء وآهات الثكالى والمقهورين.
وما حكاية أطباء الإرهاب في بريطانيا، والذين ضبطوا أخيراً إلا دليل على استشراء ظاهرة «الخلايا النائمة» تلك، ومن شريحة يفترض أن تقيم للنفس البشرية وزناً.. فهم مسؤولون عن حياة البشر من أي دين أو ملة!
لدي قناعة تصل إلى حد اليقين فحواها: أن الإسلام بسماحته، وعدله، واحترامه للنفس البشرية يتعرض لمؤامرة قميئة.. لتفريغه من بعده الإنساني من خلال بعض المحسوبين عليه.. وتلك كارثة حقيقية ما أحرانا لكشفها ومحاربتها والتبرؤ منها..
- أيها الدين الخاتم كم من الجرائم ترتكب باسمك!
تلفاكس 076221413