معالجة فاعلة لجذور الإرهاب

عبدالله بن فخري الأنصاري

أثنت الصحف البريطانية وإلى وقت قريب على الطريقة التي عالجت بها الحكومة البريطانية برئاسة رئيس الوزراء الجديد غوردون براون التهديدات الإرهابية على كل من لندن وغلاسغو. فلم تندفع الحكومة البريطانية الجديدة إلى تشديد قوانين مكافحة الإرهاب كما فعلت سابقتها في أعقاب تفجيرات لندن عام 2005 حين سارعت حكومة بلير إلى سن تشريعات جديدة لمكافحة الإرهاب، ومنحت الشرطة مزيدا من الصلاحيات، والذي اعتبره البعض أنه استغلال للغضب الشعبي من تلك الأحداث الإرهابية ومحاولة لتمرير بعض القوانين التي سبق وأن رفضت من قبل، فبقيت لفترة طويلة في انتظار الفرصة التشريعية المناسبة.
وقد أدى تصدي الحكومة البريطانية للأزمة بهدوء إلى تصورعام هو أن الحكومة البريطانية بدأت تتخذ موقفا أكثر تفهما وذكاء في مواجهة الإرهاب يتمثل في معالجة الأسباب الجذرية للتطرف واعتبار المسلمين شركاء في مواجهة هذه الظاهرة متأثرة في ذلك بالجهود الكبيرة التى بذلتها وتبذلها المملكة العربية السعودية في مكافحة الفكر المتطرف. ومن جهتها بادرت الجالية الإسلامية في بريطانيا إلى التصدي لهذه الظاهرة فأدانت الهجمات الإرهابية عبر كافة وسائل الإعلام وأظهرت مشاعر الغضب والسخط إزاء هذه الأعمال المشينة، ورفضت أي محاولات لربط أي هجمات إجرامية بتعاليم الإسلام، وتبنت مبادرة «المنهج الوسطي الأساسي» بمشاركة نخبة من الدعاة والمشايخ والمتخصصين من خلال العديد من الخطب والكلمات الوعظية والمحاضرات والندوات لدحض الأفكار الهدامة التي يثيرها المتطرفون وذلك بالعودة إلى منابع الإسلام الأساسية وترسيخ منهج الوسطية والاعتدال.
وتأتي هذه الجهود من الجالية الإسلامية وسط تصاعد في وتيرة استهداف المسلمين من قبل القلة المؤثرة من بعض الباحثين السياسيين والمؤسسات البحثية الغربية، الذين يحاولون تأجيج مشاعر الكراهية والعداء للمسلمين واعتبارهم متطرفين وخلايا إرهابية نائمة في الجامعات والمساجد وفي داخل المجتمع الأوروبي عرضة للتجنيد من قبل المنظمات الإرهابية. ويرى هؤلاء أن تشجيع المسلمين بالحفاظ على ثقافتهم أوجد تربة خصبة للإرهاب لأنه سمح للمهاجرين المسلمين خلق جو من العزلة عن الجزء الأكبر من المجتمع الأوروبي. لكن الحقيقة أن هجرة المسلمين إلى أوروبا ومنذ الستينات لم تلق ترحيبا من المجتمع الأوروبي حيث كان المسلمون أكثر الجاليات تعرضا للعنف على يد «النازيين الجدد» في بريطانيا في السبعينات، واشتكوا مرارا من سوء المعاملة على يد الشرطة في الدول الأوروبية منذ التسعينات (كالشرطة الفرنسية) وحتى الآن (كالشرطة البريطانية) وبدون سبب واضح سوى أنهم مسلمون، مشيرين إلى الروتينية في الإيقاف والتفتيش والمداهمة العشوائية للمنازل. أضف إلى ذلك أجواء العزلة الجبرية التي يعيشها المسلمون بسبب الحاجة الاقتصادية والتمييز الذي ذهب إلى حد حظر الحجاب والتمييز في الوظائف. هذا الشعور بالعزلة والتمييز جعل من السهل على الإرهابيين تجنيد الشباب في صفوف الجماعات الإرهابية التي تعدهم بالإحساس بالذات والهوية والشعور بأنهم أبناء مجتمع واحد. فالحقيقة أن المسلمين لم يرفضوا المجتمع الأوروبي بل إن المجتمع الأوروبي اجتهد في رفض المسلمين، أو بتعبير آخر لم يكن نموذج التسامح والحفاظ على الهوية الثقافية والدينية السبب في فتح باب تجنيد الإرهابيين، بل إن الكراهية والعزلة والتمييز أدت إلى تجنيد واستمالة العديد من أبناء هذه الجالية. تلك هي بعض الأسباب الجذرية للإرهاب في المجتمع الأوروبي والتي تتطلب معالجة فاعلة متعددة الجوانب. وربما يأتي عزم الحكومة البريطانية الجديدة على تعديل عدد من القوانين المتعلقة بمكافحة الإرهاب وخاصة فيما يتعلق بمدة التوقيف ووسائل الإثبات أمام المحاكم مخيبا لتطلعات الكثير من النقاد الذين رأوا في مواقف رئيس الوزراء الجديد براون نوعا من أنواع الحنكة والدهاء السياسي في معالجة الأسباب الجذرية للتطرف دون اللجوء إلى سن التشريعات التي تفرض مزيدا من القيود على فئة من المجتمع البريطاني وتزيد من معاناتهم بالعزلة الاجتماعية والتمييز.