الموت الرحيم: الأبعاد الأخلاقية والقانونية

صالح عبدالرحمن المانع

درج الأطباء على تعريف هذا المصطلح الذي يعني أن قراراً يُصدره أحد الأطباء أو مجموعة منهم، بموافقة أولياء أمر المريض، يتم بموجبه سحب الأجهزة الطبية المربوطة بالمصابين في حوادث مميتة لا يُرجى شفاؤها، أو مرض مستعصٍ يموت فيه معظم أعضاء المريض، ويُعلن بعدها الأطباء موت المريض سريرياً.
وتنظر إحدى محاكم سان فرانسيسكو الأمريكية هذه الأيام في قضية طبيب من أصل آسيوي يعمل في جراحة نقل الأعضاء البشرية من المصابين في مثل هذه الحوادث، ويتم زرعها في أجساد المرضى الآخرين الذين هم بحاجة إليها.
ولاشك أن التبرع بالأعضاء الآدمية بعد الموت عمل يُؤجر عليه الإنسان وتُقرّه معظم الشرائع السماوية والقوانين، لكن الإشكالية تكمن في توقيت إجراء مثل هذه العمليات، واتخاذ قرار الشروع في النقل، حيث إن أعضاء الجسم البشري تبقى حيّة وقابلة للزراعة بعد أقل من نصف ساعة من موت المريض فعلياً، أما بعد ذلك فإن مثل هذه الأعضاء تصبح غير قابلة للزراعة.
والتهمة الموجهة للدكتور (هوتان روز روخ) هو أنه توجّه إلى المستشفى الذي يرقد فيه أحد المرضى الميئوس من شفائه، وأقنع ولي أمره بأنه لا رجاء من بقائه على قيد الحياة مُعلقاً بالأجهزة الطبية، وشرع في إعطاء المريض كميات كبيرة من الأدوية المخدرة عن طريق البطن، حتى يُسرّع في وفاته، إلا أن المريض بقي على قيد الحياة بعد هذا الإجراء لمدة سبع ساعات، وعند وفاته كانت معظم أعضائه الداخلية قد أصابها التلف، ولم تعد صالحة للنقل إلى المرضى الآخرين أو استزراعها في أجسادهم، كان ذلك قبل عام ونصف العام، وحين علمت إدارة المستشفى شرعت في تجميد عمل الطبيب لديها، خشية مطالبات قانونية متصلة بمثل هذا الإجراء، وادعت إدارة المستشفى أن العملية حدثت في مستشفى آخر. وبعد تحقيقات مطولة قام المدعي العام برفع قضية ضد الطبيب المذكور مدعياً بأنه حاول تعجيل وفاة المريض من أجل الحصول على أعضائه البشرية، خاصة أن المريض كان شاباً يُعاني من تخلف عقلي، ولم تتعد سنّه الخامسة والعشرين. ولكن المدعي العام لم يذهب إلى توجيه تهمة القتل بحق الطبيب، حيث إن المريض بقي على قيد الحياة لمدة زمنية، بالرغم من ادعاء أحد المحامين أن مثل هذا الإجراء يُمثل محاولة للشروع في القتل.
ويدافع محامي الطبيب بأن مثل هذه الادعاءات غير صحيحة، وأن موكله حاول القيام بعمله بأسرع وقت ممكن، دون أن يكون هدفه هو إزهاق روح المريض.
ويخشى العديد من المراقبين أن تؤثر هذه القضية القانونية على مسألة نقل الأعضاء البشرية إلى المرضى المحتاجين إليها، حيث يقبع في الولايات المتحدة حوالى 97 ألف مريض ينتظرون زرع أعضاء لهم.
ونعاني نحن في المملكة من وجود العديد من المرضى ممن هم بحاجة إلى نقل كلية إليهم، أو كبد أو نحو ذلك من متبرع على فراش الموت.
كما تثير هذه القضية مشكلة أخرى لها صلة بالناحية الأخلاقية والدينية، وهي متى يجوز للطبيب فصل الأجهزة الطبية التي تبقي المرضى الذين لا أمل بشفائهم على قيد الحياة. ومتى يمكن للأطباء الشروع في عملية النقل، دون أن يعتبر ذلك إزهاقاً لنفس بشرية.
وسيستمر هذا النقاش طويلاً بين الأطباء ورجال الدين والحقوقيين، حتى يصلوا إلى توافق طبّي وقانوني وشرعي.