لاتغضب أيها الرئيس

علي حسن التواتي

رغم التحذيرات والنداءات المتكررة التي وجّهها الرئيس الأمريكي بوش للبرلمان العراقي بالتراجع عن تعليق نشاطات البرلمان في إجازة سنوية، إلا أن البرلمان قرر وقف نشاطاته لمدّة شهر دون المصادقة على بعض القرارات التي يرى الرئيس بوش أنها ضرورية لاستقرار وأمن العراق.
وبعد إعلان قرار الإجازة أبدى الرئيس بوش امتعاضه من إقدام البرلمان العراقي على هذه الخطوة التي تزامنت أيضاً مع إعلان جبهة التوافق (السنة) انسحابها من الحكومة. والحقيقة أن الرئيس كان يجب ألا يفاجأ ولا يمتعض من تصرفات كهذه من رجال هو اختارهم وأعطاهم هذه الصفة ومنحهم تلك الامتيازات المادية والمعنوية التي لا يتمتع بها أي عراقيين آخرين مقابل تنازلهم عن السيادة على بلادهم والتعاون مع قوّات بلاده المحتلة لأرض العراق وإضفاء صفة الشرعية والرضى على وجودها.
كان يجب أن يعلم الرئيس بوش أن من يتعاون مع جلاّدي شعبه ويتصرف كأنما هو يعمل تحت علم دولة مكتملة السيادة لا يطمح في الحقيقة لأكثر من الحصول على ثمن في مقابل هذا، والثمن كما يعلم الرئيس بوش لا يزيد بالنسبة لمثل هؤلاء عن سكن مريح في (ميامي بيتش) أو (سانتا مونيكا) أو غيرها من مدن ومناطق الفردوس الأمريكي الموعود مع تسجيل الأبناء والبنات في أرقى الجامعات الأمريكية من خلال برنامج المنح والمساعدات التعليمية الأمريكية للأصدقاء من الأجانب، ولا مانع من رصيد مالي معتبر في حساب أمريكي بالدولار حتى تعيش العائلة في رغد يتناسب مع حجم التضحية التي أقدم عليها ربّها. أما طاقة السعد فتفتح حينما يتمكن ذلك المتعاون من التعرف على مخبأ أحد العراقيين المطلوبين لأمريكا مقابل جائزة مالية، حينها تلتزم أمريكا بنقله إلى الأرض الأمريكية أو أي مكان آخر يختاره وتصرف له جزءاً ضئيلاً من الجائزة أما الجزء الأكبر فيخصص حسب زعمهم لتوفير الحماية له حتى لا يغتاله عملاء القاعدة والصدّاميون.
ولا أظن أن الرئيس بوش يمكن أن ينسى عبارات والده في معرض وصفه لمثل هذه النوعيات من الأجانب عندما كان يرأس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية حيث قال إن من يتعامل مع العملاء الأجانب يجد نفسه في مواجهة أشد الناس انحطاطاً على وجه الأرض وأكثرهم احتيالاً ومراوغة.
أما لماذا أصرّ أعضاء برلمان التركيبة العراقيّة تحت الاحتلال من الانفكاك في إجازة رغم الظروف الاستثنائية الخطيرة التي تمرّ بها بلادهم فيعود إلى اسباب شخصية وأسباب عامة، والأسباب الشخصية تعود في معظمها للرغبة في التمتع بدولارات التعاون مع أفراد العائلة الذين يعيشون في بحبوحة وأمان – أو هكذا يظن - في أمريكا أو أحد المصايف الأوروبيّة، أما الأسباب العامّة فأهمّها معرفة الجميع بأن أمريكا مستعدّة لدفع أغلى الأثمان لتمرير (قانون النفط) الذي يمنح شركاتها النفطية العاملة في العراق مزايا وامتيازات تصل حدّ المشاركة والتملّك، كما يمكن أن تدفع أمريكا ثمناً باهظاً أيضاً لتطبيق المادة 140 من دستور الاحتلال وضم محافظة كركوك النفطية لإقليم كردستان وطرد العرب منها تمهيداً لتعزيز الواقع الانفصالي القائم للأقاليم العراقية.
ولذلك كان لا بدّ أن يتوقع الرئيس بوش قدراً من المراوغة والتسويف في إقرار مثل هذه القوانين لأن مترتباتها باهظة قد تصل حدّ فقدان عضو البرلمان الذي يصوّت بالموافقة عليها حياته وبالتالي كان لا بدّ من النظر في مقابل مجز يتناسب مع حجم المخاطرة فأتت هذه الإجازة بمثابة الاستراحة اللازمة لإعادة ترتيب الأوراق والاتفاق على الثمن المناسب بعيداً عن الأنظار وعن مخاطر المنطقة الخضراء. هذا بالنسبة للأغلبية أما بالنسبة للأقلية التي تسمي نفسها جبهة (التوافق) السنية فلديها سبب إضافي للتسويف حيث تأكد لها أن لاناقة لها بما يجري ولا جمل ولا قيمة لوجودها من عدمه فآثرت أن تعلن الانسحاب من الحكومة بالتزامن مع الإجازة حتى تتجنب التصويت على تلك القرارات التي يتوقع أن يتم إقرارها في البرلمان العراقي بمجرد عودة الجميع من الإجازة يوم الرابع من سبتمبر القادم. وتأمل الجبهة كما يبدو أن يلتفت إليها الأمريكان ويرضوا أعضاءها ببعض ما تجود به نفوسهم بسخاء للأطراف الأخرى خاصة أن التهديدات التي يواجهونها مضاعفة بالمقارنة مع الآخرين فهم بالإضافة للتهديدات التي يواجهونها من حلفائهم الآخرين في الإئتلاف يواجهون أيضاً تهديدات أكبر ممن يزعمون أنهم يمثلونهم من عرب العراق السنّة إضافة للقاعدة والصدّاميين، ولذلك هم يأملون أن تزيد الولايات المتحدة أعطياتهم ولو قليلا بما يتناسب مع هذه المخاطر.
وتأتي عودة البرلمان العراقي للانعقاد يوم الرابع من سبتمبر القادم قبل أسبوعين من موعد رفع قائد القوّات الأمريكية في العراق الجنرال (ديفيد باتريوس) لتقريره عن مدى نجاح تطبيق خطّة الرئيس الحاليّة لتعزيز الأمن والاستقرار في العراق، مما يعني ثقة أعضاء البرلمان العراقي بأن الوقت المتاح أمام الرئيس الأمريكي للتفاوض معهم على ثمن التصويت الإيجابي على القرارات التي تنتظرهم عند العودة هو وقت قصير وحرج لا يمنح الرئيس الفاقد للشعبية مجالاً واسعاً للمناورة والتسويف لذلك عليه ألا يضيّع مزيداً من الوقت ويعجّل في دفع الثمن المناسب حتى لا يجد نفسه في موقف لا يحسد عليه أمام الكونجرس ذي الأغلبية الديمقراطيّة..
altawati@yahoo.com