السفير عسيري لـ«عكاظ»: علاقاتنا مع باكستان استراتيجية و أزمة المسجد الأحمر شأن داخلي

دعا الى حوار بين الغرب والعالم الاسلامى للوصول إلى قواسم وأرضية مشتركة

السفير عسيري لـ«عكاظ»: علاقاتنا مع باكستان استراتيجية و أزمة المسجد الأحمر شأن داخلي

يرصدها : فهيم الحامد - الحلقة الثالثة عشرة

لا نبالغ إذا قلنا ان سفير خادم الحرمين الشريفين في إسلام آباد علي عواض عسيري يعتبر من أنشط سفراء الدول العربية والإسلامية في باكستان ويتمتع بعلاقات قوية ومتميزة جدا سواء مع القيادة والوزراء في الحكومة الباكستانية او زعماء الأحزاب السياسية والإسلامية بمختلف اتجاهاتها وتياراتها. ويعرف منزل السفير عسيري في إسلام آباد بأنه منزل جميع الباكستانيين بدون استثناء. شاءت الظروف ان يتم تعيين علي عواض عسيري القادم من وزارة الخارجية السعودية فى هذا المنصب قبل ستة أشهر من أحداث سبتمبر حيث شهدت الباكستان أثناءها احد أسوا واعنف العواصف السياسية ولعب السفير عسيري بشهادة الجميع دورا متميزا في توضيح صورة الإسلام الصحيح ووضع الإعلام الدولي الذي اتخذ من باكستان مقرا له في حقيقة مواقف المملكة من الإرهاب والتطرف وتكريسها لثقافة التسامح والوسطية والاعتدال. في هذه الحلقة نتحدث مع السفير عسيري في مكتبه بالسفارة بعيدا عن البروتوكولات الرسمية عن رؤيته لازمة المسجد الأحمر الذي اعتبره شأنا باكستانيا داخليا مؤكدا حرص الحكومة على التعامل مع الأزمة سلميا بهدف التقليل من حجم الضحايا.. وفيما يلي نص الحوار:
- بداية ما هي رؤيتكم لتداعيات احداث المسجد الأحمر ومستقبل الوضع في الباكستان؟
في الواقع قضية المسجد الأحمر هي شأن باكستاني داخلي ونحن على يقين ان الحكومة الباكستانية تعاملت مع الأزمة واضعة في أولوياتها الحفاظ على أرواح الأبرياء وتقليل الضحايا وربما تابعتم أن الازمة امتدت على مدى الأشهر الماضية وجعلت محاولات عديدة لحل القضية سلميا. ويبدو ان الرياح مضت بما لاتشتهيه السفن فقد أخذت القضية منحى آخر عندما تعرض مواطنون صينيون للاختطاف على أيدي عناصر من المسجد ما اعتبرته الحكومة تجاوزا لكل الخطوط.
ونحن نتمنى دائما تغليب العقل والحكمة وحل الأمور في إطار الشريعة الاسلاميه السمحة وتحت مظلة المواطنة وان يؤمن الجميع بان الوطن أمانة في أعناق الجميع. ونحن ندرك انه عبر حكمة القيادة الباكستانية وحصافتها ستتمكن الباكستان من الوصول الى بر الأمان وتجاوز المرحلة الحالية.
- قام الرئيس مشرف مؤخرا بزيارة الى المملكة كانت محل المتابعة والاهتمام على المستويين العربي والعالمي كيف تنظرون الى الزيارة في هذه الظروف؟
اعتقد انك تعلم جيدا ان العلاقات السعودية الباكستانية هي علاقات استراتيجية والعلاقة على مستوى القيادتين في البلدين هي اكثر من حميمية ومميزة ولهذا فان هذه الزيارة تصب في مصلحة البلدين والشعبين والأمة الإسلامية وقيادتنا حريصة على ان يعم الأمن والسلام والاستقرار ليس فقط في باكستان وإنما في كل البلدان الإسلامية وباكستان هي دولة مهمة والقيادتان حريصتان على تقوية العلاقات والتشاور المستمر لما فيه مصلحة الأمة الإسلامية.
شبابنا مظلوم
- فى ضوء مايجري على الساحة الإسلامية من تجاذب ما هو المطلوب لتحصين الشباب السعودي في مواجهة مثل هذه التحديات والتيارات؟
أنا أقول دائما ان الشباب السعودي مظلوم من جراء الانطباع الذي خلقته بعض الظروف، فيما الواقع يؤكد أن الشباب السعودي في مجمله و أغلبيته هو بعيد عن التطرف والإرهاب وهو يمارس حياة طبيعية، كما انه يحمل قيما ومُثلا إنسانية وطنية ومعروف عنه مسارعته إلى كل عمل إنساني وله نفس الاهتمامات التي تشغل الشباب في الدول العربية وبقية دول العالم.
والحقيقة أن كثيرا من الدول وجدت أن الشباب السعودي حتى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تتجاوز اهتماماتهم ما يتهمون به في بعض وسائل الإعلام ولذلك تجد ولله الحمد كل الجامعات العالمية مفتوحة لهم للتعلم.
الشباب السعودي يساهم في البناء والتنمية ولا خوف عليه ان شاء الله، والقيادة في بلادنا حريصة كل الحرص على إعطاء الأولوية لاحتياجات المواطن. واعتقد انه لا بد من الاهتمام بقضايا الشباب والعناية بهم وتلمس مشاكلهم واحتياجاتهم باعتبارهم عماد المستقبل. ونحن نرى تصميم حكومة خادم الحرمين الشريفين على توظيف الشباب وافتتاح المزيد من الجامعات والمعاهد وإقامة مشاريع طموحه في المملكة لاستيعاب الشباب ويجري عمل جاد للاستفادة من كل مواطن ومواطنة. ومن الناحية الفكرية قامت حكومة خادم الحرمين الشريفين بتوعية الشباب بمخاطر الإرهاب والتطرف على الإسلام وعلى الوطن وقام العلماء والمؤسسات الثقافية والاعلاميه بدور واضح و ملحوظ في حملة التوعية، ولقد أثمرت هذه الجهود بالنجاح، كما ان الشباب نفسه اظهر تجاوبا مع الطرح المعتدل والوسطية والمتفق مع الرؤى الاسلامية الصحيحة.
- ما هو دوركم كسفير لتثقيف الطلاب والرعايا السعوديين في باكستان لتكريس ثقافة التسامح ولتوضيح صورة الإسلام السمحة؟
يمكنني التأكيد أن الطلاب السعوديين الذين يدرسون في باكستان بعيدون كل البعد عن التطرف والغلو والإرهاب وهم يركزون قدراتهم على الدراسة والتحصيل العلمي وما نطلع عليه من نتائجهم العلمية يثلج الصدر وهم منقطعون للدراسة لاسيما وان البعض منهم يدرس على حسابه الخاص.
يجب ان لا تستحوذ علينا الوساوس من أن أي شاب سعودي هو ضحية محتملة لأولئك الذين يجندون الشباب لاستخدامهم لإعمال إرهابية.
فالشباب السعودي أكثر وعيا من ذلك واذا كان هناك من تمكن هؤلاء الإرهابيون من تجنيده فذلك بسبب ضعف شخصيته وقابليته للخضوع لأفكار الآخرين إما الشخص القوي فهو ثابت في نفسه وعقله وشخصيته ولا يتأثر بأساليبهم، ومن تختلط عليه الأمور من الشباب فيجب ان تكون لديه الشجاعة للاستفسار من المتعلمين ومن الجهات المسئولة سواء كانت دينية اومدنية.
نحن هنا في باكستان على اتصال مع الطلاب السعوديين ونجتهد في حل أي مشكلة يواجهونها سواء كانت لها صلة بالتعليم أم كانت ذات طبيعة شخصية.
والملحق التعليمي السعودي يتابع بشكل ممتاز للتعامل مع أي شكاوى منهم، وفي السفارة موظف سعودي مناوب على مدار اليوم لتلقي أي ملاحظة ومد يد العون لكل طالب سعودي او طالبة.
جهود الاغاثة مستمرة
- إلى أين وصلت جهود الاغاثه السعودية في باكستان؟
في الواقع أن جهود الإغاثة السعودية في باكستان شهد لها الجميع ولقد واكبت بعثة الهلال الأحمر السعودي ووزارة المالية عمليات الاغاثة منذ وقوع الزلزال في أكتوبر 2005 ولقد غادرت البعثة مؤخرا إسلام أباد بعدما أنهت مهمتها بنجاح واقتدار، البعثة الاغاثيه كانت في مقدمة من وصل في نفس يوم الزلزال واخر من غادر. . وهذا امر يدل على مدى التزام المملكة بالوقوف مع الإخوة في باكستان ومع الشعب الذي يجمعنا به الكثير.
وهذه البعثة هي واحدة من عدة بعثات سعودية مايزال بعضها يمارس عمله الاغاثي ومنها الحملة الشعبية السعودية لإغاثة متضرري الزلزال التي ما تزال تقوم بأعمال اغاثية وبناء مساكن سواء بالعمل مباشرة ام بالتعاون مع بعض مؤسسات الأمم المتحدة مثل اليونيسيف او برنامج الغذاء العالمي.
ولعل ما يلفت الأنظار هو الأداء الجيد الذي قام به الشباب السعودي سواء في مستشفيات الهلال الأحمر او في الحملة الشعبية وقدرتهم على تحمل المسئوليات وما يجدر الاشارة اليه هو الكفاءة التي أبداها الأطباء السعوديون والتي كانت محل تقدير وإعجاب من الفرق الطبية الدولية التي ساهمت في أعمال الاغاثة الطبية ومن المسئولين في باكستان ومن الشعب الباكستاني الذي تعامل مع البعثات السعودية.. وهناك مؤسسات سعودية أخرى ما تزال تشارك في أعمال إعادة الأعمار مثل الصندوق السعودي للتنمية.
الشعوب الإسلامية تبحث عن هويتها
- على ضوء مايجري في المنطقة ماهي رؤيتكم لتطورات الأوضاع في المنطقه الاسلاميه وإلى أين نحن متجهون؟
من الصعب الإجابة على هذا السؤال في عجالة فالمنطقة الاسلامية واسعة ومتعددة الثقافات والأعراق وبالتالي لكل منها مشاكلها الخاصة والنابعة أساسا من بيئتها السياسية والجغرافية ولكن يتزايد الاهتمام بالمشاكل العابرة للحدود مثل قضايا الإرهاب وتهريب البشر والمخدرات، بالاضافه إلى انه سادت في العقود الاخيرة صحوة إسلامية مرتبطة أساسا بزوال الاستعمار وبدأت شعوب المنطقة الاسلامية تبحث عن هويتها الحقيقية، متأثرة بتصاعد الاعتراف بحقوق الإنسان وبحق تقرير المصير، وأدى انتشار التعليم بصورة جيدة في العقود الاخيرة إلى الاطلاع على الدين والتاريخ الإسلامي بصورة مباشرة من مصادره الحقيقية وليس عبر أشخاص غير متعلمين.
وعلى ضوء عدم تكافؤ النظام الإنتاجي الدولي ومعاناة كثير من الدول الاسلاميه من امور كثيرة ليس اقلها النظرة المتحيزة ضد الفرد المسلم والبلد المسلم فقد استشعرت بعض الفئات الاسلامية ذلك التحيز ورأت فيه تصميما من بعض الدوائر الدولية على إبقاء العالم الإسلامي في وضع اقل من الآخرين، وهذا بالتالي دفع بعض تلك الفئات في البلدان الاسلامية إلى تصور حلول غير مفيدة بالمقياس العملي كاللجوء إلى العنف أو الانعزال أو الشعور بالاضطهاد. وهناك سجال متعدد دائر في العالم الإسلامي و رؤى إسلامية متنوعة بينها وبين التيارات الخارجية ؛ وكلها تسعى الى استقراء طبيعة الأخطاء التي حصلت في العالم الإسلامي، وبعضها ادعى أن الدين الإسلامي هو سبب التطرف والإرهاب وعدم القدرة على التعايش السلمي، والبعض أشار الى ان أفرادا من المسلمين هم الذين ضلوا الطريق وعاشوا في تفسيرات ضيقة للإسلام، ورؤى أخرى تمسكت باعتقادها ان هناك عداء من الجهة المقابلة للإسلام وأهله وان هذا العداء يمتد لعقود طويلة واخذ شكل التدخل في الشئون الداخلية واستغلال تخلف العالم الإسلامي وفقره.
ويشتكي آخرون في العالم الإسلامي من تحيز القوى الدولية ضد قضاياهم مثل القضية الفلسطينية وكشمير وجنوب الفلبين وغيرها من قضايا الأمة. واعتقد ان العالم مهما استمر في تجاهل القضايا الاسلامية مرده في النهاية ان يتعامل معها بما ينبغي وسيجد حينها أن في العالم الإسلامي غالبية عظمى تسعى إلى التعايش مع الثقافات الأخرى والحضارات القائمة كما حصل منذ فجر الإسلام.
ومن ثم فان المنطقة الاسلاميه لاتعيش بمفردها بل هي جزء من العالم ولابد لها من التعامل مع هذا العالم بما يفيدها و يخدم مصالحها وان تركز على تطوير قدرات شعوبها والتركيز على التعليم كما لابد أن يرتب العالم الإسلامي أوضاع دوله وشعوبه لكي تسود بينهم علاقات المحبة والإخاء قبل ان يطالبوا الآخرين باتخاذ موقف مماثل منهم.
تيارات عاجزة عن المواجهة
- اذن كيف ترون نشاط التيارات المتطرفة وهل نحن متجهون الى صدام مع هذا التيار؟
الدول الاسلامية اوعلى الأقل اغلبها هي في صدام مع هذه التيارات على مستوى الفكر والبعض الآخر على ارض الواقع، ومشكلة هذه التيارات المتطرفة أنها تتلبس حالات كثيرة فهي تتصور نفسها حامية للدين الإسلامي من الآخرين ولاسيما أبنائه فتتمسك بتفسيرات وآراء حول بعض القضايا التي تحتمل أكثر من تفسير أو رأي.
وفي حالات اخرى تنخرط في العنف سواء ضد المحتل او ضد مسلمين، والمشكلة انه ليس هناك حد متعارف على انه الفاصل ويعتبر من يتجاوزه متطرفا واعتقد أن ما يحصل في العراق أمر ملتبس على كثيرين ولكن من الواضح أن هناك مقاومة من ناحية وتوازيها تيارات إرهابية واجرامية كثيرة من مختلف الفئات و هذه التيارات الاجراميه أساءت للمقاومة أكثر مما نفعتها.
ومن المعروف أن التيارات المتطرفة عاجزة عن المواجهة فهي تستغل الظروف السانحة وحالة عدم اليقين وعدم الاستقرار لممارسة أعمالها الشنيعة، ولكن من الواضح انه يتنامى شعور إسلامي بأن أعمال التطرف والإرهاب لم تعد ذات جدوى سواء داخل البلاد الاسلامية او خارجها ويسود استنكار إسلامي ودولي لهذه الظاهرة.
تنسيق سعودي باكستاني أمني
- التنسيق مع إسلام آباد حول مكافحة الإرهاب الى أين وصل؟
المملكة وباكستان كلاهما اصطلتا بالإرهاب وتبعاته وهناك تنسيق بين البلدين حول هذا الشأن وهما يتجهان نحو مزيد من التعاون الأمني خلال الأشهر المقبلة والتعاون بين البلدين في المجال الأمني جيد ويحظى برضى الطرفين وهناك آفاق واسعة أمام المزيد من التعاون، وباكستان تبدي تعاونا ليس فقط مع المملكة بل مع مختلف دول العالم والمملكة من الدول التي أبدت اهتماما حتى قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر من الإرهاب.
المطلوب تكريس ثقافة الاعتدال
- كيف يمكن تكريس ثقافة التسامح والاعتدال في العالم الإسلامي وتحسين صورة الإسلام في الغرب؟
ثقافة التسامح والاعتدال موجودة ولكنها محتاجة إلى إعادة تعريف وتحديد بعد ان أصبحت الكثير من الأفكار تقدم على انها جزء من الاعتدال ولكنها في الحقيقة هي تطرف في الاتجاه الآخر، كما ان بعض الأفكار توسم بالتطرف مع انها من شعائر الدين فلابد للمجتمعات الاسلامية ان تقف مع نفسها وتقرر ما هو معتدل وما هو غير معتدل، وهناك دور مهم على علماء الأمة الاسلاميه في هذا الشأن. اما من ناحية تحسين صورة الإسلام في الغرب فهو مشوار طويل يمكن تحقيق بعض النجاحات فيه ولكن لايمكن أن تتحسن بالشكل المطلوب لان الخلل يكون أحيانا في المتلقي وليس في الصورة، هناك حاجة الى أن يجلس العقلاء من الغرب مع نظرائهم المسلمين للتذاكر حول أسباب التصورات السلبية المتبادلة عن الآخر،
اما مفهوم صراع الحضارات فهو المفهوم البديل للحرب الباردة والمصطلح هو اختصار لرؤية بعض الدوائر الدولية للمرحلة التي أعقبت الحرب الباردة والتي امتلأت بمصطلحات تعبرعن طبيعة موازين القوى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مثل العولمة والنظام العالمي الجديد. ولا اعتقد ان هناك صدام حضارات بمعنى الكلمة ولكن يوجد تفاوت في الرؤى واختلاف في الثقافات.
ولذلك فهناك حاجة الى حوار بناء بين الغرب والعالم الإسلامي ويجب ان يكون مبنيا على الاحترام المتبادل والتفهم والرغبة في التوصل إلى أرضية مشتركة، وبذلك فقط نستطيع ان نقضي على سؤال فهم الذي يبدو للأسف ان له تأثيره على السياسة وسيحقق مثل هذا الحوار ايجابيات كثيرة تستفيد منها شعوب العالم، وتقودهم الى بر الأمان والسلام.