نظام البعث: 37 عاما من المؤامرات والاغتيالات والحروب وزرع الشقاق
احتضن المنشقين واغتال الرموز الفلسطينية وحاصر عرفات وطرده من دمشق
الأحد / 06 / شعبان / 1428 هـ الاحد 19 أغسطس 2007 19:29
خاص (رام الله - غزة - القدس)
ما الذي قدمه النظام السوري للقضية الفلسطينية؟! سؤال يطرح دائما على لسان الفلسطينيين من سياسيين ومثقفين ومواطنين عاديين، وكل من عاصر النظام السوري الحالي منذ انقلاب أكتوبر 1970 الذي يطلق عليه النظام «الحركة التصحيحية»، وحتى يومنا هذا، الذي خرج فيه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع باتهامات باطلة لقيادة الشعب الفلسطيني الشرعية، بالعمالة لامريكا وإسرائيل وأنظمة عربية أخرى، وطوال هذه السنين الـ 37 ظل النظام السوري يتاجر بالقضية الفلسطينية بينما يمارس على الأرض المؤامرات والاغتيالات والتصفيات بحق القيادات الفلسطينية وشق الصفوف وبعثرة القوى وعقد الصفقات على حساب الشعب الفلسطيني؟
خلال 37 عاما، صدع النظام السوري الدنيا بصراخه عن دعم القضية الفلسطينية في الوقت الذي عمل فيه ومنذ لحظة تسلمه الحكم على خذل المقاومة التي كانت تتعرض للذبح في مجزرة أيلول الأسود في الأردن، بعدما سحب القوات السورية التي تقدمت في شمال الأردن لحماية الثورة الفلسطينية، ثم عمل على شق حركة فتح، واحتضان الخارجين عنها، وعلى تشكيل منظمة الصاعقة التابعة لحزب البعث والتي انحصرت وظيفتها في عمليات التخريب الداخلية، ثم عمل على تقسيما إلى منظمات بعد الخروج من لبنان، فأصبحت جبهة النضال جبهتين، وجبهة التحرير الفلسطينية جبهتين، بعدما عمل على شقهما، واحتضن المنشقين في دمشق، ثم قام بتشكيل جبهة الفصائل العشرة في دمشق لمعارضي ياسر عرفات، كل ذلك تم بعدما حاصر هذا النظام ياسر عرفات في بيروت، وطرده من دمشق، وشن عليه حربا مباشرة في طرابلس العام 1983، وبعدها أطلق ميليشيات حركة أمل الشيعية في حرب المخيمات في لبنان العام 1985، هذا كله دون أن ننسى ما فعلته القوات السورية في مذابح تل الزعتر العام 1975عندما ساهمت في حصار المخيم، وتهجير أبناء الشعب الفلسطيني، وصولا الى تغذية ودعم حركة حماس بكل ما من شأنه زعزعة الصف الفلسطيني وتقسيم الأرض والقضية ونسف كل التضحيات بعملية انقلابية سلخت قطاع غزة عن الشرعية الفلسطينية وأراقت من الدم الفلسطيني أضعاف ما سقط في المواجهات مع إسرائيل، وأخيرا تصدير عصابة العبسي، باسم تنظيم (فتح الإسلام) الى مخيم نهر البارد، للإساءة الى اسم حركة فتح ولاسم الشعب الفلسطيني، وتدمير وتهجير أهل المخيم.
اغتيال الرموز الفلسطينية
ويورد أبو خالد العملة القيادي المنشق عن حركة فتح عام 1983، والذي تعرض للاعتقال على أيدي المخابرات السورية حيث تمتلئ سجونها بالمناضلين الفلسطينيين، بعض عمليات التصفية والاغتيال لعدد من قيادات الشعب الفلسطيني، التي كانت تقف عائقا في طريق مخططات النظام السوري ومن بينهم:
ماجد أبو شرار: في التاسع من أكتوبر 1981، اغتيل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، القائد ماجد أبو شرار بتفجير السرير الذي ينام عليه في غرفته التي يقيم فيها في فندق فلورا في روما بإيطاليا، وقد طرحت الكثير من التساؤلات نفسها: من فعل هذا؟ ولماذا؟ ولمصلحة من؟ وبقيت التساؤلات مطروحة وهي تبحث عن إجابات اكثر إقناعا. وبعد هذه السنوات المنقضية، يمكن القول بأن تغييب القائد ماجد أبو شرار عن الساحة كان لمصلحة سورية، نفذتها أدواتهم وأجهزتهم لتسهيل الوصول الى الانشقاق والتخلص من ياسر عرفات أو إضعافه على الأقل، وبالتالي الاحتواء الكامل للجسم الفلسطيني مقاومة ومنظمة، وفي النهاية الورقة الفلسطينية.
سعد صايل: بالخروج المشرف للمقاتلين، انتهى كل شيء بالنسبة للمعركة مع الغزو الإسرائيلي ومن تعاون معه من الأطراف اللبنانية المحسوبة على اليمين الانعزالي متوجين فصلا دمويا بمجزرة صبرا وشاتيلا ليلة 16/9/1982، وبدأت مشاهد فصل جديد على الأرض سريعا باغتيال القائد سعد صايل، في البقاع، وهي المنطقة الواقعة تحت «سيطرة عسكرية سورية» كاملة، وبين حاجزين عسكريين لذلك الجيش تم الاغتيال المروع لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، العميد سعد صايل (أبو الوليد)، حيث حال هذا الجيش دون وصول سيارة الإسعاف في الوقت المناسب لإنقاذ حياته، ما تسبب في استشهاده، وبعد ان تيقنوا من مفارقته للحياة سمحوا لسيارة الإسعاف بنقله الى ثلاجة الموتى، هذا ما حصل للشهيد أبو الوليد، وقد كان ذلك بتاريخ 29/9/1982، بالأمس ماجد أبو شرار، واليوم سعد صايل، فوضوح الأسباب والدوافع التي أدت الى تغييب الأول، هي الآن أشد وضوحا فيما يتعلق بالثاني، فلن تستوي الأمور، ولن تفلح الخطة السورية إذا ما بقي أبو الوليد على قيد الحياة، كيف ستستقيم الخطة إذا ما بقيت القلعة الحصن واقفة شامخة؟ فأبو الوليد العسكري المشهود له في كل الميادين، هو الفلسطيني بامتياز، الفتحاوي العنيد، وهو ركن عرفاتي صلب أرادت سوريا التخلص منه.
فهد القواسمة: بعد الخروج من لبنان بفعل العدوان الإسرائيلي، وحرب المخيمات في شمال لبنان، ها هي منظمة التحرير الفلسطينية تقف وبلا منازع ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، منتخبة من قبل المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان في نوفمبر 1984، وعلى رأسها الرئيس ياسر عرفات منتخبا من المجلس ذاته، كل هذا لم يعجب حلفاء الشر الذين هزموا بالأمس في طرابلس، فعادوا الى ديدنهم، وامتدت يد الغدر لتغتال فهد القواسمة عضو اللجنة التنفيذية، رئيس دائرة شؤون الأرض المحتلة، وذلك بإطلاق الرصاص عليه وهو يهم بدخول منزله في جبل الحسين في عمان في 29/12/1984، الأسئلة نفسها تعود لتطرح نفسها: من اغتال فهد؟ ولماذا فهد القواسمة؟ ولمصلحة من؟ إنها الأسئلة المطروحة دائما، وهو الذي لم يكد يمض على عضويته في اللجنة التنفيذية شهرا واحدا، ليسدد فاتورة موقفه الوطني الملتزم، بالموافقة على العضوية في اللجنة التنفيذية، والسير في الركب العرفاتي حاملا راية القرار الوطني الفلسطيني المستقل.
وفيما يلي محطات أخرى كشف عنها العملة، من مؤامرات النظام السوري ضد منظمة التحرير الفلسطينية والقضية الفلسطينية، والقرار الوطني الفلسطيني المستقل:
أولا: انشقاق أبو موسى
في التاسع من مايو لعام 1983، ومن الحضن السوري الخادع، أعلن العقيد أبو موسى انشقاقه عن حركة فتح بهدف التصحيح، متذرعا بما جرى من تقصير خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وما لحقه من إجراءات إدارية وتنظيمية داخلية، وتولت القيادة السورية من خلال جهاز مخابراتها وضابطتها الفدائية (الجهاز الذي كان يتولى إدارة العلاقة والارتباط مع المقاومة الفلسطينية على الأراضي اللبنانية) مسؤولية إدارة العمليات وترتيبات الانشقاق ميدانيا بما يخدم الأهداف السورية، حيث استغلت ملايين الدولارات، التي كان من المفترض لها أن تكون بتصرف المقاومة لمواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان في شق الحركة الوطنية الفلسطينية، وضرب وحدتها، والذهاب الى ما هو ابعد من ذلك، نعم فقد ذهبت الى حد مصادرة وخطف القرار الوطني الفلسطيني المستقل، انها القرصنة السورية والتخاذل في وضح النهار، هذا هو سلوك «جبهة الصمود والتصدي» ما صمدوا وما تصدوا، ولكنهم تصرفوا على عكس كل ذلك، صمدوا بلحم ودماء وارض الغير، بالفعل جاهدوا وناضلوا وصمدوا وضحوا بالآخرين، المهم أن لا تتورط سوريا، وهذا انتصار عظيم، كانت دباباتهم ومدافعهم ومضاداتهم الجوية في الجبل، وفي بيروت وحولها، ولكنها كانت صامتة مكممة، خرج منها من خرج منسحبا، وبقي منها من لم يسعفه الوقت بالخروج قبل ان يطبق الحصار على العاصمة بيروت.
طرد عرفات من دمشق
في يونيو 1983، تقرر طرد الرئيس ياسر عرفات من دمشق، فاقتاده ضابط سوري الى الطائرة التي أقلته الى تونس باعتباره شخصا غير مرغوب فيه عائدا الى المقر المؤقت للقيادة الفلسطينية بالقرب من حمام الشط، إنها الخطوة الوقحة بهذا السلوك السافر المتجاوز لكل الخطوط الحمراء، ومكث عرفات عدة شهور يعد العدة، واستمر في تنظيم عودة المقاتلين الى طرابلس في لبنان فردا فردا حتى يستكمل الجيش عدده، وهم الذين أخرجوا بالأمس جماعات على السفن من ميناء بيروت بعد الحصار الكبير موزعين على كل العواصم.
مواجهات طرابلس وحرب المخيمات
في سبتمبر 1983، كان التحدي الكبير، يأبى عرفات أن يستسلم، القرار الوطني الفلسطيني المستقل يسكن عرفات، ومن له أن ينزع هذا من ذاك، فينسل من حضنه الدافئ تونس دون أن يعلمه بوجهته، ويعود متخفيا، متنكرا، متسللا الى طرابلس -شمال لبنان- للحاق برفيق الدرب أبو جهاد، الصامد المرابط مع ثلة من المقاتلين الفدائيين، وهو الشرط اليتيم الذي تضمنته برقية من أبو جهاد، تحضيرا للمواجهة الكبرى، المفروضة بإدارة ميدانية سورية، تلك المواجهة، التي أطلق عليها عرفات الاسم الشهير «معركة القرار الوطني الفلسطيني المستقل» وقد كانت بالفعل كذلك وبالفعل لم يستسلم عرفات، ووصل الى طرابلس، الأمر الذي أذهل الجميع أصيب البعض بالصدمة، وخاصة أولئك الذين لم يتمرسوا على السلوك والمفاجآت العرفاتية، فلم يحتملوا الموقف، هذا لم يعجب حلفاء الشر، استفزهم التحدي أطبقوا الحصار سوريا وحلفاؤهم المنشقون فلسطينيا برا، وإسرائيليا بحرا وجوا، واحتدمت معركة الدفاع عن القرار الوطني المستقل، والتي استمرت ما يزيد عن ثلاثة شهور متواصلة، قصفت فيه القوات السورية وعملاؤها من الفلسطينيين مخيمي نهر البارد والبداوي بكافة أنواع الصواريخ والقذائف، وأوغلوا في الدم الفلسطيني، ولم يتمكنوا بكل ما أوتوا من قوة ودعم من مصادرة القرار الوطني الفلسطيني المستقل، واستشهد دونه خيرة أبناء فتح وحلفائه.
وفي أواخر ديسمبر 1983، وبتدخل فرنسي مصري، تم التوصل الى اتفاق للخروج من طرابلس على البواخر اليونانية مرة أخرى وبحراسة دولية، فخرج الرئيس عرفات، ومن تبقى معه من الوطنيين الفلسطينيين الى المنافي ظافرا بالقرار الوطني الفلسطيني المستقل.
الذين أداروا معركة الشقاق والدم بالأمس، هم أنفسهم ما غيروا وما بدلوا، وما افلحوا في مصادرة الورقة الفلسطينية، يطلون علينا اليوم بتصريحات التخوين والعمالة، واتهامات بيع القضية والتنازل عن فلسطين، وهم المتاجرون بالقضية، الذين استمرأوا الحالة وبكل وقاحة وصلف، فقد أوغلوا النصال ولا هم لهم إلا أنفسهم حملوا الشعار وعملوا به (نحن أو لا أحد)، ومن لا يعمل معنا فتحت الأرض مكانه، أو الطرد، أو السجن مأواه، إنها القوة الإقليمية التي تجاهد بالمجان، على حساب الدم الفلسطيني تارة، وعلى حساب الدم اللبناني تارة أخرى، وعلى حساب الدم العراقي مرة ثالثة، والجبهة السورية في الجولان المحتل منذ أربعين عاما في سبات عميق.
خلال 37 عاما، صدع النظام السوري الدنيا بصراخه عن دعم القضية الفلسطينية في الوقت الذي عمل فيه ومنذ لحظة تسلمه الحكم على خذل المقاومة التي كانت تتعرض للذبح في مجزرة أيلول الأسود في الأردن، بعدما سحب القوات السورية التي تقدمت في شمال الأردن لحماية الثورة الفلسطينية، ثم عمل على شق حركة فتح، واحتضان الخارجين عنها، وعلى تشكيل منظمة الصاعقة التابعة لحزب البعث والتي انحصرت وظيفتها في عمليات التخريب الداخلية، ثم عمل على تقسيما إلى منظمات بعد الخروج من لبنان، فأصبحت جبهة النضال جبهتين، وجبهة التحرير الفلسطينية جبهتين، بعدما عمل على شقهما، واحتضن المنشقين في دمشق، ثم قام بتشكيل جبهة الفصائل العشرة في دمشق لمعارضي ياسر عرفات، كل ذلك تم بعدما حاصر هذا النظام ياسر عرفات في بيروت، وطرده من دمشق، وشن عليه حربا مباشرة في طرابلس العام 1983، وبعدها أطلق ميليشيات حركة أمل الشيعية في حرب المخيمات في لبنان العام 1985، هذا كله دون أن ننسى ما فعلته القوات السورية في مذابح تل الزعتر العام 1975عندما ساهمت في حصار المخيم، وتهجير أبناء الشعب الفلسطيني، وصولا الى تغذية ودعم حركة حماس بكل ما من شأنه زعزعة الصف الفلسطيني وتقسيم الأرض والقضية ونسف كل التضحيات بعملية انقلابية سلخت قطاع غزة عن الشرعية الفلسطينية وأراقت من الدم الفلسطيني أضعاف ما سقط في المواجهات مع إسرائيل، وأخيرا تصدير عصابة العبسي، باسم تنظيم (فتح الإسلام) الى مخيم نهر البارد، للإساءة الى اسم حركة فتح ولاسم الشعب الفلسطيني، وتدمير وتهجير أهل المخيم.
اغتيال الرموز الفلسطينية
ويورد أبو خالد العملة القيادي المنشق عن حركة فتح عام 1983، والذي تعرض للاعتقال على أيدي المخابرات السورية حيث تمتلئ سجونها بالمناضلين الفلسطينيين، بعض عمليات التصفية والاغتيال لعدد من قيادات الشعب الفلسطيني، التي كانت تقف عائقا في طريق مخططات النظام السوري ومن بينهم:
ماجد أبو شرار: في التاسع من أكتوبر 1981، اغتيل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، القائد ماجد أبو شرار بتفجير السرير الذي ينام عليه في غرفته التي يقيم فيها في فندق فلورا في روما بإيطاليا، وقد طرحت الكثير من التساؤلات نفسها: من فعل هذا؟ ولماذا؟ ولمصلحة من؟ وبقيت التساؤلات مطروحة وهي تبحث عن إجابات اكثر إقناعا. وبعد هذه السنوات المنقضية، يمكن القول بأن تغييب القائد ماجد أبو شرار عن الساحة كان لمصلحة سورية، نفذتها أدواتهم وأجهزتهم لتسهيل الوصول الى الانشقاق والتخلص من ياسر عرفات أو إضعافه على الأقل، وبالتالي الاحتواء الكامل للجسم الفلسطيني مقاومة ومنظمة، وفي النهاية الورقة الفلسطينية.
سعد صايل: بالخروج المشرف للمقاتلين، انتهى كل شيء بالنسبة للمعركة مع الغزو الإسرائيلي ومن تعاون معه من الأطراف اللبنانية المحسوبة على اليمين الانعزالي متوجين فصلا دمويا بمجزرة صبرا وشاتيلا ليلة 16/9/1982، وبدأت مشاهد فصل جديد على الأرض سريعا باغتيال القائد سعد صايل، في البقاع، وهي المنطقة الواقعة تحت «سيطرة عسكرية سورية» كاملة، وبين حاجزين عسكريين لذلك الجيش تم الاغتيال المروع لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، العميد سعد صايل (أبو الوليد)، حيث حال هذا الجيش دون وصول سيارة الإسعاف في الوقت المناسب لإنقاذ حياته، ما تسبب في استشهاده، وبعد ان تيقنوا من مفارقته للحياة سمحوا لسيارة الإسعاف بنقله الى ثلاجة الموتى، هذا ما حصل للشهيد أبو الوليد، وقد كان ذلك بتاريخ 29/9/1982، بالأمس ماجد أبو شرار، واليوم سعد صايل، فوضوح الأسباب والدوافع التي أدت الى تغييب الأول، هي الآن أشد وضوحا فيما يتعلق بالثاني، فلن تستوي الأمور، ولن تفلح الخطة السورية إذا ما بقي أبو الوليد على قيد الحياة، كيف ستستقيم الخطة إذا ما بقيت القلعة الحصن واقفة شامخة؟ فأبو الوليد العسكري المشهود له في كل الميادين، هو الفلسطيني بامتياز، الفتحاوي العنيد، وهو ركن عرفاتي صلب أرادت سوريا التخلص منه.
فهد القواسمة: بعد الخروج من لبنان بفعل العدوان الإسرائيلي، وحرب المخيمات في شمال لبنان، ها هي منظمة التحرير الفلسطينية تقف وبلا منازع ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، منتخبة من قبل المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان في نوفمبر 1984، وعلى رأسها الرئيس ياسر عرفات منتخبا من المجلس ذاته، كل هذا لم يعجب حلفاء الشر الذين هزموا بالأمس في طرابلس، فعادوا الى ديدنهم، وامتدت يد الغدر لتغتال فهد القواسمة عضو اللجنة التنفيذية، رئيس دائرة شؤون الأرض المحتلة، وذلك بإطلاق الرصاص عليه وهو يهم بدخول منزله في جبل الحسين في عمان في 29/12/1984، الأسئلة نفسها تعود لتطرح نفسها: من اغتال فهد؟ ولماذا فهد القواسمة؟ ولمصلحة من؟ إنها الأسئلة المطروحة دائما، وهو الذي لم يكد يمض على عضويته في اللجنة التنفيذية شهرا واحدا، ليسدد فاتورة موقفه الوطني الملتزم، بالموافقة على العضوية في اللجنة التنفيذية، والسير في الركب العرفاتي حاملا راية القرار الوطني الفلسطيني المستقل.
وفيما يلي محطات أخرى كشف عنها العملة، من مؤامرات النظام السوري ضد منظمة التحرير الفلسطينية والقضية الفلسطينية، والقرار الوطني الفلسطيني المستقل:
أولا: انشقاق أبو موسى
في التاسع من مايو لعام 1983، ومن الحضن السوري الخادع، أعلن العقيد أبو موسى انشقاقه عن حركة فتح بهدف التصحيح، متذرعا بما جرى من تقصير خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وما لحقه من إجراءات إدارية وتنظيمية داخلية، وتولت القيادة السورية من خلال جهاز مخابراتها وضابطتها الفدائية (الجهاز الذي كان يتولى إدارة العلاقة والارتباط مع المقاومة الفلسطينية على الأراضي اللبنانية) مسؤولية إدارة العمليات وترتيبات الانشقاق ميدانيا بما يخدم الأهداف السورية، حيث استغلت ملايين الدولارات، التي كان من المفترض لها أن تكون بتصرف المقاومة لمواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان في شق الحركة الوطنية الفلسطينية، وضرب وحدتها، والذهاب الى ما هو ابعد من ذلك، نعم فقد ذهبت الى حد مصادرة وخطف القرار الوطني الفلسطيني المستقل، انها القرصنة السورية والتخاذل في وضح النهار، هذا هو سلوك «جبهة الصمود والتصدي» ما صمدوا وما تصدوا، ولكنهم تصرفوا على عكس كل ذلك، صمدوا بلحم ودماء وارض الغير، بالفعل جاهدوا وناضلوا وصمدوا وضحوا بالآخرين، المهم أن لا تتورط سوريا، وهذا انتصار عظيم، كانت دباباتهم ومدافعهم ومضاداتهم الجوية في الجبل، وفي بيروت وحولها، ولكنها كانت صامتة مكممة، خرج منها من خرج منسحبا، وبقي منها من لم يسعفه الوقت بالخروج قبل ان يطبق الحصار على العاصمة بيروت.
طرد عرفات من دمشق
في يونيو 1983، تقرر طرد الرئيس ياسر عرفات من دمشق، فاقتاده ضابط سوري الى الطائرة التي أقلته الى تونس باعتباره شخصا غير مرغوب فيه عائدا الى المقر المؤقت للقيادة الفلسطينية بالقرب من حمام الشط، إنها الخطوة الوقحة بهذا السلوك السافر المتجاوز لكل الخطوط الحمراء، ومكث عرفات عدة شهور يعد العدة، واستمر في تنظيم عودة المقاتلين الى طرابلس في لبنان فردا فردا حتى يستكمل الجيش عدده، وهم الذين أخرجوا بالأمس جماعات على السفن من ميناء بيروت بعد الحصار الكبير موزعين على كل العواصم.
مواجهات طرابلس وحرب المخيمات
في سبتمبر 1983، كان التحدي الكبير، يأبى عرفات أن يستسلم، القرار الوطني الفلسطيني المستقل يسكن عرفات، ومن له أن ينزع هذا من ذاك، فينسل من حضنه الدافئ تونس دون أن يعلمه بوجهته، ويعود متخفيا، متنكرا، متسللا الى طرابلس -شمال لبنان- للحاق برفيق الدرب أبو جهاد، الصامد المرابط مع ثلة من المقاتلين الفدائيين، وهو الشرط اليتيم الذي تضمنته برقية من أبو جهاد، تحضيرا للمواجهة الكبرى، المفروضة بإدارة ميدانية سورية، تلك المواجهة، التي أطلق عليها عرفات الاسم الشهير «معركة القرار الوطني الفلسطيني المستقل» وقد كانت بالفعل كذلك وبالفعل لم يستسلم عرفات، ووصل الى طرابلس، الأمر الذي أذهل الجميع أصيب البعض بالصدمة، وخاصة أولئك الذين لم يتمرسوا على السلوك والمفاجآت العرفاتية، فلم يحتملوا الموقف، هذا لم يعجب حلفاء الشر، استفزهم التحدي أطبقوا الحصار سوريا وحلفاؤهم المنشقون فلسطينيا برا، وإسرائيليا بحرا وجوا، واحتدمت معركة الدفاع عن القرار الوطني المستقل، والتي استمرت ما يزيد عن ثلاثة شهور متواصلة، قصفت فيه القوات السورية وعملاؤها من الفلسطينيين مخيمي نهر البارد والبداوي بكافة أنواع الصواريخ والقذائف، وأوغلوا في الدم الفلسطيني، ولم يتمكنوا بكل ما أوتوا من قوة ودعم من مصادرة القرار الوطني الفلسطيني المستقل، واستشهد دونه خيرة أبناء فتح وحلفائه.
وفي أواخر ديسمبر 1983، وبتدخل فرنسي مصري، تم التوصل الى اتفاق للخروج من طرابلس على البواخر اليونانية مرة أخرى وبحراسة دولية، فخرج الرئيس عرفات، ومن تبقى معه من الوطنيين الفلسطينيين الى المنافي ظافرا بالقرار الوطني الفلسطيني المستقل.
الذين أداروا معركة الشقاق والدم بالأمس، هم أنفسهم ما غيروا وما بدلوا، وما افلحوا في مصادرة الورقة الفلسطينية، يطلون علينا اليوم بتصريحات التخوين والعمالة، واتهامات بيع القضية والتنازل عن فلسطين، وهم المتاجرون بالقضية، الذين استمرأوا الحالة وبكل وقاحة وصلف، فقد أوغلوا النصال ولا هم لهم إلا أنفسهم حملوا الشعار وعملوا به (نحن أو لا أحد)، ومن لا يعمل معنا فتحت الأرض مكانه، أو الطرد، أو السجن مأواه، إنها القوة الإقليمية التي تجاهد بالمجان، على حساب الدم الفلسطيني تارة، وعلى حساب الدم اللبناني تارة أخرى، وعلى حساب الدم العراقي مرة ثالثة، والجبهة السورية في الجولان المحتل منذ أربعين عاما في سبات عميق.