مشاكل تفعيل مبادرة السلام العربية

د. طلال صالح بنان

من أهم المشكلات التي تعترض إطلاق مبادرة السلام العربية، تلك الخاصة بأطراف الأزمة داخل النظام العربي. على الساحة الفلسطينية هناك شقاق بين أصحاب القضية تتعمق هوته يوماً بعد يوم في غياب إرادة حقيقية من قبل طرفي الأزمة الفلسطينية، (حركتا حماس وفتح)، لردم هوة ذلك الشقاق بين الأشقاء، لدرجة اتساع عمق تلك الهوة، لتخلق معضلة أساسية أمام العرب، لتسويق مبادرتهم السلمية، عالمياً وإقليمياً، سواء على مستوى اللجنة الرباعية الدولية، أو تجاه الطرف الإسرائيلي، المعني بصورة أساسية بمبادرة السلام العربية.
مما يجعل مشكلة تسوية الخلاف الفلسطيني ــ الفلسطيني، عصية عن أي حل عربي جدي وحقيقي، هذا الاستقطاب الذي أخذ يتنامى داخل النظام العربي، ويشكل المتغير الفلسطيني أحد محاوره الرئيسية. جهود الوساطة العربية، التي تقوم بها الجامعة العربية، يبدو أنها لم تصل إلى حل مقبول بين طرفي الأزمة الفلسطينية، لوجود خلل في تشكيل لجنة الوساطة العربية. كيف يمكن تصور التأثير على حماس، على سبيل المثال، وسوريا ليست عضواً في لجنة الوساطة العربية...!؟
كذلك، فإنه على مستوى قضية تفعيل مبادرة السلام العربية، حتى لو أُتخذ قرار بشأنها، إلا أن أجواء التوتر السائدة في أوساط النظام العربي الرسمية، حول قضايا كثيرة، تبدأ من مشكلة العراق، ولا تنتهي عند المشكلة اللبنانية، من شأنها أن تجعل أي تحرك عربي غير محصنٍ تجاه أي تدخلات إقليمية أو دولية، تجعل مهمة هذا التحرك العربي أو ذاك، لا يعكس إرادة عربية واحدة أو حتى تنسيقاً عربياً متجانساً يسود عملية إطلاق مبادرة السلام العربية.
على أي حال: استمرار التوتر على الساحة الفلسطينية، خارج نطاق احتواء عربي فعال للمتغير الفلسطيني، يجعل أي تحرك عربي لإطلاق مبادرة السلام العربية، إقليمياً ودولياً، أو على مستوى الاتصال بإسرائيل، عاجزاً عن بناء موقف عربي قوي وفعال باستطاعته الصمود أمام البدائل التي تطرحها القوى الإقليمية والدولية لتسوية الأزمة، مثل مشروع خارطة الطريق، على سبيل المثال.
جهود الوساطة العربية تجاه حل الأزمة الفلسطينية، لم تسفر إلى الآن عن إحداث اختراق استراتيجي مهم يبشر بقرب حل الإشكال بين الفلسطينيين. لا زال الرئيس محمود عباس يضع شروطاً تعجيزية لفتح حوار مع حماس. ولا زالت حركة حماس، من جانبها، تتعامل مع حالة الصراع مع إسرائيل بمنطق الثورة وليس بعقلانية الدولة. إسرائيل تشدد الخناق يومياً على قطاع غزة، في الوقت الذي تستمر حركتا حماس والجهاد الإسلامي في إمطار المستوطنات والمدن الإسرائيلية بصواريخ بدائية غير فعالة تساهم في تقوية منطق النظرية الأمنية في إسرائيل، ولا تشكل في المقابل أي إمكانية ردع فعالة لجعل الإسرائيليين أكثر قرباً من تبصر إمكانات السلام.
بالإضافة إلى أن جهود الجامعة العربية لرأب الصدع بين الفلسطينيين، لا تمتلك ـــ في حقيقة الأمر ـــ إمكانات تأثير مباشرة وفعالة على الفلسطينيين. لم تفعل الجامعة العربية شيئاً تجاه استمرار الحصار الدولي على الفلسطينيين في قطاع غزة، في الوقت الذي تنهال فيه المساعدات الاقتصادية والعسكرية من إسرائيل وبعض أطراف اللجنة الرباعية، على مؤسسة الرئاسة في رام الله، التي ترفض أي اتصال مع حركة حماس وقطاع غزة، خارج إطار نظرية الانقلاب والانقلابيين، التي فسرت بها أحداث 14 يونيو الماضي وتمخضت عن سلخ القطاع، بسيطرة حركة حماس عليه، عن باقي إقليم السلطة في الضفة الغربية التي تسيطر عليه مؤسسة الرئاسة وفتح في رام الله.
خارج أي تفكير جدي في إعادة تشكيل لجنة الوساطة العربية في الجامعة العربية.. وخارج التخلص من أية شبهة تطال نزاهة وحيادية لجنة الوساطة العربية تبعث روح الطمأنينة عند طرفي الأزمة الفلسطينية.. وخارج أي عمل جدي في داخل النظام العربي وبين فعالياته، لرأب الخلاف في توجهات ومواقف وعلاقات الأطراف العربية، والتفاف فعاليات النظام العربي المهمة من أجل متابعة وتنفيذ مقررات قمة الرياض الخاصة بتفعيل مبادرة السلام العربية، فإن أي محاولة لرأب الصدع بين الأطراف الفلسطينية، تظل صعبة.. والحصول على استجابة وتعاون الأطراف الأخرى في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، تكون بعيدة.. والتقدم بثبات وثقة في أي تحرك لتفعيل مبادرة السلام العربي، يكون مستبعداً وغير مجدٍ.
لا سبيل غير إعادة الُلحمة لجسد العمل العربي المشترك، باحتواء الخلافات العربية / العربية في داخله، ومن ثَمّ الانطلاق نحو استكشاف إمكانات تفعيل مبادرة السلام العربية، وفقاً لمقررات قمة الرياض العربية، في مارس الماضي.