جبل النور بداية الرسالة الخالدة

يرتاده الزوار والمعتمرون في رمضان

جبل النور بداية الرسالة الخالدة

سلمان السلمي (مكة المكرمة)تصوير: حسن القربي

الصعود الى جبل النور ودخول غار حراء الذي نزل فيه جبريل عليه السلام بأول الوحي على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تجربة عملية صعبة وقاسية تستغرق وقتاً طويلا وجهداً خارقاً حتى تصل الى القمة ومن ثم تدلف الى الغار وهناك تكتشف المكان الذي سطرت فيه مقدمة الفصل الاول من تاريخ الاسلام وكيف ان الحجر كان مادته ومداده.
تتمنى لو ان الجبل ينطق ولو ان للغار فماً ولساناً ولو لم يكن قدره هذا الجمود السرمدي لحظتها كنت ستسمع منه قصة صفحات التكوين والبداية..
بداية «اقرأ باسم ربك الذي خلق » جبل حراء له اسماء عديدة منها جبل القرآن وجبل الاسلام ولكنه يعرف لدى العامة بجبل النور. يصل ارتفاع الجبل 642 متراً ولكنه شاق على من يصعده حيث يصبح انحداره شديداً من ارتفاع 380 متراً حتى يصل الى ارتفاع 500 متر ثم يستمر بانحدار قائم الزواية تقريبا الى قمة الجبل في شكل جرف وتبلغ مساحته 5.25 كلم مربعة.
موقع الجبل
يقع جبل النور في الشمال الشرقي لمكة المكرمة ويقع في اعلاه غار حراء، محضن اول اية انزلت في القرآن الكريم، ومقر خلوة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، فيه تم اول لقاء مع جبريل عليه السلام حاملا بشرى النبوة لمحمد بن عبدالله تمهيداً لحمل الرسالة الى الثقلين.
واشارت مصادر تاريخية الى انه لا يوجد جبل بمكة ولا بالحجاز ولا بالدنيا كلها يشبه جبل النور فهو فريد الشكل والصورة قمته تشبه الطربوش الذي يلبس على الرأس او كسنام الجمل، او كالقبة الملساء.
في قلوب المسلمين عاطفة خاصة نحو هذا الجبل وبقية المواقع التاريخية في مكة والمشاعر المقدسة، رغم قلة المعلومات المتوفرة عنها، ويغلب عليهم توارث حبها جيلا بعد جيل، ويتحينون الفرصة لزيارة الاراضي المقدسة حجاجا ومعتمرين لمشاهدة مرابع اسلافهم الأوائل واستحضار بدايات تاريخهم الديني والروحي.
مابقي من مواقع يعد على اصابع اليدين بسبب التطور والتوسع العمراني واختلاف النظرة الفقهية اليها وغيرها.
التشكيل الصخري
يقول عبدالله الهذلي من سكان مكة المكرمة: يشرف جبل النور على اباطح مكة ويبعد عن المسجد الحرام نحو عشرة كلم وهو متميز بتشكيله الصخري الذي لا تخطئه اعين القاصدين خصوصاً المتجهين الى مدينة الطائف عبر طريق السيل الكبير.
وللجبل فضائل اوردتها كتب التاريخ على انه احد الجبال الخمسة التي بنى بها ابو الأنبياء ابراهيم الخليل عليه السلام الكعبة المشرفة، فقد اورد ابو الوليد الازرقي في كتابه (اخبار مكة وما جاء فيها من اثار) عن سعيد عن قتادة في قوله عز وجل: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد} قال: {ذكر لنا انه بناه من خمسة جبال، من طور سيناء، وطور زيتا، ولبنان، والجودي، وحراء وذكر لنا ان قواعده من حراء}.
واورد الازرقي في كتابه ايضاً (عن انس ابن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تجلى الله عز وجل للجبل «طوير سيناء» تشظى فطارت لطلعته ثلاثة اجبل فوقعت بمكة، وثلاثة اجبل فوقعت في المدينة فوقع بمكة حراء وثبير وثور ووقع بالمدينة احد وورقان ورضوى).
ويمكن تقسيم صعود الجبل إلى ثلاث مراحل المرحلة الأولى وهي اصعبها وعورة ومشقة تبدأ من عند لوحة كبيرة وضعتها هيئة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» تنهي القادم عن اخذ شيء من تراب الجبل او زرعه او حجارته، وتؤكد فيه انه لم تشرع الزيارة إليه او الصلاة فيه، وهي مكتوبة بثلاث لغات، العربية والاوردو والانجليزية لكن بعض القادمين استغلوا فرصة عدم توفير المرشدين، ولعله بسبب المشقة في صعود الجبل، فلم يفوتهم ان يسجلوا عليها اسماءهم وتاريخ قدومهم كتذكار لمن جاء بعدهم.
مشروع التلفريك
ربما يحدث القادم نفسه الى ترك ماجاء اليه من الصعود الى غار حراء بسبب الارهاق الشديد الذي يصيبه عند هذه المرحلة الصعبة، ويستغرب الزائر كيف فات على المستثمرين طوال الوقت التفكير في مشروع تجاري ناجح يتمثل في انشاء (تلفريك) يحمل القادمين الى غار حراء عبر محطات تتوفر فيها الاستراحات الحديثة ودورات المياه النظيفة.
ولعل شدة الإقبال عليه توفر أرباحاً معقولة، إلى جانب أنها ستوفر ضماناً أكبر لتوفير مرشدين للموقع وفق الضوابط الشرعية.
كما انه في كل عام ينقذ الدفاع المدني بالعاصمة المقدسة اعدادا من الذين يحتجزون في الجبل اضافة إلى ان هناك منهم من يموت من الارهاق والسقوط عبر المنحدرات الخطرة ولكن ما يبشر بالخير هو ما ذكره أمين العاصمة المقدسة الدكتور اسامة البار ان هناك دراسة لانشاء مشروع تلفريك إلى قمة جبل النور.
عتبات حجرية
في الثلث الثاني، تبدو الوعورة أخف وأرحم، ومما يسهل المشقة وجود صخور طليت باللون الأبيض كعلامات تدل القادم إلى أسهل الطرق صعوداً من خلال الصخور المتقاربة التي أشبه ما تكون بعتبات حجرية غير متناسقة.
ويزداد الإقبال إلى جبل النور في المواسم الدينية، لاسيما موسم الحج حيث يعج بكثرة مرتاديه ومن كل الجنسيات، رجالاً ونساء وأطفالاً، ويشهد على ذلك كثرة ما نقش على حجارة الجبل على طوال الطريق من أسماء القادمين وبمختلف اللغات، لكنه لا يخلو من القادمين طوال أيام السنة، خصوصا من العالم الإسلامي.
وحسب المشاهدة وفي خلو الرقيب، يلتزم القادمون بالأدب الإسلامي في هذا المقام، ولا يصرفون عليه شيئا من التقديس كتقبيل الحجارة أو البكاء عندها والتمسح فيها، ويحرصون على خلع أحذيتهم عند الغار، وإعطاء الفرصة بأريحية واضحة لكل قادم بالدعاء في جوف الغار دونما جلبة أو مزاحمة.
ولكن ما يؤخذ عليهم عدم الالتزام بنظافة الجبل، وكثرة الكتابات على الحجارة خصوصا داخل الغار بشكل يشوه المكان ولا يحترم خصوصيته ووضع صدقات مالية تحت الحجارة.
وفي الثلث الأخير صعودا وهو أيسر المراحل الثلاث، تجد فيه درجا معبدا بطريقة عشوائية، قام بعمله متطوعون تقربا إلى الله بفعلهم.
غار حراء
يقع غار حراء على اليسار من قمة جبل النور وهو عبارة عن فجوة بابها باتجاه الشمال، طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراع وثلاثة أرباع الذراع، يتسع للرجل البدين ويقف فيه الرجل الفارع ويتسع لبضعة رجال يصلون ويجلسون والداخل للغار يكون متجهاً للكعبة مباشرة، ويتسع الغار لخمسة أشخاص جلوساً وارتفاعه قامة متوسطة.. وعلى مرمى بصرك إلى الأسفل تشاهد الغار، وللوصول إليه لابد من النزول عبر عتبات إلى مدخل الغار، وتفاجا أن المدخل عبارة عن صخور كبيرة متراصة بعضها فوق بعض بينها فجوة صغيرة شديدة الضيق بطول نحو ثلاثة أمتار تجتازها بشكل عنفواني يتناسب مع تكوين الصخور الغريبة وهي مسننة ومدببة كأنها مزلاج والداخل عبرها بمثابة المفتاح.
ومن غريب ما يروى أنه مهما كان حجم الداخل طولا وعرضا، فإنه لن يعجز عن الدخول، وهذا من أسرار المكان حسب العارفين به.
ما أن تدلف المدخل العجيب، حتى ترى صخرة مستوية تكفي لجسد إنسان متمدد على يسار الداخل، لها باحة ضيقة، وكل هذا المكان مغطى بسقف الجبل، حماية للقاطن فيه من برد الليل وحر النهار، والامطار الموسمية، وعلى بعد خطوات باحة صغيرة مفتوحة تشاهد منها السماء وتطل منها على الأودية على الجانبين الغربي والجنوبي من الجبل، ولا تتجاوز مساحتها الكلية ستة أمتار فقط، وفي اتجاه القبلة تشاهد غار حراء.
والغار عبارة عن تجويف صخري صغير داخل حجارة عظيمة رصت بعناية إلهية واضحة كالمظلات الشمسية باتجاه القبلة تعلوها في الجانب الأيمن فتحتان صغيرتان تجددان هواءه، ويأنس الناظر من إحداها برؤية منارات المسجد الحرام وهي شامخة في عنان السماء، كأنها تخاطب الغار وتطمئنه بالنداء الخالد.. الله أكبر.
وتشم في الغار الطيب والمسك والعنبر الذي يحمله الزائرون، وتقاس مساحته بالسنتيمترات طولا وعرضا، وتتراءى لك فور دخولك في هذا المكان أول سطور في سفر الإسلام الخالد، فهنا خلوة النبي محمد وملاذ تأمله، وهنا نزل جبريل الأمين، ومن هنا جاءت أم المؤمنين خديجة بزوادة الطعام والماء لزوجها المنقطع عن صخب العالم وسغبه، وعن باطل قريش وشركهم.
وأينما مددت بصرك هنا، ستحاصرك الأسئلة من كل جانب، من دلّ النبي على هذا الغار الغامض المستتر؟.. وكيف كان يعيش قبل بعثته بالرسالة في هذا المكان؟.. وكيف كان يقضي وحشة الليل لسنوات في هذا الظلام وعلى هذا الارتفاع السحيق؟.. عبثا تحاول أن تستوعب مدى قوة هذه الإرادة والصلابة ورباطة الجأش. لا ريب.. أن غموض الأمر وأسراره، قد تفسره تلك الفيوض الروحية التي تعبق أجواء المكان.
عبرة وعظة
وقال الشيخ الدكتور يوسف الوابل مدير التوجيه والارشاد بالحرم المكي الشريف انه لا يوجد نص صريح بمنع الصعود إلى جبل الرحمة أو جبل ثور فلو ذهب الشخص إلى هذه الاماكن لكي يتخذ العبرة والعظة ومشاهدة ما كان يعانيه الرسول صلى الله عليه وسلم قديما فلا بأس في ذلك ولكن يجب ان لا تمتهن هذه الاماكن وان يحافظ على قدسيتها كما انه يجب ان يكون ذهابه إليها لاخذ العبرة والعظة وان لا يكون هدفه التقرب والعبادة بذلك لأن العبادات شرعها الله وحددها.