الطائف.. من اغتال براءة الورد؟

تزايد المتخلفين والمخالفين أدى لارتفاع نسبة الجرائم فيها

اعداد: عبدالله دراج

ماذا يحدث في الطائف ؟
وكيف تحولت تلك المدينة التي امتازت بالهدوء.. واشتهرت بالجمال الى مصدر نشط لأخبار الجرائم والجنايات والحوادث الغريبة التي لم تكن يوماً ضمن قاموس المدينة الذي تشغل مفردات الحب، والتسامح، والورد معظم صفحاته. فالطائف لمن لا يعرفها -وهم قليلون- واحدة من أرق وأجمل بقاع الأرض..
اشتهرت بإنتاج أجود أنواع الورد على مستوى العالم.. وبلدة تزرع الورد ستلفظ حتماً كل ممارسة لا تليق بها.. فالورد والجريمة نقيضان لا يتفقان..
اذن.. ماذا يحدث في الطائف؟ وكيف، ومتى، ولماذا تسللت اليها تلك النوعيات من الجرائم؟
وهل تعتبر تلك ظاهرة طارئة ستزول حال زوال مسبباتها؟ أم ان ذلك السلوك الاجرامي قد استغل بعض الحيثيات والتناقضات والمفارقات التي تعيشها كافة المجتمعات فاستوطن غير آبه بالزمان والمكان؟ هل كل ما شيع أو نشر عن حجم الجرائم، ونوعها حقيقة؟ أم ان الرواة ووسائل الإعلام بالغت في نقل الحقيقة بشكل أساء في النهاية الى سمعة الطائف المدينة.. والطائف التاريخ..
والطائف السياحة.. والمستقبل؟ أسئلة ضخمة تبحث منذ زمن عن إجابة علها تطمئن أهل الطائف ومحبيها.
ليس صحيحاً ما يردده أو يتوقعه البعض من أن المجتمع الطائفي يميل في تركيبته الى العنف أو القسوة في التعامل.. وليس صحيحاً أن بيئة الطائف الجبلية وقساوة تضاريسها انعكست على السلوك العام لأهلها. فتاريخ الطائف القديم وواقعها الحديث يؤكدان غير ذلك. فالطائف كما تقول بعض الروايات قطعة من الشام حملها جبريل على جناحه وطاف بها حول الكعبة المشرفة ثم وضعها في مكانها وذهب البعض الى حرمتها وحرمة شجرها وطيرها كحرمة مكة المكرمة.
وهي من المدن القليلة التي لم يأذن الله سبحانه وتعالى لرسوله ان تفتح بالقتال {وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا} وانما فتحت بالسلم والمفاوضات ودخل أهلها الإسلام طوعاً.
وفي التاريخ الحديث شهدت الطائف إنهاء أكثر المشاكل والخلافات تعقيداً وساهمت من خلال أجوائها المريحة وهدوئها الأخاذ وكرم وأريحية وطيبة أهلها في وضع حد لتلك الخلافات الشائكة ومنها على سبيل المثال معاهدة الطائف بين المملكة واليمن عام 1353هـ والتي تم فيها الاتفاق بين الدولتين على حل كثير من القضايا المعلقة الأمر الذي انعكس ايجابياً على العلاقة بين البلدين حتى الآن.
كما شهدت أطول وأصعب المفاوضات بين الفرقاء من لبنان الشقيق، والتي نتج عنها معاهدة الطائف الشهيرة للسلام في لبنان، وبموجبها تم الوئام في ربوع هذا البلد وانتهت حروبه التي دامت حوالى 15 سنة وكان هذا عام 1409هـ.
ثم شهدت الطائف بعد ذلك مباحثات سلام بين الأحزاب الأفغانية انتهت بتوقيع معاهدة صلح امام الكعبة المشرفة.
كما شهدت الطائف عقد الكثير من المؤتمرات الدولية والإقليمية والخليجية من أشهرها على الإطلاق مؤتمر القمة الإسلامي الثالث عام 1401هـ.
نماذج مأساوية
عندما نتحدث عن الجريمة وارتفاع معدلاتها في الطائف، فإننا لا نعني تلك التي لا تخلو منها أي مدينة أو مجتمع، وإنما نشير إلى نوعيات غير تقليدية من جرائم ظهرت في الطائف فجأة، وفي حين غفلة من الجميع.
ومن بين تلك الجرائم المأساوية التي حدثت في الطائف وأثارت الرأي العام مقتل عدد من عمال البقالات في أزمان وأماكن مختلفة من المدينة.
وتفاصيل تلك الحادثة تقول جريمة قتل ارتكبت في حق اربعة من عمال البقالات الصغيرة في مواقع مختلفة وجميعها في ظروف متشابهة ومتقاربة ومتطابقة تقريباً في إدارة الجريمة ووقتها ومكانها.
والجريمة الأولى وقعت في حي السداد بالطائف بإقدام الجاني على قتل عامل البقالة من الجنسية الافغانية بإطلاق النار عليه من الخلف من مسدس عندما كان القتيل يجلب غرضاً من رفوف البقالة ثم اقفل الباب عليه داخل البقالة وتركه وسط بركة من دمائه وتم ابلاغ الشرطة بالأمر التي باشرت أعمالها.. وقبل أقل من عشرين يوماً أقدم الجاني على قتل ضحيته الثانية فكانت هذه المرة من الجنسية البنغلاديشية وتشابهت مع الأولى في وقت تنفيذها ومكانها في بقالة وقد اطلق عليه النار وفر هارباً وخرج المجني عليه بعد اصابته الى الشارع مستغيثاً بالمارة او الوصول الى المستشفى الملاصق للبقالة ولكن القدر لم يمهله فسقط ميتاً وسط الشارع العام. وبينما كانت الجهات الأمنية تكثف جهودها في الطائف للتعرف على الجاني والوصول اليه ارتكبت جريمتان اخريان متشابهتان تقريباً احداهما في مكة المكرمة والاخرى في بحرة بالقرب من جدة ذهب ضحيتها عاملان في البقالتين اللتين ارتكبت فيهما الجريمة.
وجريمة اخرى فجع بها اهالي الطائف جرت فصولها في وضح النهار قتلت فيها امرأة وابنتها وأمها اثناء غياب زوجها وتواجد الأبناء في مدرستهم.اضافة الى مقتل اربع نساء وطفلة في ثلاث جرائم متفرقة تتشابه في طريقة التنفيذ في بعضها وتختلف الطريقة في الأخرى.
جرائم بشعة دون شك، تداولتها الصحف ولاكتها الألسن، وتبرأ منها أبناء الطائف على اعتبار انها جرائم دخيلة وسلوك ممقوت لا يقبل به أي سوي.
يضاف الى ذلك جرائم اخرى كالسرقة والسطو وصناعة الخمور وترويج المخدرات.
صحيح ان لا جريمة تقيد ضد مجهول، وصحيح ان اجهزة الأمن القت القبض على كل منفذي تلك الجرائم وأحالتهم للعدالة كي ينالوا جزاءهم، ولكن يظل السؤال: ما هي الاسباب التي أدت الى وقوع مثل هذه الجرائم؟
ومتى بدأت تنتشر حتى اوشكت ان تكون ظاهرة؟
مخالفو النظام
يشير سلطان الداموك عمدة حي الشرقية والشهداء وهما من أكبر وأهم الأحياء في الطائف الى ان مثل هذه الجرائم بدأت تنمو وتتزايد منذ سنوات وقال: تختلف اسباب هذه الجرائم، فبعضها اسباب اقتصادية وبعضها اجتماعية واخرى تربوية ولكن السبب الأهم والرئيس في نظري هو تزايد العمالة من المتخلفين ومخالفي نظام الاقامة والعمل ممن رأوا في ممارسة الجريمة من قتل وسطو وسرقة واعمال اخرى غير مشروعة وسيلة للوصول الى غاياتهم في جمع المال وهذه المشكلة يتحمل مسؤوليتها الجميع، وهناك عبء مسؤولية خاصة تقع على عاتق المواطن وبدون تعاونه لا يمكن للأجهزة المعنية ان تضطلع بدورها على الوجه الأكمل.. فتوفير المأوى للمتخلفين وتأمين العمل لهم باعتبارهم الأرخص والتستر عليهم يشجعهم على البقاء في البلاد بصورة غير مشروعة وبالتالي ممارسة مختلف انواع الجرائم ومن ثم نشرها كثقافة تنتقل عدواها الى بعض ضعاف النفوس من ابناء الوطن.
وعن دور عمد الأحياء في الحد من انتشار الجريمة قال الداموك: لا شك ان لعمد الأحياء دورا مهما في هذا الجانب من خلال رفع مستوى الوعي لدى السكان ومتابعة مختلف الجوانب الأمنية والاجتماعية بالتنسيق مع الإدارات المعنية ولكن ذلك الدور مرهون بالإمكانات المتاحة لعمد الأحياء التي لا تلبي في معظمها أبسط المقومات التي تمكنه من القيام بدوره والاضطلاع بمسؤولياته على الوجه الأكمل ومع ذلك نحرص على الاجتهاد ونستثمر بعض الإمكانات الذاتية وبعض مساهمات الخيرين من المواطنين للقيام بدورنا والمساهمة في الحفاظ على امن الوطن والمواطن والمقيم.
تلاشي الظاهرة
ويشير عمدة حي الشرقية الى ان تناقص اعداد المتخلفين ومخالفي نظام الاقامة والعمل سيساهم بشكل مباشر في انخفاض نسبة الجريمة في الطائف كغيرها من مدن المملكة مؤكداً ان الفترة الماضية شهدت عدداً من الحملات الأمنية الناجحة على طريق القضاء نهائياً على هذه الظاهرة،.
وقال: نجحت الأجهزة الأمنية المختلفة في تضييق الخناق على مواقع المتخلفين التي غالباً ما تكون منازل شعبية متهالكة يتجمعون فيها بأعداد كبيرة ويحولونها إلى أوكار لممارسة الرذيلة وينطلقون منها لممارسة الأعمال والنشاطات غير المشروعة وتمكن رجال الأمن والجوازات من تمشيط معظم الأحياء والمناطق المحيطة ونتج عن عمليات الدهم الكشف عن العديد من المخالفات كأوكار لدعارة وترويج المخدرات بشتى أنواعها والقبض على أعداد كبيرة من المتخلفين والكشف عن السحرة والمشعوذين ورصد كميات كبيرة من المواد الغذائية الفاسدة والمعدة للبيع والكشف عن سيارات ولوحات مسروقة وغيرها من المخالفات، الامر الذي ساهم بشكل كبير في انخفاض معدلات الجريمة.