اتفاقات الطائف ومكة وجدة تأكيد على دور المملكة في تحقيق الاستقرار وتعزيز الأمن العربي

الدور السعودي يعمل من أجل خلق بيئة مناسبة لحل المشاكل وتحقيق المصالحات

فتحي عطوة (القاهرة)

ظل دور المملكة في حل القضايا العربية دائما ومستمرا منذ نشأة النظام الإقليمي العربي بنشأة الجامعة العربية عام 1945، كما كان للمملكة تواجد مستمر لدعم فكرة التضامن العربي، وتدخلت المملكة مرارا وتكرارا لدرء المخاطر المحيطة بإطارها الإقليمي كجزء من رسالتها تجاه عالمها العربي والإسلامي والدولي. وقد كان نجاح الدور السعودي يرتبط دائما بالتزام أطراف المشكلة بتنفيذ مايتم الاتفاق عليه وغياب النجاح دائما يعود إلى عدم التزام الأطراف كما هو الحال بين فتح وحماس بعد اتفاق مكة.
ولم يقتصر الدور السعودي على المساهمة في إنشاء الجامعة العربية ودعمها، وإنما امتد هذا الدور لخلق بيئة مناسبة لعملها من خلال دعم التضامن العربي من جهة وإصلاح ذات البين بين أعضاء الجامعة العربية. ومن استقراء المواقف السعودية نجد أن المملكة لها باع طويل في الوساطة وحل المشكلات العربية والدولية ومن الأمثلة على ذلك: وساطة المملكة بين المغرب والجزائر عام 1963، وحل الخلاف بين قطر والبحرين، وهو النزاع الذي يعود إلى عام 1971م، وقد حالت الوساطة السعودية دون تفاقم الموقف، حيث اتفق الطرفان على رفع القضية إلى محكمة العدل الدولية، وبصدور حكم محكمة العدل الدولية في 2001م فقد أسدل الستار على النزاع بين البلدين.
اتفاق الطائف
ويظل اتفاق الطائف نموذجا على الدور الذي لعبته الدبلوماسية السعودية في حل القضايا العربية، إذ استمرت الوساطة السعودية في الأزمة اللبنانية منذ بدء الحرب اللبنانية عام 1975، ولعبت الوساطة السعودية دورا كبيرا وبذل المساعي الحميدة لدى سورية وللتوسط بين الأطراف اللبنانية المتنازعة وذلك لوقف الاقتتال واللجوء إلى التفاوض، وبعد فترة شهر تقريبا من الوساطة السعودية تمكن المبعوث السعودي من التوصل إلى صيغة لوقف النار وافقت عليها جميع الأطراف المعنية. وتضمنت بنود الاتفاق في 25 من سبتمبر عام 1983 الوقف الفوري الشامل لإطلاق النار، وتشكيل لجنة من الأطراف المتنازعة لوضع ترتيبات الاتفاق، وتوجيه الدعوة لاجتماع عاجل لبدء الحوار الوطني اللبناني، وذلك بمشاركة وفدين سعودي وسوري في اجتماعات الحوار. وقد استمر النزاع والاقتتال المسلح داخل لبنان حتى عام 1989 حيث اجتمع معظم الساسة اللبنانيين في مؤتمر الطائف في المملكة العربية السعودية وتم الاتفاق على وضع أسس الأمن والسلام في لبنان وبالتالي إنهاء حرب أهلية استمرت لأكثر من عشرين عاما.
اتفاق فتح وحماس
وهو الذي وقع في مكة المكرمة في فبراير 2007 وأسفر عن تشكيل حكومة وحدة وطنية ولو طبقت الأطراف بقية البنود لانتهت المشكلة بين الإخوة الفلسطينيين.
مؤتمر العراق
استضافت المملكة يومي 27 و28رمضان 1427 هـ الموافق 19 و20 أكتوبر 2006 م، مؤتمر مكة الذي عقد تحت مظلة منظمة المؤتمر الإسلامي والذي شاركت فيه شخصيات دينية من الشيعة والسنة من أجل التوصل إلى وقف نزيف الدم في العراق.
أمل جديد للصومال
تأتي زيارة الوفد الصومالي الموسع للمملكة برئاسة الرئيس عبدالله يوسف أحمد رئيس جمهورية الصومال، والتوقيع امس الاول على اتفاق المصالحة الصومالية تكريسا للدور الذي تضطلع به المملكة في الأزمة الصومالية منذ بدايتها قبل 16 عاما ، وفي نفس الوقت تفعيل الدور العربي باعتبار المملكة رئيسا للقمة العربية في الدورة الحالية.
فمنذ بداية الأزمة الصومالية أيدت المملكة الجهود المبذولة لوقف الصراع وإنهاء الخصومات وإحلال السلام وتحقيق الأمن والاستقرار في الصومال، ورحبت بكل الاتفاقات السابقة الخاصة بالمصالحة الوطنية بين الفصائل المتنازعة.
وقد كانت المملكة رائدة وسباقة في تقديم الإغاثة من دواء وكساء ومواد غذائية وخيام وأدوية طبية وقبل ذلك وبعده كانت المملكة تؤكد على ضرورة وأهمية إيجاد دور لجامعة الدول العربية لرأب الصدع بين الأطراف الصومالية، والتأكيد على أهمية الجلوس للمفاوضات. حيث أثمرت جهود المملكة بأن تحركت الجامعة العربية بشكل جدي وسريع في اتجاه حل الأزمة الصومالية، وظلت المملكة تولي هذه القضية اهتماماً كبيراً وتبرزها بشكل واضح وجلي من خلال الاجتماعات الوزارية والقمم العربية، وأصبحت المملكة عضواً فاعلاً ومؤثراً في اللجان التي كونت لوضع حد للقتال في الصومال.
والمملكة منذ البداية شاركت في المصالحة بدءا من مؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية الذي عقد في جيبوتي في الفترة من (14-17 يوليو 1991م) بالعاصمة الجيبوتية ضمن الدول التي شاركت في ذلك المؤتمر مؤكدةً حرصها على الخروج بأفضل النتائج.
وقد كان واضحاً أن حكومة المملكة وحكومة جيبوتي والحكومات المشاركة قد سعت لتوفير مظلة واسعة لتغطية المؤتمر الذي راهنت على نجاحه، حيث كانت البداية للإعداد للمؤتمر المشاورات التي تمت بين قيادات هذه الدول وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي شجعت الرئيس الجيبوتي وقتها حسن جوليد للقيام يجولة في عدد من الدول لتأكيد مساهمتها ومشاركتها في دفع عملية السلام في الصومال، فضلاً عن إرسال مبعوثين لعدد آخر من الدول ثم توجيه الدعوة لأكثر من عشرين دولة لتشارك في مؤتمر المصالحة الصومالية وهي دول مؤثرة في القضية الصومالية بحكم موقعها الإقليمي والدولي فضلاً عن مشاركة فاعلة لعدد من المنظمات الدولية والإقليمية المهمة.
كما شجعت المملكة منظمة المؤتمر الإسلامي، لأداء دورها في إحلال السلام وتشجيع الوفاق والمصالحة الوطنية بين الأطراف الصومالية المختلفة، وبالإضافة إلى ذلك فقد دعت المملكة وشجعت جامعة الدول العربية لأداء دور مماثل من أجل إحلال السلام في ربوع الصومال. وقد ظلت المملكة تتابع باستمرار أعمال مؤتمر جيبوتي، حيث كانت حريصة على نجاح هذا المؤتمر وليس أدل على ذلك من دعوة المملكة للمؤتمرين، بعد النجاح الذي تحقق، لعقد الجلسة الختامية للمؤتمر في المملكة العربية السعودية، حيث وصلت جميع الأطراف الصومالية إلى مدينة جدة يوم الأربعاء 13-1-1412هـ الموافق 24-7-1991م برئاسة الرئيس الصومالي الأسبق ورئيس المؤتمر (أدن عبدالله عثمان).
واليوم ترعى المملكة مؤتمر المصالحة الصومالية الذي استمرت مداولاته منذ منتصف يوليو 2007 وحتى آخر أغسطس 2007 وتنفيذ ماتم الاتفاق في مقديشيو وأهم النقاط التي اتفق عليها:
- وقف إطلاق النار ونزع السلاح.
- اقتسام السلطة والثروة.
- ضمان حقوق الأقليات وتطبيق الديمقراطية، والقضاء على التطرف الديني وتنظيم علاقة الدين بالدولة.
- وحدة الأراضي الصومالية، وإنشاء الأحزاب السياسية وتنظيم انتخابات حرة عام 2009.
وكانت المملكة قد ساهمت بقواتها مع قوات الأمم المتحدة في الصومال فيما سمي بعملية إعادة الأمل في الصومال عام 1993، وغادرت كتيبة مظلات وقوات أمن خاصة إلى المهمة في 19 جمادى الآخرة 1413هـ، للاشتراك في قوة الأمم المتحدة لإعادة الأمل في الصومال على أن يرتبط قائد القوة عملياتياً حال وصوله بالقيادة المحددة في هيئة الأمم المتحدة بعد إبلاغ معالي رئيس هيئة الأركان العامة، و حسب التوجيه السامي الكريم إلى قائد القوة فإن المهمة شملت إيصال المساعدة من الدواء والغذاء والكساء إلى الشعب الصومالي الشقيق، وقد ساهمت الوحدة الطبية المرافقة للقوة بتقديم العلاج وإجراء بعض العمليات الصحية بالتعاون مع الأطباء من دولة المغرب بمستشفى مقديشو، وكانت أعمال الوحدة الطبية ذات أثر كبير وفعال لدى الشعب الصومالي، إضافة إلى تقديم المواد الغذائية والكساء، ونتج عن ذلك احترام القوة السعودية من كافة أفراد الشعب الصومالي.