أبوالعلا..ذاق مرارة اليتم وسعى لإنشاء جامعة أم القرى بـ«الأمل»

صاحب «بكاء الزهر» و«سطور فوق السحاب»

فالح الذبياني (مكة المكرمة)

بعد خمسة وثمانين عاماً من العطاء ودعت العاصمة المقدسة في الثاني والعشرين من شهر ربيع الثاني من هذا العام شاعر مكة المكرمة وابنها البار وصديق الفقراء الشاعر علي ابو العلا بعد معاناة طويلة مع المرض استمرت ما يزيد عن عشر سنوات، ودعت مكة المكرمة علي ابو العلا صاحب (بكاء الزهر) و(سطور على اليم) و(سطور فوق السحاب) هذا الشاعر الذي استنطقت قصيدته الشهيرة (امل تجسد) الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله حيث تجاوب على الفور ليوجه بإنشاء جامعة ام القرى في احتفالية مكية توهجت فيها نبرات صوت ابو العلا وصدحت عالياً. تصوم اسرة ابو العلا شهر رمضان المبارك وهي تتذكر مآثره وتبكي فقده، يشعر ابناؤه واحفاده بغصة تعتصرهم وهم يفتقدون والدهم بعد ان كانوا يسعدون بكلماته ويشعرون بارتياح تام وهم يستمعون لاحاديثه ونصائحه قبيل اطلاق مدفع الافطار لاولى طلقاته، «عكاظ» التقت ابناءه واحفاده ومحبيه ورصدت حياة هذا الانسان ليس في شهر رمضان المبارك فقط وانما مسيرة حافلة بالعطاء والشاعر علي ابوالعلا يعتبر من الشعراء البارزين في العاصمة المقدسة وقد اقام منتدى في مكة المكرمة كان يعقد شهرياً يجتمع فيه الادباء والشعراء وكان له اثر كبير في تطوير الحركة الادبية فيها.
خادما لوطنه
يقول ابنه حاتم لم يكن الوالد رحمه الله شخصية ادبية فحسب.. ولم يكن شاعراً فقط نذر ادبه وشعره لخدمة وطنه ودينه.. بل كان قبلها خادماً لهذا الوطن العظيم بدءاً من موظف، ثم مسئول حتى تقلد العديد من الوظائف المهمة مثل رئيس بلدية.. واخيراً وكيل امارة منطقة مكة المكرمة المساعد. ولعلي عندما اتحدث عن الجانب الانساني والاجتماعي في حياة والدي فإن ذلك يجيء من مشاهداتي اليومية منذ نعومة اظافري، اذ عرف بخدمة الناس والسعي لقضاء حوائجهم وخاصة الضعفاء والنساء والارامل والايتام.
مرارة اليُتم
كان مكتبه مفتوحاً امام الجميع.. بل حتى منزلنا كان مفتوحاً لاستقبال الناس حتى انه خصص منتدى ادبياً للتكريم والاحتفاء بالمبدعين والمفكرين، ومن يخدم هذا البلد من المسئولين، ويضيف ابنه حاتم هناك نقطة مهمة في حياة والدي وهي مرارة اليتم في حياته. فلذلك فهو كثير العطف والاحسان على اليتامى والضعفاء، ولم يستطع قفل هذا الجرح المفتوح.
مواصلة الارحام
وعن معرفته بوالدهم وثوابت حياته اليومية يقول (عاصرناه فترة طويلة وكانت له مسلمات لا يقبل التنازل عنها في كل ايام السنة وحتى في رمضان منها الاهتمام بصلة الرحم طوال ايام السنة حتى في مرضه عندما اشتد عليه المرض كان يسأل عن الاقارب والاصدقاء كان حريصاً على التواصل معهم حتى اولئك الذين صحتهم افضل حالاً من صحته لم يكن ليتوقف عن السؤال عنهم، كان يحثنا على التقارب والتواصل، وعن برنامجه في رمضان لم يتغير منذ ان وعينا بالامور ومنها صلاة التراويح كاملةً والقيام بالليل ونحن ولله الحمد نتوالى هذا الامر مع اولادنا ونسأل الله سبحانه وتعالى ان يرزقه الجنة ونعيمها، كان قبل صلاة العشاء يغادر الى المسجد ويحرص على اصطحابنا معه الى ان تنتهي صلاة التراويح بعدها يتجه الى مكتبه الخاص حيث يبدأ في استقبال الناس وقضاء حوائجهم ومساعدتهم والتشفع والتوسط لهم سواءً كانت اجتماعية او عملية او حتى مشاكل بين الاسر، كان حريصاً على قضاء حوائج الناس.
مستشفيات مجانية
وعن ابرز المواقف التي حدثه عنها ولم يعرفها احد يقول (كان والدي في رحلة خارج المملكة حيث نزل في لندن حيث لا توجد في تلك الفترة وسائل اتصال او قنوات فضائية، حيث كان يحصل على الاخبار عن العالم الغربي من اذاعة لندن، وكان من ضمن برامج الاذاعة لقاء لمدة نصف ساعة حيث تمت استضافة الوالد رحمه الله ليتحدث عن المملكة والنهضة التي تمر بها كونهم لا يعرفون عن المملكة شيئاً، وكان جلالة الملك فيصل رحمه الله يستمع للبرنامج من المملكة الذي يبث مباشرة وقد تحدث والدنا عن المستشفيات المجانية التي امر ببنائها الملك فيصل رحمه الله حيث أسهب الوالد في ذكر عدد المستشفيات والمدارس والمبالغ والاعتمادات المالية لها، وعندما عاد الوالد الى المملكة ابلغ بضرورة مقابلة الملك فيصل وعندما التقاه اثنى على اللقاء وعلى وطنية الوالد الصادقة والحقائق التي ذكرها بدون مبالغة وقربه منه وفرح بهذا اللقاء رحمهم الله جميعاً.
عمله في الطوافة
تقول ابنته عبير ان والدها عمل في مجال الطوافة حيث كان اول رئيس لمؤسسة مطوفي حجاج الدول العربية وكان من الذي اعدوا نظام مؤسسات الطوافة كما عمل كرئيس للجنة توزيع اراضي المشاعر المقدسة المخصصة للخيام كسكن للحجاج لمدة 25 عاماً وكان يعتمد على خرائط دقيقة جداً وآلية لم اكن اتوقع ان تكون تستخدم في تلك الفترة، كان بحكم مهنته كمطوف شديد الارتباط بامور الحج وخدمة الحجاج وكان يباشر عدة اعمال من موقع واحد.
برنامجه اليومي
وعن برنامجه اليومي يقول ابنه حاتم ان نظام الوالد رحمه الله لم يتغير منذ ان عرفناه ومنذ ان كان موظفاً في وزارة المالية ثم وزارة الداخلية ثم الى امارة مكة المكرمة وحتى عندما انتدب لرئاسة بلدية جدة عام 1385هـ حيث أقلم نفسه على الاستيقاظ قبل صلاة الفجر وبعد اداء الصلاة يعود للنوم مرة اخرى ثم يتوجه الى عمله وكان حريصا على القيلولة بعد عودته من العمل وقبل المغرب يتجه الى عمله الخاص ويقضي بعض وقته في تسيير بعض المعاملات العملية او حتى الاجتماعية، كنا نضبط ساعتنا على دخوله وخروجه، كان يعود الى المنزل في العاشرة مساءً حيث يتناول الجميع وجبة العشاء، في رمضان كان حريصاً على تناول طعام الافطار في المنزل، وعلى الرغم من حبه للسفر وسفره لكل دول العالم الا انه كان لا يسافر مطلقاً في رمضان مهما كانت المسئوليات والمهام الموكلة اليه، كان بسيطاً في اكله وشربه كان حريصاً على الشوربة والسمبوسك والتمر واللبن والقهوة، ولم يكن حريصاً على الاكل في رمضان.
حياته الاجتماعية
وعن حياته الاجتماعية والاسرية يضيف ابنه حاتم: تزوج والدي ثلاث مرات والحمدلله اولاً من ابنة الشيخ حامد سرحان رحمه الله، ثم تزوج من السيدة زينب مصلي، وثالثاً تزوج من بيت السقاف وله من الابناء عبد العزيز توفاه الله، ثم صلاح مدير اقليمي بالخطوط السعودية بجدة، ثم نادية زوجة الاستاذ سليمان باشا رحمه الله، ثم حسن بالقاهرة، ثم عاصم رجل اعمال، وحاتم رجل اعمال، وبعد ذلك عبير وخالد ومها ومعتز (طالب جامعي).
يقول ابنه حاتم ان والدهم كان كثير الانحياز الى الفقراء والضعفاء، وهو ضد المتاجرة بقوت الناس، حتى وهو في اعلى المناصب الحكومية الرفيعة المستوى، ولا يحب تضخيم السلبيات، ولا يحب انتهاز المواقف، وعندما يتخذ قراراً صارماً يراعي كل القواعد الانسانية، لانه مسكون بالخير في داخله، فهو مفكر واديب بالانسانية والشاعرية.، لم يحقق اي ثروة من عمله الحكومي المتعدد الذي كان في بعض منه في مواقع هامة كانت كفيلة لو استغلها لكان من كبار التجار لكنه كان يراقب الله في كل شيء والحمد لله.
عمله في الامارة
يقول الشيخ ابو العلا رحمه الله في احدى المقابلات الصحفية التي اجريت معه عن نظرته للوظيفة وماذا حققت له (الوظيفة أعتقد انها اكسبتني خبرة ودراية ومعرفة,, لما مر بي في ميادين الوظيفة في مراكز مختلفة, فكنت رئيساً لبلدية جدة لفترة عامين تقريباً, انتقلت بعدها سكرتيراً للجنة الحج العليا بامارة منطقة مكة المكرمة، وهذان المرفقان اكسباني خبرة اعتز بها خاصة في الحج والحجاج، وفي نطاق البلديات عند معالجة امورها من امارة مكة اثناء عملي في الامارة، حتى تدرجت ووصلت الى وكيل امارة مكة المساعد وكان لوجودي بجانب اصحاب السمو الامراء ماجد ومشعل ومتعب واحمد وفواز، فكل واحد منهم مدرسة قائمة بذاتها.
قصيدة الجامعة
ويضيف ابنه حاتم كانت رؤيته لكل امور الحياة متسعة، ولا تضيق معه في احلك الظروف الصعبة والحرجة وذلك بفضل الخبرة وتراكم التجارب الكبيرة مع الكبار في بلادنا، كما كان شخصية متعددة العطاءات.. تحار في الامساك بجانب وترك آخر.. فكلها روافد. لقد غمرنا بحبه ونحن صغار واحرجنا بأخوته عندما كبرنا واصبح يعاملنا كاصدقاء.. لم يضع امامنا حواجز طيلة العمر معه.. بل كان يتجاوز كل الرسميات.. ويحول الحياة العملية والرسمية الى اخوية ودية تصل في مراحل الى الطفولية لبراءة التعامل وشفافيته، ويضيف ان احفاده الصغار افتقدوه فكان يقدم لهم الهدايا وينظم فيهم القصائد لقد حول حياتنا الى كرنفال من اللقاءات والاحتفاء بالآخرين والتعامل المنصهر في خدمة الانسان والوطن، اما عن شعره فإنه نذر شعره لخدمة دينه ووطنه ومليكه وقضايا مجتمعه خلال ما يزيد عن نصف قرن ناقش فيها العديد من القضايا الوطنية والمطالب الاجتماعية التي كان ابرزها قصيدته امام الملك خالد رحمه الله وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد والتي عرض فيها حاجة اهل مكة لجامعة تلبي احتياجات طالبي العلم.. فما كان من الملك خالد رحمه الله الا ان استجاب في نفس الحفل وامر بانشاء جامعة ام القرى... وكان مطلع القصيدة...
نحتاج جامعة تضم معاهداً
في قلب مكة تزدهي وتنيل
طلاب مكة والضواحي والقرى
شتى العلوم، وأسُّها التنزيل
لتكون صرحاً من صروح بنائكم
للعلم، والجهل البغيض يزول
صالونه الادبي
وعن نشأة المنتدى او الصالون الادبي يقول ابنه حاتم فكر الوالد في انشاء صالون ادبي ليكون توأمة لمنتدى الشيخ عبد المقصود خوجه وعرض الفكرة على الشيخ عبد المقصود فأيد الفكرة ودعمها وشجعها وافتتح المنتدى في عام 1418هـ على شرف الشيخ عبد المقصود خوجه، وكان يطلق عليه صالون ابو العلا الادبي ثم تم تغيير المسمى الى منتدى ابو العلا الادبي وكان يقام مساء كل يوم جمعة حيث كانت معظم لقاءاته يوم الجمعة، وقد اعطيت الوالد وعداً باستمرار المنتدى حيث تم الترتيب لإقامة أول لقاء بعد عيد شهر رمضان المبارك الجاري بإذن الله تعالى.
وحول كتابة الشعر في رمضان يقول ابنه حاتم كان الوالد رحمه الله يكتب الرباعيات في رمضان وهي قصائد شعرية، كان عاشقاً لمكة المكرمة وله قصيدة شهيرة جداً حتى ان الفريق يحيى المعلمي في احدى المناسبات اشاد بشعر الوالد وقال (ينتابني شعور ان اطلق عليه شاعر مكة المكرمة)، ويضيف كنت توأم الروح لوالدي فكان يقول الشعر وانا اكتبه وسأصدر قريباً كتاباً يضم قصائد جديدة له لم تنشر بعد.
الفشل الكلوي
وعن فترة مرضه قال بدأت في عام 1423هـ عندما تعرض لجلطة قلبية، حيث كان يتعاطى الادوية التي اثرت على وظائف الكلى وقد سببت له ضعفا ادى الى الفشل الكلوي فأصبح بالنسبة للكلى يجري غسيلا كل يومين منذ عام 1424هـ، وكان حريصا على حضور المنتدى حيث كانت آخر مناسبة له حضرها تكريم الدكتور حامد هرساني في منزلنا، لكن بعد ذلك تعذر عليه الحضور منذ عام 1426هـ بعد ان تدهورت حالته الصحية فاصبح يقوم بغسيل الكلى 3 مرات في الاسبوع.
السيرة الذاتية
ولد علي ابو العلا في مدينة مكة المكرمة في شهر رجب عام 1343 في حارة جبل هندي بالشبيكة زقاق الشرباصي جوار منزل الصفطة، نشأ في مكة وترعرع بها في بداية حياته دخل كتاب العبادي بأجياد ونشأ يتيم الاب في بداية حياته وعمره سنة، ثم تولت عمته خديجة تكملة تربيته وكانت تسكن حارة الشبيكة بجوار باب العمرة بزقاق الخطيب وحفظَ القرآن حتى سورة يس عن ظهر قلب. بعد تعليمه وتلقيه الكتاب، نقل الى المدرسة الاهلية لصاحبها الشيخ محمد امين فدخل لدراسة الخط والحساب والانشاء لدى الشيخ ابراهيم حلواني وقضى ثلاث سنوات في هذه الدراسة حتى اتقن الخط وحفظ الكثير من القصائد الشعرية، انتقل الى المدرسة الفيصلية بميدان المحجوب ثم انتقل الى المدرسة العزيزية في الشامية ولم يكمل دراسته بتحضير البعثات حيث وصل حتى السنة الثانوية وخرج من المدرسة لظروف عائلية عام 1360هـ، بعد تركه الدراسة عمل بوزارة المالية في مصلحة الطرق على وظيفة (كاتب) بعدها تفرغ لشؤون الحج والحجاج ثم تفرغ لأعمال خاصة، ثم عمل في وزارة المالية، ثم الى وزارة الداخلية، انتدب رئيساً لبلدية جدة, حتى منتصف عام 1384هـ، تدرج في الاعمال الوظيفية بديوان امارة مكة المكرمة فتم ترفيعه الى وظيفة مدير الشؤون الادارية العامة.