التعامل مع الوسيط الأمريكي المنحاز

د. طلال صالح بنان

السيدة كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية زارت مؤخراً القدس ورام الله، في محاولة منها، كما قالت الاستفادة من زخم التقارب الفلسطيني الإسرائيلي، الذي ظهر في لقاءات رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس في الفترة الأخيرة. السيدة رايس، كما هي عادتها أكدت على الطبيعة «التوافقية» للدور الأمريكي، من أجل تقريب وجهات النظر بين الجانبين، دون محاولة جادة لتطوير دور أمريكي فَعّال، لتشجيع أي منهما ودفعهما في اتجاه تطوير إرادة حقيقية للسلام بينهما. لكن السيدة رايس، لم تكن محايدة كما اجتهدت أن تبدو خلال الزيارة، عندما وافقت على إعلان إسرائيل بأن قطاع غزة هو بمثابة منطقة عدائية لإسرائيل.. وأثنت على ذلك، عندما أكدت أن حركة حماس، هي عدو لأمريكا...!؟ كيف تتصور السيدة رايس إمكانية الحصول على ثقة الفلسطينيين، في أي مسعىً «حميد» يمكن أن تقوم به، والإسرائيليون لا يتركون مناسبة لتأكيد توجههم العدائي والقتالي للتعامل مع المسألة الفلسطينية، في الوقت الذي يتحدث فيه الجميع، بمن فيهم السيدة رايس، عن احتمالات التسوية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حتى ولو كان المعني بتصريحات إسرائيل النارية وتأمين السيدة رايس عليها، حركة حماس وقطاع غزة..!؟
مع هذا الموقف التقليدي المبدئي لأمريكا في إصرارها على أن تبدو مثل الوسيط «المنحاز»، في ما يخص قضية السلام في المنطقة والحل النهائي لأزمة الصراع العربي الإسرائيلي، يبدو العرب مصرين على مواصلة انطلاق مبادرتهم السلمية بالزخم الذي حصلت عليه هذه المبادرة في قمة الرياض العربية في مارس الماضي. بالرغم من التوضيحات، غير المشجعة التي جاءت عن الإدارة الأمريكية بخصوص مؤتمر السلام الذي دعت إليه واشنطن بالنظر إلى أن المؤتمر ليس بأكثر من دائرة مستديرة يتم فيها تبادل الأفكار، دون أي التزام مسبق بحل القضايا الرئيسية التي تتحكم في حركة الصراع العربي الإسرائيلي.. أو تلك التي لها علاقة بتسوية المسألة الفلسطينية..!؟
بالرغم من هذا التراجع الأمريكي الممنهج، الذي أضحى يغلب على كل المبادرات الأمريكية من مشروع خارطة الطريق إلى مبادرة المؤتمر الدولي للسلام، يبدو أن العرب ينظرون إلى كل تلك الصعاب التي تواجه مسيرة مبادرتهم السلمية، على أنها عقبات مزعجة في طريق تفعيل المبادرة، غير قادرة إلى الآن أن تجعل العرب يتراجعون عن السلام كخيار استراتيجي أو يعلنون موت أو فشل مبادرتهم السلمية. طالما هناك خطوط اتصال مفتوحة مع الأمريكيين، على الأقل، لمناقشة فرص السلام واحتمالاته، فإن العرب سيمضون في انطلاقة مسيرتهم السلمية، لآخر مدى يمكن أن يصلوا إليه، دون المساومة على ثوابت الموقف العربي الثابت، الذي حددته مبادرة السلام العربية.
الوفود العربية، التي خولت الجامعة دولها القيام بجهد تفعيل مبادرة السلام العربية، تقوم بنشاط دبلوماسي مكثف في موسم اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية، حتى أن هذه الوفود العربية فرضت أجندتها وحضورها على اجتماعات اللجنة الدولية الموكل إليها تفعيل مشروع خارطة الطريق، السبت المقبل في نيويورك. العرب، من حيث المبدأ، لا يرون في خارطة الطريق (الأمريكية الدولية في ما بعد)، جهداً مناوئاً أو متناقضاً مع مبادرة السلام العربية، التي سبقت مشروع خارطة الطريق بعام. بالعكس، العرب يرون في مشروع خارطة الطريق جهداً تكاملياً مع مبادرة السلام العربية، بالرغم من محدودية أجندته التي تركز على الصراع، في بعده الجزئي (المايكرو)، الفلسطيني الإسرائيلي . من وجهة النظر العربية، أن أي اختراق على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية، سيتكامل في مراحل مقبلة، مع تطوير اختراق على حركة الصراع في مستواها الكلي (الماكرو)، في ما يخص السلام بين العرب وإسرائيل.
كذلك، فإن أي اتصال للوفود العربية باللجنة الرباعية الدولية، فرصة للاقتراب من أعضاء اللجنة الآخرين، وبعضهم يحملون تعاطفاً تاريخياً مع الموقف العربي... الأمر الذي يشكل ضغطاً غير مباشرٍ على الأمريكيين، ليكونوا أكثر تجرداً وحِيدة في موقفهم من الأزمة، من أجل إقامة سلام دائم وعادل بين العرب وإسرائيل.
في كل الأحوال: لا يجب تعليق آمال عريضة على تغيير الموقف الأمريكي، في نهاية الفترة الثانية لإدارة الرئيس بوش، التي يبدو أنها لم تتنبه لأزمة الشرق الأوسط، إلا عند مشارف انتهاء فترة حكمها، من أجل دعم الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة، في نوفمبر 2008.
المهم، في كل ذلك، عدم تنازل العرب عن سقف توقعاتهم لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية من مبادرتهم السلمية... مع الإيحاء دائماً، أنهم على استعداد للأخذ بخيارات أخرى، إذا ما اقتضت مسيرة السلام ذلك.